Loading...

قانون إسترداد الودائع... بين الطرح والتطبيق

 

خرج رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في كانون الثاني 2024 وبظل هذا الواقع المتأزم، وعلى هامش المنتدى الإقتصادي العالمي الذي عُقد في دافوس السويسرية بتصريحات صحافية أعلن خلالها بأن الحكومة اللبنانية بصدد دراسة قانون يتعلق باسترداد الودائع، على أن تكون الأفضلية لصِغار المودعين الذين تقلّ قيمة ودائعهم عن 100 ألف دولار أميركي، مؤكدًا أن القانون لن يكون مجحفًا بحقهم، وسيتم الانتهاء من إعداده بـ"أسرع وقت".

 

من الناحية العملية، لا يمكن الحديث عن الإنتظام المالي في لبنان واسترداد الثقة بالقطاع المصرفي ما لم تكن قضية إعادة أموال المودعين أولوية أيّة خطة إصلاحية، إلا أنه ومنذ سنوات ورغم عشرات التصريحات السياسية التي تؤكد على "قدسية الودائع" وضرورة حمايتها، لا يزال الصراع قائم بين الدولة، مصرف لبنان، والمصارف حول توزيع الخسائر ومن يجب أن يتحمّل مسؤولية تبديد الودائع، ولم نصل حتى الساعة لخطة يمكن أن يُعوّل عليها. 

 

وفي هذا الإطار، أكّد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في مقابلة صحافية أن إعادة الأموال للمودعين ليست مستحيلة، ويجب أن لا ينتظر المودعون لفترة أكثر للحصول على أموالهم. بالمقابل كان 11 مصرفًا قد تقدم في كانون الأول الماضي بمُذكرة ربط نزاع إلى وزارة المالية تطالب الدولة بتسديد ديونها والتزاماتها الى مصرف لبنان (ما يزيد عن 68 مليار دولار)، إضافة إلى العجز عن عامي 2021 و2022، لكي يتمكّن الاخير من تسديد التزاماته الى المصارف اللبنانية، لتتمكّن بدورها من اعادة اموال المودعين. 

 

يُذكر أن قضية الودائع وضبط القطاع المصرفي كانت من الأسس التي شدد عليها إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار "3RF" الذي وضعته الحكومة اللبنانية بالتعاون مع المجتمع الدولي عام 2020 كجزء من الاستجابة الشاملة لإنفجار مرفأ بيروت. ويدعو الإطار الحكومة اللبنانية إلى تنفيذ إصلاحات جوهرية على صعيد الاقتصاد، بما في ذلك تحقيق تقدم مع صندوق النقد الدولي، إعادة هيكلة الديون والقطاع المالي، التدقيق المحاسبي الجنائي للبنك المركزي، إصلاح القطاع المصرفي، فرض ضوابط على حركة رأس المال، توحيد أسعار الصرف، وخلق مسار موثوق ومستدام للمالية العامة.   

 

ما هو القانون المطروح حاليًا؟

يُعدّ قانون إسترداد الودائع المطروح حاليًا والمعروف بقانون "معالجة أوضاع المصارف"، دمج بين نصّين وهما، القانون المتعلق بإصلاح وضع المصارف في لبنان (وهو مشروع قانون معروض على الحكومة ولم يُناقش حتى الساعة)، واقتراح قانون لإعادة الانتظام المالي.

 

وفي توضيح حول ماهية القانون، أشارت المديرة التنفيذية لجمعية "كلنا ارادة" ديانا منعم في حديث الى موقع "مهارات نيوز" إلى أن القانون فيه شِقّين، الأول يتعلق بآلية التعويض على المودعين والأسس التي يتم اعتمادها لتوزيع الخسائر، والثاني حول من هي المصارف التي يجب أن يُعاد هيكلتها، وتلك التي يجب تصفيتها، ورأت بأن القانون ملتزم بالمعايير الدولية لناحية الهرمية في توزيع الخسائر والتي تبدأ برأس مال المصارف وبعدها الموجودات، كما يحترم مبدأ تأمين حماية شاملة لعدد معين من المودعين، ويحترم المعايير الدولية لناحية إعادة هيكلة المصارف.

 

وحول الملاحظات على القانون المطروح، لفتت منعم الى أن السؤال هو حول كيفية تقسيم الودائع وتصنيفها، فاليوم تُقسّم الودائع إلى ودائع مؤهلة، وغير مؤهلة ( الودائع التي تحولت الى الدولار بعد 17 تشرين الأول 2019)، إلّا أن التصنيف الأكثر عدالة الذي يجب أن يُعتمد بحسب منعم هو بين الودائع المشروعة وغير المشروعة. وما يُغيّب العدالة أن عملية تحصيل الودائع ستتفاوت من شخص إلى آخر، كلٌ وفق المصرف الذي أودع فيه، فبحسب الخطة هناك بعض المصارف ستتعرض للتصفية ولن تستطيع الإستمرار بحسب شروط الهيكلة الجديدة، بينما سيتم هيكلة مصارف أخرى وتستمر في أداء عملها. 

 

وبحسب منعم، فالقانون تأخر جدًا في الصدور، لانه لو صدر في العام 2019 كان سيكون مُنصفًا أكثر ويقدم تعويضات أكبر، وتُضيف: "يجب أن يصدر القانون بأسرع وقت ممكن من قِبل مجلس الوزراء ويتم تحويله الى مجلس النواب وتعديله وتحسينه وإقراره، لان الوقت مكلف جدًا بالنسبة للودائع والمودعين".

 

وفيما يخص المحاسبة، رأت منعم  بأن هناك تحسن في القانون المطروح، لناحية المطالبة باسترداد الأموال المحولة إلى خارج البلد، فضلا عن اقتطاع مبالغ من الحسابات التي استفادت من الفوائد العالية طيلة السنوات الماضية، إلا أن السؤال الأهم اليوم: من يستطيع تنفيذ اعادة الهيكلة، ومن سيدافع عن هذا القانون حتى يُبصر النور؟ لأنه من الواضح أنه لا يوجد نية سياسية لإقراره، والخطة  المفضلة لدى السلطة هي خطة ظِلّ لتذويب الودائع مع مرور الوقت.

 

واقعية قانون إسترداد الودائع!! 

عمدت المصارف منذ أواخر العام 2019 الى تجميد ودائع المواطنين ومنع تحويل الأموال إلى الخارج، وردّ المودعون برفع الدعاوى القانونية ضد المصارف واقتحام فروعها في المناطق بهدف تحصيل حقوقهم. هذه المحطات والصراعات التي طبعت العلاقة بين المودع والمصرف طيلة الأعوام الماضية، جعلت من أيّة وعود أو قوانين اصلاحية تُطرح موضع شكّ. 

 

وحول قانون استرداد الودائع، يشرح الخبير المالي والإقتصادي وليد أبو سليمان لموقع "مهارات نيوز"  أن القانون يطرح استرداد الودائع على مدى 30 سنة بمبلغ 150 دولارًا في الشهر، ووفق هذه الصيغة، "نحن بحاجة الى عشرات السنوات كي نُعيد الودائع"، كما يجب التنبه إلى أن التضخم المتواصل أدى إلى تآكل قيمة الوديعة.

 

بدوره رئيس جمعية المودعين حسن مغنية أكّد لـ "مهارات نيوز" أن الانتظام المالي يعني مناقشة وتحديد الخسائر بشكل واقعي إضافة إلى تحديد المسؤوليات بشكل منطقي ومبني على أرقام حقيقية، وعندها يمكن أن يكون القانون المذكور أحد الأسس في مخطط الإصلاح.

"ما يحدث اليوم هو جعجعة من دون طحين، وقانون استعادة الودائع لن يُقرّ قبل التسوية السياسية الشاملة التي ينتظرها لبنان، من انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين حاكم لمصرف لبنان وإعادة هيكلة القطاع المصرفي". 

 

وبحسب مغنية فإن الرئيس ميقاتي يعتمد النظام اليوناني الذي ضَمِن للمودع حتى 100 الف دولار بحدود 1000 دولار شهريًا، ما يعني أننا بحاجة الى 8 سنوات وبضعة أشهر لتسديدها، هذا في حال توفرت الأموال أصلًا، وبالطروحات الحالية نحن لا نعالج المشكلة بل نخترع أزمة لحل أزمة أخرى، ففي عشية 17 تشرين الأول 2019 كان يجب أن يكون هناك كابيتال كونترول، ولكن السؤال اليوم: "هل يوجد كابيتال كي يكون هناك كنترول"؟.

 

وقد طُرحت في الفترة السابقة عدة سيناريوهات لحلّ موضوع أموال المودعين، منها بيع أصول المصارف وتأسيس مصارف جديدة، فضلًا عن مشروع قانون هيكلة المصارف الذي طرحته الحكومة عبر نائب الرئيس سعادة الشامي، وغيرها من الحلول التي لم تُبصر النور. وبحسب أبو سليمان فإنه ليس هناك  أي إجراء جدي لحماية أموال المودعين وما يحصل فقط طرح مشاريع وحلول من قِبل من تسببوا في الأزمة بالاصل، واليوم المصارف لا تقدم قروضًا جديدة كما لا تأخذ ودائع، وهي تعيد للناس جزءا صغيرًا من أموالهم بالدولار وبسعر صرف متدني.   

 

 

حلول جديّة !!

يتحضر المودعون للبدء بسحب دولاراتهم وفق التعميم الجديد لمصرف لبنان، فمع انتهاء مفعول التعميم 151 بنهاية العام 2023، أصدر المركزي مطلع شباط 2024 التعميم 166 الذي يتيح للمودع سحب مبلغ 150$ من حسابه وفق المادة الخامسة منه على أن لا يتجاوز المبلغ سنويا ال 1800$، ويُستثنى من التعميم عدة حالات منها من استفاد أو يستفيد من التعميم  158، أو من حوّل وديعته من ليرة إلى دولار بعد 31/10/2019 بما يوازي أو يزيد عن 300 ألف دولار.

 

رغم هذه الإجراءات والتعاميم، يؤكد الخبير وليد أبو سليمان صعوبة إيجاد الحلول الفعلية في ظل المراوحة التي تعتمدها الدولة، مشيرًا إلى ضرورة تطبيق خطة صندوق النقد والتي تبدأ بإعادة هيكلة المصارف، توحيد سعر الصرف، وتوزيع عادل للخسائر، حيث وبعد 4 سنوات على الأزمة لم يُطبق كل هذا بسبب تضارب المصالح، مؤكدًا بان لا حل إلّا باعادة هيكلة المصارف التي تحولت فقط الى ماكنة لسحب الأموال. 

 

والحل الواقعي كما يشرح رئيس جمعية المودعين حسن مغنية لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، وإعادة الودائع بحاجة الى وقت، والحل يبدأ بخطة هيكلة المصارف، فاليوم هناك 55 مصرفًا في لبنان بينما نحتاج فقط إلى 10 منها ، ما يعني أن ثُلثي المصارف يجب أن تُصفّى. ويجب إنشاء "صندوق المودعين" لإعادة الودائع ويُموّل الصندوق من:

1- مصادرة أموال المصارف التي تم تصفيتها.

2- أرباح المصارف في الفروع الخارجية والداخلية.

3- إعادة أموال سندات "اليورو بوند".

4- أرباح مصرف لبنان.

5- تسييل عقارات المصارف المتعثرة وتحويلها للصندوق.

 

وبحسب مغنية، فإن كل ما ذُكر لا يمكن أن يرد كل الودائع ولكن جزء منها، كما أن أموال المودعين لن تُردّ دون محاسبة وتحديد المسؤوليات، و"للأسف اليوم لا نملك ورقة رسمية لشرح واقع هذه الأزمة ومسبباتها". ويضيف لا يوجد حلّ يستطيع مصرف لبنان وحده أن يضعه، فحلّ الأزمة مرتبط بسلّة من القوانين الإصلاحية وهي: قانون الانتظام المالي، قانون هيكلة المصارف، وقانون الكابيتال كنترول الموجود بأدراج مجلس النواب والذي لم يتم حتى الآن الاتفاق على صيغة موحدة له، كما أن قوانين بهذا المستوى امامها عوائق عديدة، أبرزها امكانية عقد جلسات تشريعية في ظل الفراغ الرئاسي.

 

 

وبالعودة للقانون المقترح ومدى حمايته لصغار المودعين، أكد مغنية بأنه في بداية الأزمة كانت قيمة الودائع تساوي حوالي 170 مليار دولار، أما اليوم وبعد أن خسرت الليرة قيمتها أصبحت تساوي حوالي 70 مليار دولار، بينما الموجودات في مصرف لبنان لا تتعدى 12 مليار دولار، كما أن الودائع بالليرة كانت قيمتها 45 ألف مليار ليرة وكانت تساوي حينها 30 مليار دولار على سعر صرف 1500، أما اليوم أصبحت تساوي 500 مليون دولار، ما يعني أن الودائع تبخرت بسبب تغيير سعر الصرف وفقدان قيمتها الحقيقية.

 

ويلفت مغنية أن المستفيد الأكبر من الازمة هي الدولة اللبنانية لانها سددت ديونها بالليرة اللبنانية ، كما لا ننسى أن سياسة الدعم التي اعتمدتها الحكومة بددت مليارات الدولارات طيلة السنوات الماضية، بينما تحاول اليوم الذهاب إلى صندوق النقد كي تُحصِّل 4 مليار دولار فقط.

بالمقابل، اعتبرت ديانا منعم بأن "القانون المطروح هو خطة بداية، والخطر هو أن يكون هناك جهات لا تريد المناقشة ولا تريد الخطط ، لأن أي خطة تعني محاسبة ومسؤولية، وهذه ما يهرب منه السياسيون والمصرفيون".