Loading...

الموازنة المراعية للمنظور الجندري في لبنان ولو متأخرة

منذ مدة و نحن نتداولبمشروع الموازنة العامة لعام 2019 التي أقرتها الحكومة اللبنانية. وترافق معها تزايد  الحديث حول المساواة بين الجنسين، ووعي أكبربالحركة النسوية في أوساط الفئة الشبابية والجامعية. والبارز ظهور مفهوم يربط بين تشكيل بنود الموازنة العامة التي تقرها الحكومات و المساواة بين الجنسين؟ يطلق على هذا المفهوم اسم ” الموازنة المراعية للمنظور الجندري“. ما تعريف هذا المفهوم، أهميته، انتشاره أو تطبيقه عالمياً؟ وما وضعه، والتحديات المحتملة لتطبيقه في لبنان؟

”الموازنة المراعية للمنظور الجندري“ مصطلح يشير إلى دمج مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة في أي أو كل مرحلة من عملية صنع القرارات المتعلقة بموازنةالدولة بخصوص توزيع الموارد و توليد الدخل. بمعنى آخر، استخدام وسائل و تقنيات وخطوات تشكيل الموازنة لخدمة تعزيز المساواة الجنسانية بطريقة منهجية.

وفقاً للتقرير السنوي الذي نشرته منظمة الأمم المتحدة لهذا العام، فإن النساء لا يزلن يشغلن حصة غير متناسبة من الأعمال المنخفضة النوعية. وتعانين من الفارق الجندري الطويل الأمد في الأجور، و تتحملن عبئاً غير عادل من الأعمال المنزلية وأعمال الرعاية غيرالمدفوعة أجورها. و مع كثرة تداول موضوع التفاوت بين الجنسين عالمياً، و خلال ال 25 عاماً الماضية، حقق التحرك نحو تحقيق المساواة تقدماًفي مختلف الدول حول العالم. وازدادتالدعواتلسياسات تحفظ حقوق المرأة و تحميها. وبذلك أصبح تحدي المساواة بين الجنسين أكثر جدية. لا حلول لمشكلة الفقر إلا بتحقيقها. ولا تتحقق المساواةمن دون الوصول الى نظام اقتصادي أكثر عدلاً ومساواة.

”الموازنة المراعية للمنظور الجندري“ باتت من المؤشرات علىالممارساتالجيدة التي تتبعها معظم المؤسسات الدولية، ولم يعج حكراً على الحركات النسوية والجندرية. لماذا؟ ما أهمية هكذا نظام لتشكيل الموازنات؟

بشكل عام، موازنات الحكومات تعرض  بشكل إجمالي مالي لا يشير بشكل خاص إلى رجال أو نساء،فتكون محايدة فيما يتعلق بنوع الجنس. ”الموازنة المراعية للمنظور الجندري“ أداة لتعميم إدراج المفهوم الجندري في معظم جوانب السياسات الاجتماعية والاقتصادية الحكومية بشكل فعال. وتستخدم لتحقيق أهداف الحكومات كالشفافية والفعالية. وتعالج المساءلة باعتبارها التزاماً وطنياً ودولياً بتنفيذ مواثيق حقوق الإنسان. وهي أيضا تعمل على التقليل من عدم المساواة في توزيع و تأثير الموارد العامة، وبذلك تعزز فعالية السياسات العامة والنمو الاقتصادي.

هذا النوع من تشكيل الموازنة العامة ينشر الوعي حول قضايا الجندرة وتأثيراتها. ويجعل الحكومات مسؤولة عن ترجمة المساواة بين الجنسين في الالتزامات المتعلقة بالموازنة، وتالسياسات التي تجعلها تشجع مفهوم المساواة الجنسانية.

ماذا عن أشكال تبني مختلف دول العالم لهذا النوع من الموازنات؟

يوجد 100 دولة حول العالم تطبق هذا الشكل من الموازنة. وبحسب تقرير لصندوق النقد الدولي، فإن ألمانيا والسويد والفيليبين وكوريا الجنوبية والهند والمكسيك والمغرب وأوغندا وغيرها من الدول تبذل جهوداً بارزة في موضوع الموازنة المراعية للمنظور الجندري. و يوجد عدد آخر من الدول التي تبذل جهداً أقل وضوحاً  في هذا المجال كالبرازيل والأردن وتانزانيا وتايلند وجنوب أفريقيا.

المغرب أول دولة في شمال أفريقيا تنخرط في هكذا نظام لتشكيل الموازنة عام 2002 حيث طلب من كل الوزراء تقديم تقييم وأهداف ومؤشرات اداء وتقارير حول الأثر الجندري في البلاد. بالإضافة إلى تشكيل برنامج بناء قدرات مخصص للنساء في مصائد الأسماك و تحسين نظافة المياه و التسهيلات في أماكن العمل للأخذ بالاعتبار احتياجات المرأة، وزيادة عدد رياض الأطفال، والتسهيلات المتعلقة بهمما يساعد في تسهيل حياة المرأة و تطويرها، وحل عدد من مشكلاتها.

 أستراليا رائدة في هذا المجال ايضاً، بكونها أول دولة بين دول الكومنولث البريطاني التب تطبق هذه الموازنة عام 1984. و هي أول دولة تنشئ آليات مؤسساتية للاقتراب من تحقيق موازنة مراعية للمنظور الجندري. أما في قارة آسيا، فإن دولتي كوريا الجنوبيةوالفيليبين جعلتا إجراء الموازنة الجندرية إلزامياً.

ماذا عن بلدنا لبنان؟
في مقابلة لمهارات نيوز قالت رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي وعضو لجنة خبراء الأمم المتحدة للخدمة العامة في لبنان لمياء بساط، أن الموازنة العامة المراعية للمنظور الجندري بات مفهوماً معروفاً في السنوات الأخيرة في بعض الوزارات والإدارات اللبنانية، و ذلك بسبب التعاون بين الادارات والهيئة الوطنيّة لشؤون المرأة اللبنانيّة التي حرصت على ان تخصص الوزارات والادارات العامة منسقات ارتباط للشؤون الجندرية. كما قد تم عقد عدة حلقات تدريبيّة وورش عمل بهذا الخصوص للمسؤولين عن إعداد الموازنات في الإدارات والمؤسسات العامة، بالشراكة مع المؤسسات الدوليّة كصندوق النقد الدولي واليونيسف وغيرها.

أما من حيث الناحية القانونية، فلفتت لمياء البساط الىعدم وجود مراسيم أو قوانين متعلقة بهذا المفهوم الجندري. ولكنها اشارت الىأن ورش تحديث الموازنة العامة (كما في المملكة المغربية) تتضمن تعديلات بهذا الخصوص.وفي حالات اخرى تم تعديل بنود في  الدستور (حالة أسوج) لتراعي الموازنات البعد الاجتماعي والجندري أو لتراعي حقوق الطفل.

وأوضحت البساط أن هكذا نوع من الموازنة العامة يساهم في تضمين تدابير تُحفِز على زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وفي تبوئها مراكز قياديّة في المؤسسات العامة والشركات الخاصة، ما يعزز مكانة المرأة والاقتصاد اللبناني. وطالبت بـ ”تضافر الجهود وتكاملها في إطار رؤيا مبنية على قواعد إحصائية ومقاربة تشاركية"لزيادة التوعية حول هذا المفهوم و تطبيقاته ونتائجه الاقتصادية والاجتماعية“. و ذكّرَت بأهمية وزارة المال في دعم و تطبيق هذا المفهوم، كونها المسؤول الرئيس عن تشكيل الموازنة العامة وإدارة المال العام. وأعطت البساط مثالاً عن نيل دولة تشيلي لجائزة الأمم المتّحدة للخدمة العامة للعام 2019 تقديراً لسياستها الداعمة للمرأة اقتصادياً.

و لكن هل من السهل حقاً تقدم السلطات العامة في لبنان خطوات لتطبيق هذا المفهوم والاستفادة من نتائجه؟ بالنسبة للبساط هناك عدة تحديات تواجه تطبيق هذا النوع من الموازنة في لبنان. و”لتحقيق هذا الإصلاح الأساس يجب توفير الرغبةبتطبيق هذه المقاربة على مستوى أصحاب القرار السياسي والالتزام بها، على المديين المتوسط والطوي،. ثم، بعد القناعة والالتزام تأتيالتحديات التقنيّة: أولها جمع الإحصاءات ووضع قواعد معلومات ودراسات  تُمهد وتوجّه إصلاحات الموازنة، وتسمح بقياس التقدّم في تحقيقها. ثانيها، وضع نصوص قانونيّة وتنظيميّة بشكل تشاركي، بحيث تكون مقبولة من ممثلي الشعب والمجتمع المدني. ثالثها، بناء القُدُرات لدى المسؤولين الماليين والمحاسبين والمسؤولين عن اعداد القرارات وغيرهم من المتدخلين في عمليات تخطيط الموازنات وترجمتها إلى تصورات ماليّة، وكذلك تعزيز قدرات من ينفذها ويسهر على حُسن تنفيذها من هيئات رقابيّة، وبرلمان ومجتمع مدني وغيرهم.

وختمت البساط بالاشارة الى أهمية القيام بورش عمل و تدريبات مختلفة لتسهيل تطبيق وتجاوز تلك التحديات. ”لأنه عادة ما لا يعطى هذا التحدي الأهمية التي يستحق، علماً أن نجاح أو فشل هذه المقاربة، كما أثبتت التجربة مرتبط بالعنصر البشري وقدرته على التلاؤم والتفكير الخلاق والالتزام“. 

TAG : ,الموازنة ,جندر ,المساواة