Loading...

قانون الشراء العام: خطوة تعزّز الحوكمة؟

 

أُقرّت الجلسة التشريعية الأخيرة في 30 حزيران 2021 قانون الشراء العام الذّي يشكّل خطوة مهمّة نحو حوكمة إدارة صرف المال العام في مناقصات الدولة، وكذلك مطلباً دولياً أساسياً لأي تمويل أو استثمارات أجنبية في لبنان. لكن من هي الجهات المراقبة المنصوص عليها في القانون؟ وما مدى استقلاليتها؟

تشير دراسة تحليلية أعدّها معهد باسل فليحان المالي إلى أنّ الشراء العام يشكّل في المتوسّط حوالى 13% من الموازنة العامّة و4% من الناتج المحلي. وتشكّل صفقات الشّراء العام مجمل الصفقات التي تبرمها الدولة لتأمين حاجاتها من لوازم وأشغال وخدمات بأفضل جودة وبأقل كلفة.

وخضع عقد الصفقات ما قبل إقرار القانون الجديد للمادة 121 من قانون المحاسبة العمومية باعتماد المناقصة العمومية، لما توفّره من شفافية وضمان أقصى درجات المنافسة، وهو ما يعود بوفر مالي على خزينة الدولة.

في المقابل، سمحت المادة نفسها اعتماد صيغ أخرى مثل المناقصة المحصورة، أو استدراج العروض، أو الاتفاق بالتراضي، الأمر الذي يقلل من ضمان الشفافية من خلال حصرية الإدارة بوضع دفتر الشروط الخاص بها وتضمينه مؤهلات إضافية تقوّض المنافسة في حالة المناقصة المحصورة.

أما في حال استدراج العروض، فلا إلزامية لإعلان المناقصة ما يعطي الإدارة الفرصة لإبلاغ فقط من تراهم مناسبين لها من دون  استدراج علني للعروض. أمّا الإتفاق بالتراضي فيشكّل اتفاقاً بين الإدارة ومقدّم لوازم أو أشغال معيّن تختاره بنفسها.

ويقول مدير إدارة المناقصات جان العليّة للمفكّرة القانونية إنّ المشكلة اليوم أنّه يتمّ التعامل مع هذه الصيغ على أنها الأساس وأنّ قاعدة إجراء الصفقات عبر المناقصة العمومية هي الاستثناء.

ويضيف: "يمكن الاستدلال إلى ذلك من مؤشّرات معيّنة بينها أنّ نسبة المناقصات المفتوحة من صفقات الشراء لا تتجاوز 10% من مجمل الصفقات".

القانون الجديد خطوة إلى الشمولية في كل القطاعات

نشرت مهارات نيوز في 8 تموز 2020 تقريرا يؤكّد على أهميّة إقرار قانون الشراء العام بالنسبة للمجتمع الدولي، باعتباره جزءاً من الثلاثية الإصلاحيّة التي تتضمّن أيضا استقلالية القضاء واصلاح قطاع الكهرباء، واصفة إيّاه بـ"سلاح البرلمان اللبناني لإنهاء صفقات التراضي وفوضى المناقصات".

 ويضع القانون أيضاً حدّاً للفوضى الحاصلة في المناقصات والمشتريات بدءاً من غياب الشفافية والرقابة وصولاً إلى صيغ التراضي التي اعتمدت في القطاعات العامة، ما أدّى إلى رفع الأصوات والمطالبة يمعايير واضحة ودفاتر شروط منظّمة مع شفافية المناقصات وجعلها علنيّة.

وبعد تكليف معهد باسل فليحان المالي في العام 2019 لإنجاز اقتراح قانون الشراء العام، أقرّ مجلس النواب في جلسته التشريعيّة يوم الأربعاء 30 حزيران 2021 القانون، والذي يحدّد بدوره قواعد الشراء العام وتنفيذه ومراقبته بشكل يؤمن العدالة والشفافية والمراقبة في اتمام الصفقات ويؤمن منافسة عادلة تحقق وفرا على خزينة الدولة والمواطن.

ويشكّل هذا القانون خطوة متقدّمة في مجال توحيد أنظمة الشراء العام وشموليتها في مختلف القطاعات التي تتولى إنفاق المال العام كالمؤسسات العامة والبلديات  والمجالس، ليعتمد هذا القانون المركزية في كل ما يرعى عملية الشراء العام  واعتماد الصفقات العمومية التي تضمن المنافسة الشفافة والكلفة الأقلّ على الدولة والمواطن.

ويقول المستشار القانوني للجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية محمد المغبط لـ"مهارات نيوز" إنّ القانون ممتاز من الناحية الإجرائية وكيفية إدارة المناقصات، موضحاً أنّ أحد أهم أهدافه هو توحيد منظومة الشراء. سابقاً، كانت منظومة الشراء موزّعة على الكثير من المراسيم الاشتراعية والقرارات، وهنا كانت المشكلة بتقويض فعالية المنظومة نظراً  لتداخل المصالح بين العديد من الجهات.

هيئة الشراء العام بدلاً من دائرة المناقصات

سابقا، كلّفت دائرة المناقصات بالمهام الرقابية والإدارية في ما يخصّ الصفقات.

على الصعيد الإداري، يكلّف قانون إدارة المناقصات بتنظيمها و بإجرائها في الإدارة عبر وضع برنامج المناقصات السنوي قبل إقرار الموازنة العامّة.

وعلى الصعيد الرقابي، تكلّفها المواد من 16 إلى 18 من نظام إدارة المناقصات بالتدقيق في المناقصات ودفاتر الشروط الخاصّة، فتُحيل الإدارات إلى إدارة المناقصات ملفّ كل مناقصة قبل الإعلان عنها بأسبوعين على الأقلّ.

وبحسب ما أفاد العليّة، ، تكمن المشاكل بتهميش دور دائرة المناقصات عبر امتناع الوزارات عن وضع البرنامج السنويّ وإجراء المناقصات خارج الدائرة،  ما يجعل المنظومة الحاكمة تسيطر على الصفقات.

في هذا السياق، تقول الإقتصادية ومسؤولة البرامج في معهد باسل فليحان المالي بسما عبدالخالق لـ"مهارات نيوز" إنّه تبيّن من خلال المسح وفق المعايير الدولية الغياب التام لمعيار تنظيم الشراء العام ومراقبته، لذلك عمل القانون الجديد على هيئة شاملة تشرف على حسن سير المنظومة.

واقتصر دور إدارة المناقصات على الإدارات العامّة والمناقصات فوق 100 مليون ليرة، وقد استُثني من عملها الرقابي والإداري البلديات والمؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية والبلديات والمجالس. 

وأوضحت عبد الخالق أن دور إدارة المناقصات كان إعطاء الرأي بدفاتر الشروط دون أن يكون ملزما ليبقى القرار الأخير بين الإدارة والجهة الرابحة في المناقصة.

وأنشأت بموجب المادة 74 من القانون الجديد هيئة ناظمة للشراء العام بدلاً من دائرة المناقصات، أولى مهامها الرصد والإشراف وتوحيد الأنظمة والأساليب والممارسات والمراجعة الادارية والقضائية، دفاعاً عن المال العام في قضايا الصفقات العمومية.

وستقوم هذه الهيئة بمهمتين، مهمّة ناظمة ومهمّة رقابية ليكون بوسعها تنظيم كل شراء عام عبر إشرافها على إعداد دفاتر الشروط.

وتقول عبد الخالق إنّ الفرق بين إدارة المناقصات وهيئة الشراء العام أن الأخيرة أكثر شمولية، فنطاق صلاحياتها الإدارية والرقابية يطال الإدارات العامة كلها بما فيها العسكريّة والبلديات والمجالس والمؤسسات. ويعود لها القرار في ما يخصّ دفاتر الشروط وآلية التقديم على المناقصات بهدف الشفافية وضمان المنافسة والعودة بالفائدة على الدولة.

وتعزّز عبد الخالق كلامها أنّه وبهدف توسيع هامش ضمان استقلالية الهيئة وكسابقة من نوعها تمّ إنشاء منصّة تنشر عليها المناقصات كافة بشكل علني مع الأرقام بشكل أوتوماتيكي، يتيح هذه المعلومات لكل الرأي العام والصحافة، ما يعزز الرقابة والمحاسبة ويضمن استقلالية الهيئة.

وتقوم كل إدارة بإعلام هذه الهيئة بخطتّها للشراء العام قبل ثلاثة أشهر من بداية السنة المالية أي بعد إقرار الموازنة العامة. وتتمثّل الشفافية بنشر كل إدارة عامة مناقصاتها بشكل مفصّل وعلني على المنصّة الإلكترونية للهيئة.

 في ما يخصّ التعيين، تنصّ المادة 74 من القانون على أنّ تتشكّل الهيئة المستقلّة للشراء العام  من رئيس وأربعة أعضاء يُعيّنون بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء وفقاً لشروط وآلية التعيين المفصلة في المادة 78.

ويفتح ربط تعيين الأعضاء بمرسوم وزاري المجال أمام الشكّ بالاستقلالية. في هذا الإطار، تقول عبد الخالق إنّ الترشيح سيكون من خلال مجلس الخدمة المدنية عبر معايير تقنية وإدارية دقيقة جداً، من ثمّ سيمثل المرشحون أمام لجنة من 4 متخصصين ليخضعوا لإختبارات عدّة بهدف الحدّ قدر الإمكان من التدخّل السياسي وتوسيع هامش التخصّص والاستقلالية، إضافة إلى عمل المنصّة والشفافية في إعلان المعلومات كافة.

وتضيف: "لا يمكن أن يكون الأمر سياسياً فهو تقني بحت وكل المعايير المفصّلة لإنشاء هذه الهيئة واللجنة التقنية المشكّلة من مجلس الخدمة المدنية إضافة إلى الشفافية أمام الرأي العام، خطوة لنقترب من الحوكمة ومن منع التدخل السياسي في عمل الهيئة".

ثغرات أخرى 

يقول المغبط لـ"مهارات نيوز" إنّه ورغم أهميّة القانون لكنه يتضمّن بعض الثغرات. فلا شكّ أن القانون الجديد أفضل من سابقه لناحية الشفافية، إلا أنَّ بعض أحكامه تُنشئ  استثناءات على المستندات المتعلقة بالأمن القومي والأمن العام والتي من الممكن أن تؤدي إلى استغلال هذه المواد لحجب جزء كبير من المعلومات.

ويتابع المغبط أنّ المشكلة ليست في الاستثناءات بل بعدم وضع معايير لحجب هذا النوع من المعلومات، الأمر الذي يمنحها السريّة المطلقة تحديداً في المادة السادسة والتاسعة التي تعطي صفة السرية وتبقي درس سرية المستند من عدمه للمحاكم. ويعود سبب هذا الإتجاه لمقاربة الشفافية من منطلق "إجرائي" لا من منطلق "الحقوق الأساسية بالوصول إلى المعلومات".

ويعطي النص القانوني اللبناني صفة السريّة عبر قرار تصدره الجهات المعنية دون أي معيار. ويكبّل قدرة المحاكم على الاجتهاد، على عكس ما يحصل دولياً بوضع اختبار يعرف باختبار المصلحة العامة. ويتطلب الاختبار توفر ثلاثة شروط، هي أن تندرج المعلومة في خانة الأمن القومي حسب تعريفه في القانون، وأن يكون نشرها يشكّل ضررا جسيماً بالهدف المحمي وليس ضرراً عادياً؛ وأن يكون الضرر الجسيم أكبر من المصلحة العامَّة التي تتحقَّق مع نشر المعلومة.

 من جهة أخرى يقول المغبط إنّ  قانون الشراء العام لا يتعرَّض بأي شكل من الأشكال لأصحاب الحقوق الاقتصاديَّة للشركات المتعاقدة مع الدولة أي معرفة المالكين الفعليين للشركات. ومن شأن ذلك أن يؤثر سلباً في المستقبل على صعيد الفساد وتضارب المصالح وصرف النفوذ، بالإضافة إلى ضعف التخطيط ورسم السياسات.

ويرى المغبط أنّ السياسة التشاركية لا تتحقّق فقط بنشر المعلومات بل يجب إشراك أصحاب المصلحة بشكل فعَّال في اتخاذ القرارات ورسم السياسات لتحقيق ذلك. من هنا تكمن أهمية مشاركة هيئات المجتمع المدني بالمراقبة وضمان عدم التلاعب بإجراءات الشراء لصالح أحد العارضين.

ويقول المغبط: "رغم أهميّة القانون الجديد باعتباره خطوة متقدّمة نحو الشفافية إلّا أنّه من الضروري على مجلس النواب اعتماد هذه المقترحات لضمان شراء عام فعّال، ويبقى التعويل على أنّ تكون الجهات المعنيّة بالتعيينات على علم بمفهوم الخدمة العامّة أو عبثا نحاول..".

TAG : ,قانون الشراء العام ,ثغرات ,معهد باسل فليحان المالي ,هيئة الشراء العام ,إدارة المناقصات ,الشراء العام ,الشفافية