Loading...

انتهاكات الأجهزة الأمنية لحقوق الموقوفين تمرّ بلا محاسبة

 

أعادت جريمة مقتل السوري بشار عبد السعود أثناء توقيفه نتيجة التعذيب، تسليط الضوء على انتهاكات ترتكبها بعض الأجهزة الأمنية في لبنان بين الحين والآخر. وأثارت صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر آثار التعذيب الهمجي على جسده، ردود فعل مستنكرة على نطاق واسع.

 

وتبيّن وفق الصور المسرّبة وتقرير الطبيب الشرعي أن الموقوف تعرّض للتعذيب خلال توقيفه من قبل جهاز أمن الدولة، ما تسبب بوفاته بعد ساعات فقط من احتجازه.

 

وتقول كريستين مهنّا، مسؤولة الإعلام والمناصرة في المركز اللبناني لحقوق الإنسان (CLDH) في تصريح لموقع "مهارات نيوز"، إن "ممارسات التعذيب للأسف تحصل في لبنان وتحديدًا في مواقع الاحتجاز خلال التحقيقات، نفسية كانت أم جسدية، كما حصل مع المواطن السوري"، في "دليل واضح على أن القانون 65 الذي يُجرّم التعذيب لا يُطبّق بشكل كافٍ".

 

ولا يخفى أن الكثير من عمليات الدهم والتوقيف تحصل بشكل مخالف للقانون. كما تجري عمليات استجواب من دون محامين في التحقيق الابتدائي، يتخللها إكراه على الكلام، وعدم تسجيل التحقيقات بالصوت والصورة، خلافًا للقانون أيضًا.

 

حقوق الموقوف 

وتشرح مهنّا أن "المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تم تعديلها مؤخرًا، تعطي الحق للموقوف بأن يتم تسجيل التحقيق معه وأن يَطلب تعيين محام وطبيب شرعي". لكنها تعتبر أن "المشكلة اليوم هي في عدم تطبيق هذه المادة بشكلِِ كافِِ وواضح، وفي أن معظم الأشخاص الذين يتم توقيفهم ليسوا على دراية بحقوقهم".

 

ويشكل وجود محامٍ خلال فترة التحقيقات "نوعًا من الوقاية لعدم وصولهم إلى مرحلة التعذيب"، وفق مهنّا التي تدعو كل من ليس لديه القدرة المادية على تعيين محامي إلى أن يطلب المساعدة من المنظمات. 

 

وتوضح "نحن كمنظمة مثلًا نعيّن محامين للأشخاص الذين لا قدرة لديهم على تحمل تكاليفه خلال فترة التوقيف وليتابعوا من بعدها إذا تعرض أحدهم للتعذيب". 

 

وتكمن المشكلة الأساسية، وفق مهنّا، في أن "الموقوفين يشعرون للأسف بالخوف من اللجوء الى القانون بعد تعرضهم للتعذيب، لسببين: خوفهم من التعرض لهذا الموقف مجددًا وقلة ثقتهم بأن تقديم الشكوى سيأتي بأي نتيجة".

 

وتشجع مهنّا الموقوفين في حال تعرضهم لأي إنتهاك على "المتابعة والتوثيق الفوري من خلال طلب طبيب شرعي في وقت لا تزال فيه الآثار واضحة، وبالتالي رفع الصوت وتوثيق ما حصل حتى وإن كان ما من  محاسبة".

 

أشكال الإنتهاكات 

وبحسب القانون الدولي لحقوق الإنسان، تحظر كافة أشكال التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في جميع الأوقات وجميع الأماكن، بما في ذلك في زمن الحرب. 

 

ويشرح علي يوسف، أمين صندوق ومفوض الشكاوى في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في حديث لموقع "مهارات نيوز"، أن "الانتهاكات بحق الموقوف كثيرة وتبدأ عمليًا من لحظة التوقيف عبر تعرضه للضرب والتعذيب في محاولة لإجباره على الإعتراف، ثم يتم نقله للمخفر ويتم التحقيق معه من قبل عنصر من قوى الأمن، قد يتهمه مثلًا بأنه إرهابي من دون أي حسيب أو رقيب".

 

ويتابع "يُنقل الموقوف بعدها إلى السجن وتحديدًا إلى أماكن التوقيف، وهي طبعًا أماكن غير مراعية للأصول أو للقواعد الإنسانية"، معتبرًا أن "من أخطر أنواع الانتهاكات التي يتعرض لها الموقوف أيضًا عدم إصدار الأحكام، إذ أن نحو 40% من الموقوفين أو السجناء حاليًا من دون أحكام". 

 

توصيات وحلول

يعمل المركز اللبناني لحقوق الإنسان، كما تشرح مهنّا، على الحدّ من الانتهاكات عبر"بناء القدرات والمهارات من خلال تدريبات نجريها مع جهاز أمن الدولة عن التعذيب"، بوصفه "أداة فاشلة في التحقيقات لا تعطي نتيجة والتأكيد على تطبيق المادة 47".

 

وينكبّ المركز حاليًا على إنشاء غرفة تحقيق نموذجيّة في المديرية العامة لأمن الدّولة، بهدف التشجيع على إنشاء غرف استجواب مماثلة تراعي حقوق الإنسان. وبحسب مهنّا، "توضع حاليًا اللمسات الأخيرة للغرفة بحسب المعايير الدوليّة للوقاية من التّعذيب وتسهيل الحصول على جميع الأدّلة بشكل قانوني مع الحفاظ على سلامة وحقوق جميع الأطراف المعنيّة". 

 

وإذ يُعد التعرض للتعذيب من أكثر المواقف المسببة لحدوث الصدمات النفسية مقارنة مع غيرها من الحوادث، تشرح مهنّا أن "مركز نسيم لتأهيل ضحايا التعذيب يقدّم لهم متابعة متخصصة عبر مجموعة من الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، نظرًا لصعوبة اندماجهم مجددًا في المجتمع وتخطي التجارب التي عاشوها".

 

ويخلص يوسف بدوره إلى أن "النظام في لبنان، من الاتهام فالعقوبة إلى التأهيل لمفهوم السجن والتعذيب بحاجة إلى تغيير وإعادة نظر شاملة". ويلفت إلى أن الحدّ من الإنتهاكات بحق الموقوفين يكون عبر"الالتزام بتطبيق القوانين 65 و62 (إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب) لإفساح المجال أمام تحقيق عمليات الرقابة وبالتالي ردع الانتهاكات الحاصلة". 

 

ويشير إلى ضرورة "نقل مسؤولية السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل، أي الخروج من التطبيق الأمني إلى التطبيق العدلي للعقوبة واعتماد صيغة التأهيل"، مشددًا على "ضرورة العمل على تسريع المحاكمات وإصدار الأحكام".

 

إثر وفاة السعود، طالبت منظمات حقوقية محلية ودولية بإحالة التحقيق مع عناصر وضباط قوى الأمن المُدعى عليهم بتهمة التعذيب والتسبّب بوفاة إلى القضاء الجزائي العادي، لا القضاء العسكري، مشككة في حيادية الأخير.

 

وصرّحت ديانا سمعان، نائبة مديرة الشرق الأوسط بالإنابة في منظمة العفو الدولية: "ما يزال الإفلات من العقاب على التعذيب شائعًا، إذ نادرًا ما تصل عشرات الشكاوى المتعلقة بالتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة، المرفوعة بموجب قانون معاقبة التعذيب لعام 2017، إلى المحكمة ويتم إغلاق معظمها دون تحقيق فعال". 

 

وأضافت "آن الأوان لتبدأ السلطات اللبنانية بتطبيق قانون معاقبة التعذيب، والتحقيق في جميع مزاعم التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة ومحاسبة الجناة".

 

TAG : ,الأجهزة الأمنية ,الموقوفين ,بشار عبد السعود ,تعذيب ,عمليات دهم ,توقيف ,تحقيق ,قانون ,حقوق الإنسان