Loading...

"لوبي المولدات".. قطاع كهرباء رديف بأمر النافذين خارج الضوابط القانونية

 

لا تتردد الخياطة عايدة ف. (48 عاماً)  بدفع فاتورة اشتراك الكهرباء من المولدات الرديفة، ضعفي فاتورة مؤسسة كهرباء لبنان الرسمية، رغم أنها تحصل على 5 امبير من المولد، بينما تحصل على 15 أمبير من الشركة الرسمية، ذلك ان الانقطاع المتكرر للكهرباء، لم يترك لها خياراً آخر. تبحث عن "إشتراك" لا يقنّن التغذية الرديفة، فالكهرباء بالنسبة لها باتت "مسألة حياة أو موت"، ومن يستطيع توفير المازوت لتغذية مولداته، يحوز على الحصة الأكبر في السوق.

وفتحت أزمة انقطاع المازوت خلال شهر تموز/يوليو الماضي، بازاراً جديداً خارج قيود الرقابة، حيث اتجه أصحاب المولدات الى رفع أسعار الاشتراكات على المواطنين، والتحكم بساعات التشغيل بشكل متقطع بحجة تعذّر تأمين المازوت. لم يتعرّض هؤلاء لرقابة المؤسسات الحكومية المعنية، بل حولوا المواطنين الى رهائن لهم، فمارسوا الاحتكار وفرضوه أمراً واقعاً في ظل عجز الدولة عن تأمين الكهرباء منذ 10 سنوات على الاقل، ولم يترددوا بالقول انهم وجدوا "لتغطية عجز الدولة"، وادعوا "خدمة المواطنين".

ومولدات الكهرباء، هو القطاع الرديف لشركة كهرباء لبنان، يضطلع بمهمة توليد الكهرباء في ساعات التقنين القاسية، وتوزيعها على المشتركين في الاحياء والقرى. لا يتمتع بمركزية، ويتقاسم القطاع مستثمرون في الاحياء، يشتبه في أن معظمهم مدعومون من أحزاب. وبعد رقابة حكومية طالتهم في العام 2018 لتثبيت سعر الكيلوواط، أنهت أزمة انقطاع المازوت في الشهرين الماضيين الرقابة الحكومية حتى بات القطاع يوصف بأنه "مافيا المولدات" و"كارتيل المولدات" و"لوبي المولدات"، وصولاً الى تسميته "دولة أصحاب المولدات" التي تحظى بنفوذ.

والحديث عن المولدات الخاصة التي باتت شريكاً استراتيجياً للكهرباء تقنيناً وسعراً أعلى، ليس جديداً. وإن لم يكن وزير الطاقة والمياه السابق جبران باسيل هو من أتى بها، إلا أنه هو من أرسى قواعد وجودها مع إعلانه في أيلول/سبتمبر 2010، بدء وضع تعرفة على اساس "نريدهم أن يربحوا لكن بشكل مقبول". فهل هذا المقبول لا يزال مقبولا مع تزايد ساعات التقنين ووصولها الى نحو 20 ساعة يومياً؟ ومع وصول فاتورة أحد المواطنين عن شهر آب/ أغسطس 2020 في بيروت الى 691000 مقابل 16 أمبير ما يعني أن تكلفة كل 5 أمبير تساوي 216000؟

قطاع غير قانوني

يُعدّ قطاع المولدات غير قانوني وغير شرعي، بالنظر الى انه ليس لديه آلية تنظيمية أبداً، بحسب ما تقول المديرة العامة السابقة لوزارة الاقتصاد والتجارة عليا عباس في حديث لـ"مهارات نيوز" كاشفةً أن الوزارة "ليست في النهاية مجلس النواب كي تشرعه". وتقول انه قطاع غير محمي ويشكل "الإحتكار" أبرز سماته ليس في المنطقة الواحدة فحسب، بل في الحي الواحد، وضيف: "إذا كان العديد من أصحاب هذه المولدات من المحسوبين على بعض الاحزاب اللبنانية، فبالطبع ستقوم هذه الأخيرة بحماية مصالحها ومصالحهم" . وتقول انه في حال توفرت الكهرباء 24/24  ساعة، سيتم إغلاق هذا القطاع من تلقاء نفسه، شارحةً: "دور الوزارة يتلخص بمراقبة القطاع لمنع أصحاب المولدات من استغلال جيوب المشتركين، لأنه في حال لم تمنعهم سنكون أمام معادلة "أزعر ويتزعرن أكثر".

في بداية الالفية الثالثة، وُثّق وجود أكثر من 370 الف مولد كهربائي خاص في لبنان، بحسب دراسة اعدها الباحث الاقتصادي والاجتماعي الدكتور ميشال مرقص، وتم استيراد 86 الف و785 مولداً بين العامين 2001 و2005، وقارب العدد 457 الف مولد حتى نهاية العام 2017. وبطبيعة الحال هذا العدد إزداد حاليا بسبب زيادة التقنين.

وبغياب قوانين ناظمة للقطاع، يطلق الاكاديمي والخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري في حديث لـ"مهارات نيوز" على ظاهرة "المولدات الرديفة" تعريف "مولدات السوق السوداء"، ويوضح: "المتعارف عليه ان السوق السوداء تفتقر الى القانونية والشرعية ولا تعمل في الضوء، لكن المفارقة في لبنان أن أصحاب هذه المولدات يعملون تحت الضوء الكاشف بقوة، ما يزيد من ميزاتهم غير الموجودة في أي بلد آخر يعاني من نقص في الطاقة كالعراق أو سوريا وغيرها".

ويقدر انتاج هذه المولدات بحوالي 1500 ميغاوات من الطاقة الكهربائية سنوياً، بينما تؤمن معامل الكهرباء الحكومية 1200 ميغاوات بكفاية متدنية، يضاف اليها إنتاج البواخر العائمة لإنتاج الطاقة والبالغ 270  ميغاوات ليصبح الاجمالي 1500 كحد أقصى. ويتراوح حجم إقتصاد قطاع المولدات بين 1,5 مليار  و2 مليار دولار مع قيامه بتلبية النقص الكبير الحاصل في كهرباء لبنان، "لكنه يبقى قطاعاً غير منظم وغير خاضع للضريبة، فليست هناك شركات مسجلة،  ولا شركات لديها مباشرة عمل ولا يمكن محاسبتها والتدقيق في دفاترها، إلا في ما يخص "التسعيرة"، وتلك مشكلة كبيرة"، بحسب ما يقول خوري.

في العام 2011، أنشأ البرلمان اللبناني آلية مشتركة بين وزارات الطاقة والداخلية والإقتصاد لضبط تعريفات المولدات الكهربائية، بحيث تصدر وزارة الطاقة والمياه جدولاً بتسعيـرة إشتراكات المولدات الخاصة في آخر كل شهر، وعلى الوزارات الثلاث إتخاذ التدابير اللازمة لتطبيقها. وتُحدد هذه التعرفة سعراً عادلاً لكل ساعة تقنين (أي لكل ساعة استخدام للمولدات) للمشتركين بمختلف سعات الأمبير (5 أو 10 أمبير).

وعلى الرغم من وجود هذه الآلية التنظيمية، لا تزال بعض البلديات تتخلّف عن الإلتزام بهذه المعايير، ولا يزال بعض المواطنين غير مدركين لسياسة التسعير الرسمية أو يتجنبون الإبلاغ عن أي مخالفة، خشيةً من قطع إشتراك المولد عنهم؛ علماً أن حماية المستهلك قد أعلنت عن جهوزيتها لاستقبال جميع الشكاوى حول التسعير غير العادل بحيث يستوجب على المستهلك أن يقدم فاتورة من صاحب المولد  الذي لا يحترم المبادئ التوجيهية للوزارة، ويتم إصدار غرامة بحق هذا الأخير، بحسب ما أعلنه موظفي إدارة حماية المستهلك.

شكاوى المواطنين

بالنظر الى انها تعمل على مادة المازوت، فإن المولدات الكهربائية تستهلك كميات أكبر من المازوت بنسبة 20٪ عن معامل الإنتاج العائدة لمؤسسة كهرباء لبنان، ما يترتب على ذلك فاتورة بيئية عالية. وكون مادة المازوت مدعومة من الدولة، فإن التكلفة تصبح مضاعفة على خزينة الحكومة اللبنانية، وتعود أرباحها الى جيوب أصحاب المولدات، وتُجنى الارباح، حكماً، من جيوب المواطنين المضطرين لشراء الكهرباء بتكلفة أعلى من السعر الرسمي الذي تبيعه مؤسسة كهرباء لبنان.

ويفسر ذلك الشكاوى التي يطلقها المواطنون من تضاعف فواتير الاشتراك بالمولدات الخاصة في بعض المناطق إلى حدود 200 ألف ليرة (133 دولاراً وفق سعر الصرف الرسمي للدولار) لكل 5 أمبير وإزدياد فاتورة العداد أيضاً، في وقتٍ تُفيد تقديرات الخبراء بأن المشكلة أو جزء منها يكمن في إفتقار وزارة الاقتصاد إلى الإمكانيات البشرية والمالية لتغطية الاراضي اللبنانية، مما سمح لهذا القطاع  بمواصلة تحكمه بالمشتركين.

وتقول عباس: "إصدار التسعيرة الشهرية هي من مهام وزارة الطاقة منذ سنوات، وتوكل الى البلديات مراقبة الإلتزام بها فقط، فهي سلطة محلية مسؤولة عن إنتظام النظام العام ويحق لها إتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة ومن بينها توقيف مولد مخالف عن العمل". وعلى الرغم من أنها الجهة التي تمنح الترخيص لوضع المولدات في الاماكن المناسبة، تأسف عباس لأنه "لا يزال هناك حتى اليوم منها غير مرخص، وبالتالي بقي العديد من المولدات خالياً من العداد".

مداخيل سنوية تفوق مداخيل كهرباء لبنان

 اللافت ان المداخيل السنوية لقطاع الكهرباء الموازي، هو ضعف المداخيل العائدة الى كهرباء لبنان. ففي حين تتقارب أرقام الانتاج بين القطاعين (الرسمي والرديف)، تحقق المولدات جباية تناهز الـ99% من قيمة فواتيرها شهرياً، بينما لا تحقق كهرباء لبنان جباية أكثر من 50%، وهو ما يصنع التفاوت بين مداخيل القطاعين. فالاول (المولدات) يحصّل ما يتخطى الـ1.5 مليار دولار، بينما لا يحصل الثاني أكثر من 700 مليون دولار سنوياً.

هذه الارقام، تدعو للتوقف عند نوعين من الهدر للطاقة في "كهرباء لبنان": الاول فني حيث يبلغ حوالي 17 بالمئة وذلك بسبب عدم كفاية الطاقة الإنتاجية، واستمرار تشغيل المعامل الغازية على الديزل عوضاً عن الغاز الطبيعي، والتقادم وقلة الصيانة، والثاني غير الفني 18 بالمئة أي بسبب السرقات والتعدي على شبكة النقل وتهالكها.

وفي لغة الارقام ايضا والمرتبطة بالهدر الحاصل في مؤسسة كهرباء لبنان يبرز ما تكشفه الارقام  إن كلفة إنتاج الكيلوواط الواحد وفق تقرير لوزارة الطاقة، يبلغ 255 ليرة (63% فيول و37% التوليد)، بينما يكلّف توليد الكهرباء في المعامل الحراريّة كمتوسّط عالمي 62 ليرة. وتعترف وزارة الطاقة بـ40% كنسبة خسائر تقنيّة وغير تقنيّة وفواتير غير محصّلة.

وربطا بذلك، تشدد  جيسيكا عبيد وهي مستشارة في السياسات الخاصة بالطاقة لدى الحكومات والمنظمات الدولية في الشرق الأوسط في مجال تحويل الكهرباء على أن تكلفة الكيلوواط في الساعة مرتفعة وبلغت 0.30 دولار تقريباً، يضطر المواطنون الى شرائه من اصحاب المولدات الخاصة في ظل استمرار النقص في التغذية الكهربائية منذ ثلاثة عقود،  فيما وجدت الحكومات المتعاقبة نفسها عاجزةً عن رفع تعرفة الكهرباء التي ظلت مدعومة من الحكومة منذ العام 1994.  وتتوقع إستمرار العجز الماليّ حتى لو رفعت الحكومة تعرفة الكهرباء من 0,09 دولارات لكلّ كيلوواط/ساعة إلى 0,144 دولاراً إلى أن يتمّ خفض الخسائرالفنية وغير الفنية بشكل كبير وإستبدال المحروقات بالغاز الطبيعي ورفع كفاءة محطات الكهرباء.

ومن هنا  يتضّح أن سعر تكلفة الكيلواط/س الذي تنتجه مولدات الكهرباء الخاصة يباع للمواطن بأضعاف الثمن الذي تبيعه مؤسسة كهرباء لبنان، فكيف الحال إذا ما تم احتساب مئات الميغاواط التي تنتجها هذه المولدات خارج نطاق كهرباء لبنان؟

ضريبة وتهرب ضريبي

فرض المجلس النيابي في موازنة 2019 ضريبة على أصحاب المولدات، بمقدار 50 ألف ليرة على كل 1 KVA سنوياً للمولدات التي تقوم ببيع الطاقة الى المستهلكين، وبالتالي فإذا كان لشخص مولد بقوة 100 KVA على سبيل المثال، يتوجب عليه دفع مبلغ 5 ملايين ليرة سنوياً، ما يؤمن 100 مليار ليرة للخزينة، إلا ان أصحاب المولدات رفعوا التسعيرة على المشترك كي لا يدفعوا هذه الضريبة من جيوبهم، بحيث باتوا خارج المساءلة والمحاسبة ويشكلون "مافيا محمية" من بعض أهل السلطة يتحكمون بهذا السوق ويتقاسمون المكاسب والأرباح على حساب المواطن الذي صار أسيرهم لحاجته الملحة للكهرباء.

وبغياب المتابعة من الوزارات المعنية، يرى البروفسور بيار الخوري إن الدولة تستغني عن عشرات ملايين الدولارات كضرائب سنويا بسبب عدم تنظيم هذا القطاع، موضحاً آلية عمله المستجدة  بأنها "أصبحت مسجلة على الورق في وثائق رسمية منذ المباشرة بمشروع العدادات في عهد الوزير السابق رائد خوري (الذي يعد اول وزير اقتصاد منذ العام 1990 يعمل على محاولة حوكمة القطاع واخضاعه للرقابة) وإلزامهم بالتسعيرة الصادرة عن وزارة الطاقة، لكن هذا يحصل خارج أي اطار قانوني، لأن كهرباء لبنان تحتكر انتاج وتوزيع الكهرباء، إلا في حال منحته إمتيازاً واضحاً كما هو الحال في كهرباء قاديشا وزحلة وجبيل، وهذا الأمر غير متوفر لدى هؤلاء المنتجين". ويضيف: "هم موجودون بالأمر الواقع، وبه فرضت عليهم تركيب العدادات والتسعيرة، وبه تقدم لهم امتيازات من بينها المازوت المدعوم  لتبقى عناصر الكلفة لديهم منخفضة".

والمقصود بالامتياز، هو منح الحكومة لمؤسسة خاصة حق توزيع الطاقة الكهربائية بموجب عقد محدود السنوات، يمثل شراكة بين القطاعين العام والخاص، ويزيد في نسبة الجباية ويخفف من الهدر. فامتياز "كهرباء جبيل" مثلاً، الصادر وفق مرسوم يحمل رقم 1280 في 13 آذار/مارس 1950 يعطي ثلاثة أشخاص امتيازاً بتوزيع الطاقة الكهربائية وذلك لمدة سبعين عاماً. ويقوم الامتياز منذ العام 1960 بشراء الطاقة الكهربائية من كهرباء لبنان بسعر (حالياً) 63 ليرة للكيلووات ويوزعها على حوالي 16 ألف مشترك في القرى وبلدات. ويستهلك هذا الامتياز حوالي 120 مليون كيلووات/ساعة سنوياً وقد بلغت قيمة الفواتير المجباة حوالي 12.2 مليار ليرة تمثل 97.2% من المبالغ المتوجبة.

امام هذا الواقع يرى الخوري أن افضل آلية لتنظيم هذا القطاع تكمن في إقامة ورشة قانونية واسعة تقوم على الشفافية والحوكمة الرشيدة وتؤدي إلى تشريع قطاع الانتاج البديل لإنتاج الدولة. ويسأل:  "ماذا لو أنشأنا كونسورتيوم ( Consortium ) في كل قضاء قائم على مشاركة كافة المنتجين، لينتجوا بناء على مولدات ضخمة خاضعة لشروط الجودة وتسعرها الدولة؟" بذلك، يضيف، "نتخلص من الطاقة الانتاجية المبعثرة، بدل الكلفة المرتفعة حالياً المتأتية من الحجم الصغير المعتمد".

 


مقاربة للأرباح التي يحققها قطاع المولدات الخاصة

لا أحد يعلم عدد المشتركين الحقيقي في قطاع شبكة انتاج الكهرباء الرديفة العاملة على المازوت المدعوم، إذ ليس  من مصلحة أصحاب المولدات الكشف عنه،  وبالتالي الكشف عن حجم أرباحهم، وهكذا يبقون بمنأى عن دفع الضرائب.

وإذا تم الافتراض أن تكلفة كل ميغاوات تتراوح بين 1,2 و1,5 مليون دولار  حاليا ( وفقا للأرقام التي كانت متداولة في العام 2019 ) وأن هناك  مليون 300 الف لبناني مشترك (كمعدل وسطي) بقيمة تراوح بين 100 و150 دولار شهريا كمعدل وسطي بين المناطق، هذا يعني ان بين 1.8 مليار دولار و 1,95 مليار دولار سنوياً هي عائدات قطاع المولدات، يقتطع منها كلفة المازوت حوالي 950 مليون دولار حاليا ( قدرها الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة بحوالي  850  مليون دولارسنويا أواخر العام 2016 ) واستبدال المولدات في مهلة اقصاها 6 سنوات وأجرة اليد العاملة، فيتضح أن الإستثمار في هذا القطاع هو من الاكثر ربحاً في لبنان في الظروف المحيطة به حالياً، في ظل "الفلتان" الذي عاد ليرخي بظلاله على هذا القطاع.


 

 

 

TAG : ,قطاع الكهرباء ,شتراك المولدات