Loading...

الإجهاض إلى ازدياد في لبنان ومعوّقات عدّة تحول دون تشريعه

 

لم تتوقّع حنان أن خضوعها لعملية إجهاض غير آمنة داخل عيادة نسائية في شمال لبنان سيعقّد حملها مجددًا، في ظاهرة يؤكد أطباء وعاملون صحيون أنها آخذة في الازدياد منذ العام 2019 على وقع الأزمة الاقتصادية المتسارعة.

 

ويضع الإجهاض غير الآمن حياة المرأة في خطر وقد يعرّضها للاستغلال المالي، كون العملية مخالفة للقانون في لبنان وغالبًا ما تتمّ بشكل سري، ما يدفع الجمعيات المعنية بحقوق النساء إلى المطالبة بتشريع حق المرأة في التحكم بجسدها وتأمين إجهاض آمن وقانوني.

 

وتقول حنان (24 سنة)، وهي خريجة إدارة أعمال ومتزوجة منذ سنتين، لموقع "مهارات نيوز": "لن أسمع كلمة ماما في حياتي" بعدما خضعت لعملية إجهاض غير آمنة تسبّبت لها بالتهابات حرمتها من القدرة على الحمل مرّة ثانية بسبب استخدام أدوات غير معقّمة خلال العملية.

 

وتضيف "كافحت وزوجي لتأمين قوت يومنا في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، وكانت المفاجأة عندما علمت أنني حامل رغم أخذي جميع الاحتياطات. وبالاتفاق مع زوجي، توجهنا إلى عيادة نسائية لإجهاض الجنين".

 

لم يكن عثور الزوجين على عيادة تقبل إجراء العملية أمرًا سهلًا، كما تقول حنان، التي استدانت من أجل توفير الكلفة. ولم تتوقع أنه سيكون للعملية تبعاتها على جسدها.

 

وتوضح حنان: "أصبت بالتهابات في الأنابيب سبّبت عوارض إضافية. بعد فحوصات عدة، علمت أن الأدوات لم تكن معقّمة بشكل تام، الأمر الذي حرمني القدرة على الحمل مرّة جديدة"، مضيفة بحزن "فرضت الظروف الراهنة عليّ اتخاذ قرار سأندم عليه طيلة عمري".

 

وللإجهاض غير الآمن تداعيات خطيرة على حياة المرأة قد تصل حدّ الوفاة. ويسبّب بين 4.7 و13.2% من وفيات الأمهات سنويًا وفق منظمة الصحة العالمية. وبحسب تقديرات مستمدة من العام 2012، بلغ عدد النساء اللواتي عولجن في المستشفيات جراء مضاعفات الإجهاض غير الآمن سبعة ملايين امرأة في البلدان النامية وحدها.

 

وعلى الرغم من تجريم الإجهاض، لم تتوقف النساء المتزوجات أو غير المتزوجات عن الخضوع له، رغم المخاطر والمضاعفات الطبية التي قد تسبب العقم، عدا عن الاستغلال المالي والابتزاز الجنسي من خلال التوجه إلى عيادات غير شرعية. 
 

 

500 إلى 700 دولار

يورد تقرير عن مؤسسة "تريانغل" المتخصصة في متابعة صنع السياسات والأبحاث، صدر خلال شهر أيلول، أنّ ازدياد عدم إمكانية الوصول إلى موانع الحمل انعكس ارتفاعًا في حالات الحمل غير المرغوب فيه، وأدّى بالتالي إلى ازدياد حالات الإجهاض واضطرار المرأة اللجوء إلى طرق غير آمنة. 

 

وما لم تكن حياة الأم في خطر، يعدّ الإجهاض في لبنان غير قانوني ولا تغطيه شركات التأمين الصحي. إلا أن عمليات الإجهاض تحصل تحت الطاولة ويمكن أن تتراوح كلفتها بين 500 إلى 700 دولار كحد أدنى، وفق التقرير.

 

قانونيًا، تعاقب المادة 541 من قانون العقوبات المرأة بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، إذا ما أنهَت حملها قبل الولادة برضاها، بوسائل تستخدمها هي أو يستخدمها غيرها مساعدًا إيّاها على بلوغ غايتها. ولا يُعتَبَر الإجهاض جرمًا إذا ما سقط الجنين وحده لأسباب خارجة عن إرادة المرأة.

 

كما تنصّ المادة 542 من قانون العقوبات على السجن من سنة إلى 3 سنوات لكلّ من يُقدم بأيّ وسيلة على إجهاض امرأة برضاها. أمّا إذا أدّى الإجهاض إلى موت المرأة فيُعاقب مجهضها بالأشغال الشاقة من 4 إلى 7 سنوات.

 

ويؤدي تجريم الإجهاض إلى التقصير في إتاحة الرعاية المأمونة والميسورة التكلفة في التوقيت المناسب، ما يرتّب مخاطر على رفاه المرأة بدنيًا ونفسيًا.

 

ويعدّ تعذّر إتاحة الرعاية الجيّدة في مجال الإجهاض انتهاكاً للحقوق الجنسية والإنجابية للنساء والفتيات، ومنها الحق في الحياة، وفي التمتع بأعلى مستوى من الصحة البدنية والنفسية، إضافة إلى الاستفادة من التقدم العلمي، عدا عن الحق في اتخاذ قرار حر ومسؤول بشأن عدد الأطفال والمباعدة بين الولادات وتحديد توقيتها.

 

وفي لبنان، لا تزال الجهود المبذولة على المستويات كافة من أجل تشريع الإجهاض أو حتى مجرّد المطالبة به خجولة لأسباب عدّة.

 

ويوضح النائب السابق غسّان مخيبر أنّه "لم يتم سابقًا تقديم أي مسودة مشروع قانون لتشريع الإجهاض في لبنان، ولم يتم تحويل هذا الموضوع إلى مطلب نظرًا للحساسية التي تترتب عليها خاصّة لدى الطوائف الدينية التي تحرّم الإجهاض وتعتبره جريمة قتل".

 

ويضيف "شهدنا تحركات واسعة وتظاهرات لتأمين حقوق المرأة في القانون، كمناهضة العنف ضدها أو حق إعطائها الجنسية لأطفالها وتحقيق الكوتا النسائية للانتخاب، في حين لم نلحظ أي جهة نسوية قدّمت أي برنامج يكرّس حق المرأة في الإجهاض".

 

ويرى أنّ "هذا المطلب غير معبّر عنه في لبنان، بينما نظمت النساء في أوروبا وأميركا تحرّكات في الشوارع لتحقيقه".

 

معركة "لم تنطلق" 

رغم المعارك التي خاضتها وتخوضها الجمعيات من أجل تأمين حقوق المرأة، إلا أن الخطاب المتعلق بالإجهاض ما زال مهمشًا، ولم يصل بعد إلى مرحلة المواجهة.

 

وتوضح المحامية ليلى عواضة من منظمة كفى لموقع "مهارات نيوز" أنّ "الرأي الديني يعتقد الإجهاض جريمة، لذلك يعاقب عليه القانون ويبقى وجهة نظر، في حين أنه موضوع ضمن سلّة مطالب حق كل امرأة في أن تقرر ما يخص جسدها وبالتالي التحرّر من السلطة الأبوية".

 

وتعمل جمعية "كفى"، وفق عواضة، على "إنجاز قانون شامل لمناهضة العنف ضد المرأة، يتضمن جميع القضايا التي تخص النساء، كالأفعال التي يتم تجريمها وهي ليست بجرائم كالاجهاض، وأفعال أخرى لا تجرّم وهي كذلك كاغتصاب الزوج". 

 

وترى عواضة "أننا أمام سلطة ذكورية متجذّرة تمانع بشكل كبير تحرّر النساء وإعطائهن سلطة القرار على حياتهن الشخصية"، مشددة على أهمية توجيه المعركة باتجاه قانون الأحوال الشخصية. وتقول "يجب التخلص من عقلية المجتمع الذكوري المكرّسة في قوانين الأحوال الشخصية، لتتحرر النساء وتعاودن السيطرة على اتخاذ قرارتهن بما يخص أجسادهن".

 

ورغم وجود عراقيل مجتمعية ودينية وسياسية، تؤكد عواضة أنّ "هذه المعركة علينا خوضها"، مضيفة "الإجهاض موجود ولا يجب إنكاره والجميع على علم به، يبقى المطلب تأمين إجهاض آمن وصحي لا يعرض حياة النساء للخطر بدل تجريمه".

 

TAG : ,الإجهاض ,القانون ,حقوق النساء ,الحمل ,أمهات ,فتيات