Loading...

مشروع قانون جديد لتلزيم المطارات والمرافئ: بين أهمية نظام الـBOT ومخاطره

 

قدّم وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني مشروع قانون يرمي إلى الإجازة للحكومة بواسطة وزارة الأشغال تصميم وانشاء وتطوير وتشغيل المطارات الجويّة والمرافئ البحرية وبشكل عام مرافق النقل الجوي والبحري على اختلاف انواعها وطبيعتها ونطاق عملها، وذلك بنظام عقود التشييد والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T) أو عقود التصميم والتشييد والتشغيل ونقل الملكية (D.B.O.T).

وقد أثار هذا المشروع نقاشا حول فعالية هذه الأنواع من التلزيمات وعن كونها تشكّل خصخصة وبيعا لأملاك الدولة، فما هو تعريف الـB.O.T؟ وما هي أهميته والمخاطر التي يطرحها هذا النظام في إطار المشروع المقدّم من وزير الأشغال؟
 

نظام الـB.O.T: امتياز لمدّة محدّدة

كتعريف تقني لعقود الـB.O.T يعتبر نظام عقد الـ B.O.T من الأنظمة الحديثة التي تعتمدها الدول لتنفيذ مشاريع ضخمة في البنية التحتية وغيرها، إذ تمنح شركة متخصِّصة امتيازًا لتصميم مشروع معين وتنفيذه وتشغيله بعد أن تكون الدولة قد قررت خطوطه العريضة وأهدافه. وتتولى الشركة القيام بجميع خطوات المشروع من إنشائه الى تشغيله واستثماره لحسابها الخاص لمدة محدَّدة من السنوات، وفي نهاية مدة الامتياز تقوم الشركة بإعادة أصول المشروع الى الدولة في حالة جيدة للاستمرار في تشغيله واستثماره، بدون مقابل أو بمقابل متفق عليه.

 

في هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين في مقابلة لـ"مهارات نيوز" إنّ "نظام الـB.O.T هو نظام بناء تشغيل ونقل، وقد تمّ انشاءه تحديدا لتلزيم المرافق الحيوية والبنى التحتية، ومن خلال هذا النظام يمكن تأمين تمويل جاهز لهذه المشاريع، من هنا يكتسب أهميته بإزالة الأعباء المالية عن الدولة، والإسراع في تنفيذ المشروع للاستفادة من الجدوى الاقتصادية للمشروع على عكس تجربة الدولة اللبنانية التي كانت تطيل وقت انجاز المشاريع ليستفيد المتعهّدين، بالإضافة إلى أن هذا النظام يدخل خبرات ادارية و تقنيّة حديثة عبر التلزيم للشركات التي تمتلك خبرة في القطاع المنوي تلزيمه".

 

إذا يعتبر نظام الـB.O.T أحد الأنظمة التي تعتمد على تشغيل شركات من القطاع الخاص لمرفق حيوي لمدة معيّنة من الزمن، وبالعودة إلى مشروع القانون المقدّم من قبل رسامني، تنصّ المادة 1 منه على الاجازة للحكومة بواسطة وزارة الاشغال تصميم وإنشاء وتأهيل وتطوير وتشغيل المطارات الجوية والمرافئ البحرية وبشكل عام مرافق النقل الجوي والبحري على أساس التمويل الذاتي بنظام عقود التشييد والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T) أو عقود التصميم والتشييد والتشغيل ونقل الملكية (D.B.O.T). 

وتنصّ المادة 3 من مشروع القانون على أنّ "العقود يتم توقيعها بين الحكومة ممثلة بوزارة الأشغال العامة والنقل وكل من يرسي عليه المشروع لمدة أقصاها 25 سنة، وفي نهاية العقد تنتقل ملكية جميع المنشآت والتجهيزات والموجودات القائمة والتس ستقام إلى وزارة الأشغال وذلك دون أي مقابل وبحالة جيّدة صالحة للتشغيل وفقا للمعايير والوسائل الفنيّة المعتمدة عالميا بتاريخ التسليم. 

اذا، وفق المشروع سيتم تلزيم الشركات الرابحة لمدة لا تتخطى الـ25 عاما على أن تعود الملكية للدولة من بعد انقضاء المدة. 

 

عقود الـB.O.T: مخاطر وتحديات رغم أهميته

على الرغم من أهمية نظام الـB.O.T وانعكاسه الايجابي على الاقتصاد اللبناني في حال حسن تطبيقه، إلاّ أنّه يطرح مخاطر عالية، إذ يشير الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين إلى العديد من التحديات: 

  • غياب الشفافية، وهو أمر يعاني منه لبنان، ففي حال تمت التلزيمات من دون شفافية كاملة قد يفتح الباب على صفقات غير قانونية.

  • دور الدولة في هذه التلزيمات، اذ من الضروري ضمان حفظ حق الدولة في النسبة التي ستستحوذ عليها، أو بالسهم الذهبي الذي يخوّلها ان تكون موجودة في مجلس الادارة.

  • سعر الخدمة، يشكّل هذا الأمر تحدّيا آخر، حول الأسعار التي ستقدّمها الشركات لقاء خدماتها، اذ صحيح أنها شركات تبغى الربح وجني الأموال لكن الأسعار يجب أن تكون ملائمة للواقع في لبنان وأن تكون أسعارها تنافسية.

  • مدّة العقد الطويلة، وهو أحد نقاط الضعف في عقود الـ B.O.T.

من هنا، يخلص ناصر الدين إلى إلى أنّ اليوم "ما يهمنا هو  طبيعة العقد الذي سيتم اجراءه ودفاتر الشروط، وكيفية حفظ حق الدولة، من هنا ننطلق الى ان نظام الPPP أفضل فهو يقوم على شراكة أكبر بين القطاع العام والقطاع الخاص ما يسمح بإشراك أكبر للدولة اللبنانية والقطاع العام".

في هذا السياق، كانت قد ذكرت وزارة الأشغال في بيان لها أن خيار الـPPP (الشراكة بين القطاعين العام والخاص) مطروح أيضاً لكنه يتطلب استكمال النصوص اللازمة والتعيينات المطلوبة، هنا يرد ناصر الدين أنّ الأفضل هو انتظار استكمال النصوص القانونية لاعتماد الPPP فهو يحسّن من موقع الدولة ويعزّز منطق الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص

اذا، وعلى الرغم من أهمية عقود الـB.O.T أو عقود الـPPP، إلاّ أن الأمر يبقى مرهون للتطبيق ولطبيعة العقد الذي سيتم اجراءه مع الشركات الفائزة في المزايدات، وهو ما تشير إليه رزقالله بالقول إنّ "وزارة الأشغال هي من تضع دفاتر الشروط، وبما أن نظام الـb.o.t يطرح مخاطر عالية على الرغم من أهميته يجب القيام بدراسة جدوى قبل وضع دفاتر الشروط لمعرفة المخاطر وكم ستتحمل الدولة مخاطر وكم ستتحمل الشركة مخاطر يضا تلكفة المشروع والعائدات الالية منه ونسبة الدولة من هذه الأرباح، وكل نتائج هذه الدراسات هي في ملف التلزيم والعقد المستقبلي الذي سيتم توقيعه بين الدولة والشركات الفائزة".

 

عقود B.O.T سابقة: تحديات ما بعد انتهاء مدة العقود

في إحاطة لملف عقود الـB.O.T في لبنان، لا بدّ من النظر إلى بعض التجارب السابقة، فمثلا وبموجب قرار لوزير السياحة رقم 186 تاريخ 18/11/1993، أعطيت شركة "ماباس" الالمانية حق استثمار مرفق مغارة جعيتا السياحي،  لمدة 18 سنة لقاء بدلات سنوية محدّدة، من ثمّ تم تجديد العقد إلى العام 2022 من ثم تم التمديد للشركة الى حين وفاة مدير الشركة ليتم اغلاق المغارة منذ تشرين الثاني 2024 حتى اليوم، وهو ما يطرح تحديات إضافية حول قدرة الدولة على تشغيل المرافق العامّة بعد استردادها من الشركات الخاصة عند انتهاء العقود.

وكانت قد تواصلت قناة "LBCI" مع وزارة السياحة بشأن هذا الملف، وقد ردّت الأخيرة بأنها مضطرّة للخضوع إلى آلية الشراء العام التي تعتبر طويلة، وهو تحد آخر أشار إليه الخبير الاقتصادي زياد ناصرالدين بالقول إن "هناك مشكلة أخرى وهي البطء في تنفيذ قانون الشراء العام ما يبطئ عملية التلزيمات".

في سياق أخر، وبحسب تقرير لديوان المحاسبة عن الهدر الكبير للأموال في قطاع الاتصالات،  أنھت الدولة اللبنانیة بتاریخ 31/8/2002عقد الـ BOT، ونتیجة لھذا الإنھاء تم نقل نظام الاتصالات المتنقلة الرقمیة GSM الى الدولة اللبنانیة. مما يعني أنه اعتباراً من ذلك التاريخ تعتبر كل هذه الموارد والأموال مالاً عاماً.

من ثم تولت الدولة إدارة وتشغيل القطاع عبر اتفاقيات متعددة، تضمنت عقود تشغيل وصيانة خاصة بدءاً من عقد NCOC الموقع مع شركة FTML، وتأسيس شركتي MIC1 وMIC2 لإدارة الشبكتين.

في عام 2004، وقعت الدولة اتفاقيتين لإدارة MIC1 مع تكتل Detecon، وMIC2 مع شركة MTC الكويتية. لاحقاً، انتقلت إدارة MIC1 إلى شركة أوراسكوم عام 2009، بينما استمرت MTC في إدارة MIC2 بعد فوزها بمناقصة في العام نفسه.

رغم إقرار دفتر شروط جديد عام 2014، فشلت الحكومة في تنظيم مناقصات جديدة، واستمر التمديد للشركتين المشغلتين سنوياً بقرارات من مجلس الوزراء، كان آخرها في 5 أيار 2020، حيث تقرر نقل إدارة شركتي “زين” و”أوراسكوم” إلى وزارة الاتصالات مباشرة.

وقد أدّت هذه السياسات المعتمدة بعد انتهاء عقد الـB.O.T في العام 2002، إلى واقع قطاع الاتصالات اليوم من سوء ادارة وهدر للمال العام وانعكاسه على تردّي خدمات الاتصالات في لبنان وتردّي الشبكة العامة.

 

التلزيمات في المرافئ البحرية والمطارات: بين قانون الشراكة والشراء العام

اشكالية أخرى تطرح حول مشروع القانون المقدّم من وزارة الأشغال وهي الحاجة الفعليّة لقانون في ظلّ وجود قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص الذي من المفترض أن تخضع له التلزيمات وفق عقود الـB.O.T

للإجابة، تشير الخبيرة في قانون الشراء العام في معهد باسل فليحان المالي رنا رزقالله في مقابلة لـ"مهارات نيوز" إلى أنّ "نظام الـB.O.T هو نوع من أنواع أنظمة الPPP أي أنه شكل من أشكال الشراكة بين القطاع العام والخاص وبالتالي من المفترض أن يخضع لقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص ولكن أتوقّع أنه وبظل غياب المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة معطّل وليس فعّال، لذا اتجهوا لمشروع قانون".

ويذكر أن المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة هو الموكل بالموافقة على المشاريع التي يتشارك بها القطاع العام والخاص بحسب المادة 2 و 3 من قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص.

وفي ظلّ غياب المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة، لا بدّ من وجود آلية شراء واضحة لإجراء التلزيمات، لذا نصّ مشروع القانون المقدّم من وزارة الأشغال في المادة 2 منه على أن تجري وزارة الأشغال وفق أصول وأحكام قانون الشراء العام مزايدة عمومية لمنح العقود، وهو ما يفترض أن يؤمّن الشفافية في آلية التلزيم.

في هذا السياق، تشير رزقالله أنّه "وفي ظلّ غياب المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة الذي يحكم تلزيمات الـB.O.T تم ادراج احكام قانون الشراء العام وهو أمر جيّد فنحن بحاجة لآلية شراء واضحة وشفافة، وهنا من المهم الإشارة الى أنه ووفقا للمعايير العالمية يعتبر قانون الشراء العام وقانون الشراكة بين االقطاع العام والخاص قانون واحد، لكن في لبنان القانونان منفصلان، وفي هذه الحالة أوصى صندوق النقد الدولي أن يتماهى القانونان ولا يتعارضان، وهو ما نص عليه قانون الشراء العام في المادة 3، بإخضاع مشاريع الشراكة لقانون الشراء العام بما لا يتعارض مع قانون الشراكة". 

 

إذا، يعتبر نظام الـb.o.t أحد الأنظمة الاقتصادية الحديثة التي تعتمد في الدول كشكل من أشكال الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص عبر تلزيم القطاع الخاص لمرفق حيوي معيّن لفترة زمنية محدّدة.

 وعلى الرغم من أهمية هذا النظام وانعكاساته الايجابية على الاقتصاد اللبناني خصوصا في ظلّ الأزمة التي يعاني منها البلد، إلاّ أنه ينطوي على مخاطر عديدة يجب النظر اليها لضمان أفضل النتائج على المستوى الاقتصادي، بالإضافة إلى التحديات القانونية لناحية الحاجة الى قانون في ظلّ غياب المجلس الأعلى للخصخصة وضرورة استكمال النصوص القانونية اللازمة لتطبيق الـPPP والذي يضمن حقّ الدولة بشكل أكبر.


 

TAG : ,BOT ,مشروع قانون ,وزارة الأشغال ,مطار بيروت ,مطار القليعات ,مرفأ بيروت ,مرفأ صيدا ,القطاع الخاص ,القطاع العام ,خصخصة