لم تكن الانتخابات البلدية والاختيارية 2025 محطّة عابرة في بلدة كفرشيما – قضاء بعبدا بمحافظة جبل لبنان، حيث تنافست لائحتان، الأولى على رأسها رئيس البلدية وسيم الرجي وحملت اسم "مشروع كفرشيما" والثانية برئاسة بديع راضي حملت اسم "لائحة كفرشيما".
المنافسة كانت قوية جدّا، لتفوز لائحة "مشروع كفرشيما" بـ10 مقاعد، بينما فازت "لائحة كفرشيما" بـ5 مقاعد، بخرق ملفت لم يحصل في الانتخابات عام 2016.
لكن وسط هذه المعركة الغامضة، كانت الأخبار المضللة والزائفة تنتشر بين أبناء البلدة أو على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في الإعلام إن كان قبل، خلال أو بعد يوم الانتخابات.
رصد الأخبار المضللة في كفرشيما
1-انتشر خبر عن وجود مستودع لـ"حزب الله" في البلدة، فقامت البلدية بإصدار بيان نفت فيه "نفيا قاطعا ما ورد في الخبر المنشور على صفحة Al Jadeed News والمنقول عن " مصادر أميركية"، حول دخول الجيش اللبناني الى مستودعات تابعة ل " حزب الله" في كفرشيما، على اعتبار أنه لا وجود لأية مستودعات له فيها، حتى يدخل الجيش اليها".
2-انتشر خبر قبل ساعات من الصمت الانتخابي يوم الجمعة 2 أيار 2015، يقول أن "فضيحة جديدة هزّت بلدة كفرشيما إذ سُربت وثيقة سرية عن موافقة البلدية السابقة على إقامة محرقة للنفايات داخل القرية، علمًا أن البلدية كانت قد تعهدت للأهالي بعدم السعي لهذا الأمر". هنا لم تتمكّن البلدية من الردّ، ولكن رغم صحّة الخبر، إلا أنه ليس بجديد، ما يضع علامات استفهام حول وقت نشره.
3-نشرت وسائل إعلامية عدة، نحو الساعة 1 بعد منتصف الليل خبر يفيد عن فوز لائحة "مشروع كفرشيما" في الانتخابات، بينما كان الفرز في بداياته وتم فرز صندوقين فقط من أصل 8. ما يعني أن وسائل الاعلام تسرّعت في نشر الأخبار من دون التأكّد من صحّتها.
حال كفرشيما كحال عشرات القرى اللبنانية التي خاض سكانها الانتخابات البلدية والاختيارية.
ما سبب انتشار الأخبار المضللة خلال موسم الانتخابات؟
في الإطار، كشف مدير وحدة الرصد الإعلامي في مؤسسة مهارات، طوني مخايل أن "هناك أمثلة عديدة حول أخبار كاذبة انتشرت خلال الانتخابات البلدية 2025 خصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل صورة لمرشحة وهي تضع قبعة على رأسها تحمل شعار لحزب غير مؤيد لها، بالإضافة إلى استطلاعات للرأي مفبركة".
وأكمل أن في طرابلس انتشرت إشاعات وأخبار مضللة عن عملية تزوير في عملية الفرز، لافتا إلى أن الأخبار المضللة هي أخبار مفبركة لا أساس لها من الصحة ولا يمكن تصنيفها على أنها حملات دعائية.
بينما، قال الصحافي المتخصصة بمكافحة المعلومات المضللة والكاذبة محمود غزيل لمنصة "المشهد" أن "أسبابا عدة تؤدي إلى انتشار الأخبار المضللة والكاذبة خلال الانتخابات خصوصا وأن هذا حدث يهتم بشريحة كبيرة من الناس، لذا تنتشر هذه الاخبار ويتم استغلالها من بعض الأطراف للتغيير بالرأي العام إما إيجاباً أو سلبا".
إثارة المشاعر
مع بدء الحملات الانتخابية في الانتخابات النيابية عام 2022، قامت مؤسسة "مهارات" برصد الخطاب السياسي على منصتي فيسبوك وتويتر لـ132 جهة فاعلة، شملت: 96 مرشحًا من مختلف التوجهات، 11 سياسيًّا غير مرشح، و25 من المؤثرين ذوي الخلفيات الحزبية والسياسية المتنوعة.
في تحليل نوعية الخطاب، أظهرت النتائج أن:
49.5% من الخطاب السياسي ارتكز على إثارة المشاعر (العاطفة، الغضب، الخوف...).
21.3% كان مخصصًا لـالترويج الانتخابي المباشر.
7.5% فقط من الخطاب تضمن مضامين برامجية واقتراحات لحلول وسياسات بديلة.
تكشف هذه الأرقام عن طغيان الطابع العاطفي والتحشيدي على محتوى الخطاب الانتخابي، في مقابل الاهتمام بالبرامج والمقترحات الفعلية، ما يثير تساؤلات حول جودة النقاش العام ومدى تأثير هذا الخطاب في تشكيل رأي عام مستنير.
لماذا تصدّق الناس الأخبار المضللة؟
لكن ما سبب تصديق الناس للأخبار المضللة أكثر من الخبر الحقيقي أو العادي؟ يجيب غزيل أن "السر يعود إلى أن الخبر المضلِّل، أو ما يُكتب بطريقة مضللة، أو يحتوي على معلومات خاطئة، أو حتى المعلومات الصحيحة التي تُستخدم بطريقة خاطئة، قد يلفت انتباه الناس بشكل كبير".
وأكمل "ذلك لأن هذا النوع من الأخبار يختلف عن الواقع بصورة واضحة جدًا، أو لأنه يعزز بعض المفاهيم أو الصور النمطية أو الآراء المسبقة لدى بعض الأشخاص أو الجماعات".
وتابع: "من هنا، تزداد الحاجة إلى الرد على هذه المعلومات المضللة. فمثلاً، قد تكون هناك معلومة قديمة عن شخص ما، وقد مر وقت طويل عليها، لكنها تُستخدم مرة أخرى في سياق مختلف، مثل نجاحه الأخير في الانتخابات".
وعن مطلقي هذه الاخبار، كشف غزيّل أن "كل المستفيدين أو المرشحين في العملية الانتخابية قد يكونون أطراف في نشر الأخبار المضللة، بالإضافة إلى ذلك ففي في عالم المعلومات نجد الاخبار "الكاذبة البسيطة" وهي تعني أن هناك اخبارا خاطئة يتم التداول بها لكن ليس عن قصد، من دون وجود جهات محددة خلفها".
تأثير الأخبار الكاذبة على الناخب
وذكر مخايل أن للأخبار المضللة تأثير كبير في الإنتخابات وقد تؤثّر على خيار الناخب الانتخابي.
صحيح أن للمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، وصناع المحتوى عبر هذه المنصات، تأثير كبير على المواطن اللبناني، وفق غزيّل، لكن تبقى الوسائل الإعلامية المعروفة والمتخصصة والمُسجلة رسميًا جزءًا من المصادر الموثوقة والمهنية في التعامل مع الأخبار.
من هنا، دعا الوسائل الإعلامية — خصوصًا القنوات التلفزيونية والجرائد والإذاعات — أن تلتزم بأعلى درجات المهنية في نقل الأخبار، وأن تقوم بتدريب المراسلين والأشخاص الذين يظهرون أمام الكاميرات ليكونوا مجهزين بالمهارات اللازمة للتعامل مع الأخبار، وللتأكد من صحة المعلومات قبل نشرها.
وتابع غزيّل:
- نشهد أحيانًا أن بعض الإعلاميين يتحدثون مباشرة على الهواء عن معلومات دون التحقق منها أولًا، بدلًا من أن يتأكدوا من دقتها.
- هنا، كان الأجدر أن يستأذنوا القناة أو الجهة الإعلامية، ويؤكدوا أن الخبر يحتاج إلى التحقق قبل تقديمه.
- وكذلك الحال بالنسبة للصحف المكتوبة، حيث يجب التأكد من كل تفصيل قبل النشر.
وشبّه دور الصحافي تجاه الناخب، بما يحدث مع رؤساء أقلام الاقتراع في الانتخابات؛ حيث يتم التركيز على ضرورة اهتمامهم بالناخب، وما يتطلبه دورهم من مسؤولية وواجبات على كل موظف داخل مركز الاقتراع.
خبرة إعلامية
وعن كيفية التمييز بين الأخبار المضللة والحقيقية عند تغطية الانتخابات، قالت مراسلة صحيفة "النهار" اللبنانية كارلا سماحة: قبل أن أتواجد في التغطية، أقوم أولا ببحث عن المنطقة المتواجدة فيها وعن كافة التفاصيل المتعلقة بهذه التغطية لتجنب أولاً الوقوع في حيرة معينة أمام أي خبر كان. وثانياً، أتواصل مع معنيين أو "رسميين" في المنطقة التي أتواجد فيها وأطلب منهم معلومات رسمية سابقة وكذلك تزويدي بمعلومات عند الحدث (نتائج أم أحداث أم تفاصيل تحصل خلال العملية الانتخابية)".
وتابعت: "بالنسبة لتقييم الخبر عند التغطية، أولا أتجنب قول أي معلومة غير مؤكدة على الهواء مباشرة، ثانيا، أنتظر للتدقيق من مصادر رسمية، ثالثا، أختار المواقع بدقة والموثوقة للحصول على المعلومات السريعة، ولكن غير ذلك، لا أقول أي معلومة بهدف السرعة أو السبق الصحفي قبل التأكد وفي حال كانت هذه المعلومة كثيرة التداول، أذكر "انه هناك تناقل لهذه المعلومة ولكنها غير مؤكدة وسنوافيكم بالتفاصيل الأدق لاحقا".
للإعلام مسؤولية
أما بالنسبة لدور الإعلام في هذا الإطار، فأشارت سماحة، إلى أن:
- دور الاعلام مهم جدا في مواجهة الأخبار الكاذبة الهادفة الى خلق جو من التوتر والفتنة، لذلك من الضروري جدا أن يكون الإعلامي واثق من كل جملة يقولها خلال تغطيته، وأن يتأكد من المعلومات عبر مصادر رسمية موثوقة أيضا.
- الأهم أيضا أن يكون الاعلامي على اضطلاع مسبق بكل الاجواء المحيطة قبل التغطية ما سيساعده على فهم أكبر للمعطيات حوله.
وأكملت أن "على الاعلامي أن يكون لديه تواصل مباشر مع أشخاص رسميين في المنطقة لتكون معلوماته دقيقة ومبنية على مصادر رسمية لإثبات أو نفي الأخبار الكثيرة المتداولة خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي".
تشريعات وقوانين
في الشقّ القانوني، قال مخايل إن "قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب المطبق في الانتخابات البلدية يوجب على وسائل الإعلام الخاص وعلى اللوائح والمرشحين الامتناع عن تحريف المعلومات أو حجبها أو تزييفها أو حذفها أو إساءة عرضها تحت طائلة الاحالة الى المحكمة والتغريم".
وأكمل أن "الصمت الانتخابي الذي يطبق أيضا على حملات المرشحين على وسائل التواصل الاجتماعي يساهم في الحد من انتشار الاخبار المضللة قبل 36 ساعة من يوم الاقتراع".
بالمحصّلة، لا يمكن تفادي انتقال الأخبار المضلّلة أم الكاذبة خلال أي استحقاق انتخابي، إن كان على "غروبات الواتساب" أو مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في المقابل يمكن للإعلام تفادي الوقوع في ثغرات هذه الأخبار، من خلال التأكد من كلّ معلومة قبل نشرها.
تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع "إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان". موّل الاتحاد الأوروبي هذا التقرير. وتقع المسؤولية عن محتواه حصرًا على عاتق ”مؤسسة مهارات“ وهو لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي. ينشر هذا التقرير بالتزامن مع موقع المشهد.