Loading...

معرض رشيد كرامي: الفرصة الأخيرة

 

"بين مشاريع أقرت ولم تُنفذ، ومشاريع بدأت ولم تُستكمل" يعاني الاستثمار العام في لبنان ومنذ سنوات تحديات كبيرة أعاقت تفعيله، ويعود ذلك بالأساس للفساد وسوء الإدارة، وغياب الشفافية والتخطيط، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي والانهيار الاقتصادي، ضعف البنية التحتية، وتراجع ثقة المستثمرين المحليين والدوليين. كُل ذلك في ظل غياب إصلاحات جدية واستراتيجيات وطنية واضحة.

 

في مدينة طرابلس، يقف معرض رشيد كرامي الدّولي كأحد أكبر الشاهدين على نماذج المشاريع الإنمائية غير المكتملة في لبنان، حيث لم يُفتتح المعرض رسميًا منذ اكتماله في سبعينيات القرن الماضي وظل حبيس الإهمال والتقلبات السياسية رغم تصميمه الفريد والمُتميز الذي دفع لإدراجه على قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2023.

 

اليوم، يعود المعرض إلى واجهة النقاش العام، مدفوعًا بزيارة رئيس الحكومة نواف سلام في 18 آب 2025، حيث أعلن من داخل قاعة المؤتمرات بدء العمل لمجلس الإدارة الجديد، مؤكّدًا أن "طرابلس ليست مجرد ماضٍ مجيد، بل حاضر نابض ومستقبل واعد"، مشدّدًا على التزام الحكومة بدعم المعرض عبر شراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات الثقافية والاقتصادية.

 

لكن هذه التصريحات، رغم أهميتها، تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية: هل تكفي النوايا السياسية لإعادة تشغيل المعرض؟ ما مدى جدّية الخطط المطروحة؟ وهل يمكن لهذا المشروع أن ينعكس فعليًا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي لمدينة طرابلس التي تعاني من التهميش؟ وما الدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب في تحريك هذا الملف من جديد؟

 

إدارة وخطط جديدة

اعتبر رئيس مجلس إدارة معرض رشيد كرامي الجديد الدكتور هاني شعراني في حديث نُشر على الوكالة الوطنية أنه حين صمم المعماري العالمي أوسكار نيماير هذا المعرض، لم يكن يقصد أن يبني حجارة فقط، بل أن يرسم للبنان نافذة على المستقبل. واليوم، وبعد عقود من الركود والتدهور البنيوي، يقف معرض رشيد كرامي الدولي أمام خيار واحد فقط: أن نعيده منارة للنهضة والتنمية.

 

وأكد شعراني أنه رغم التحديات تبقى الآمال أكبر، وأن الإدارة ستعمل خلال المرحلة المقبلة على وضع رؤية استراتيجية واضحة لإعادة إحياء المعرض من خلال أربعة ملفات أساسية:

- ملف الترميم

- ملف استغلال الأصول، وفي مقدمها الفندق

- ملف التفعيل الثقافي والفني والرياضي

- ملف تفعيل الاقتصاد الرقمي وريادة الأعمال وصناعة التكنولوجيا".

 

وتابع: "مسؤوليتنا اليوم ألا نترك هذا الصرح شاهدًا على الإهمال، بل أن نحييه ليكون محركا اقتصاديا، ومنارة ثقافية وفنية ورياضية، ورسالة أمل للأبناء والأحفاد. إن معرض رشيد كرامي الدولي ليس ساحات فارغة، بل هو ذاكرة مدينة، وحلم أجيال، وأمانة في أعناقنا جميعا".

 

شباب طرابلس : نريد عمل لا شعارات

رغم الوعود التي تُطلق باعادة وضع معرض رشيد كرامي على السّكة الصحيحة، يخشى الشباب الطرابلسي من استمرار نهج التعطيل، بدل من تحويل المعرض إلى منصة للإنتاج. فنجاحه لا يرتبط فقط بالبنية التحتية أو الخطط الحكومية، بل يتوقف أيضًا على مدى انخراط المجتمع المحلي، وخاصةً الشباب، فهم لا ينظرون إلى المعرض كمجرد منشأة عمرانية، بل كفرصة محتملة لفتح آفاق جديدة للعمل والإبداع والمشاركة المدنية.

 

في هذا الإطار، أوضح الشاب الطرابلسي، أحمد الموّاس، أن تعيين مجلس إدارة جديد للمعرض برئاسة الدكتور هاني شعراني خطوة إيجابية، لكنها تبقى غير كافية ما لم تُترجم إلى خطة واضحة وجدول زمني للنشاطات والتشغيل.

 

وطرح موّاس رؤية عملية لتفعيل المعرض، تبدأ من تأسيس شركات أمن وخدمات خاصة به، بدلًا من استئجارها من خارج المدينة، ما يخلق فرص عمل مباشرة للشباب الطرابلسي. كما يدعو إلى استغلال المساحات الواسعة داخله لتنظيم فعاليات متعددة في نفس الوقت، وتحويله إلى وجهة يومية للزوار، لا مجرد موقع موسمي للحفلات.

 

ولفت إلى أنّ المعرض، ورغم إدراجه على قائمة التراث العالمي، يفتقر إلى الإنارة والتمويل، ما يجعله مظلمًا ليلاً ويحوّل محيطه إلى ما يشبه "مدينة أشباح". ويؤكد أن إعادة الحياة إلى المعرض لا تتطلب فقط نشاطات ثقافية، بل رؤية اقتصادية متكاملة تدمج التشغيل بالخدمات، وتربط المعرض بالمدينة عبر خطة تنموية واضحة.

 

ويُضيف موّاس، "طرابلس مدينتي، وأحلم أن أراها من أفضل مدن لبنان. المعرض جزء من هذا الحلم، يجب أن يكون مجهزًا ليستقبل الناس يوميًا، أن يكون فيه مطاعم وسهرات بسيطة، لا مهرجانات ضخمة فقط، هذا المعرض حرام أن يبقى هكذا".

 

أمّا الشّابة أمل رشيد، فأكّدت حاجة الشباب إلى دعم حقيقي، وأن لا يقتصر الأمر على الشعارات فقط، مشيرةً إلى أنّ طرابلس تحتاج إلى مشاريع صغيرة وشراكات مجتمعية تساهم في إعادة تنشيط الصناعات المحلية، وتمنح الشباب فرصة للإنخراط في الحياة السياسية والاجتماعية. وذلك من خلال، فتح المجال أمام شباب وشابات طرابلس لعرض أفكارهم وتطويرها بالتعاون مع الجهات المعنية، إلى جانب إنشاء مركز دائم للتوجيه المهني في المدينة.

 

وبحسب رشيد "الحلم بات صعبًا في ظل الظروف الحالية، لكن الأمل قائم بأن تنطلق طرابلس بمشاريع فعلية، تُدار من قبل أشخاص مناسبين، وتُنفّذ بعيدًا عن الحسابات الضيقة، من أجل مستقبل أفضل للمدينة وسكانها".

 

المعرض فرصة اقتصادية

رغم أنها ثاني أكبر مدينة في لبنان من حيث عدد السكان، تعاني طرابلس من تهميش اقتصادي مزمن، انعكس على مختلف جوانب الحياة اليومية فيها. ووفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي في أيار 2024، ارتفع معدل الفقر في لبنان أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي إلى 44% من مجموع السكان.

 

طرابلس التي كانت تُعرف تاريخيًا بدورها التجاري والصّناعي، تشهد ركودًا حادًا، وتراجعًا في الاستثمارات، وغياب شبه كامل للمشاريع الإنتاجية الكبرى. ورغم امتلاكها لمرافق حيوية مثل مرفأ طرابلس إلا أن هذه الإمكانات لم تُستثمر بشكل فعّال، وظلت المدينة خارج خارطة التنمية الوطنية.

 

في هذا السّياق، يُطرح معرض رشيد كرامي الدّولي كمشروعٍ قادرٍ على كسر هذا الجمود الاقتصادي، إذا ما أُعيد تشغيله ضمن رؤية متكاملة حيث أكّد الأكاديمي والباحث الاقتصادي الدكتور أيمن عمر في حديث لـ "مهارات نيوز"، أن المعرض يمتلك إمكانيات اقتصادية كبيرة، بفضل موقعه الاستراتيجي ومساحته التي تتجاوز مليون متر مربع، إضافةً إلى قربه من المرافق الحيوية. 

 

ويضيف عمر أن "تشغيل المعرض بالشكل الصحيح يُمكن أن يحوّله إلى رافعة اقتصادية للمنطقة، من خلال استضافة فعاليات دولية، معارض صناعية وتجارية، ومهرجانات ثقافية وسياحية، ما ينعكس إيجابًا على قطاعات النقل، الإقامة، المطاعم والخدمات، كما أن إدراجه على لائحة التراث العالمي من قبل اليونسكو قد يفتح الباب أمام دعم دولي واستثمارات ثقافية، ما يعزز من قدرته على استقطاب الزوار والمشاريع ذات الطابع السياحي المستدام".

 

ومن حيث فرص العمل، يرى عمر أن المشروع قادر على خلق ما بين 2500 إلى 3000 وظيفة مباشرة، في مجالات متعددة تشمل الإدارة، الأمن، الخدمات، التسويق، والتقنيات الحديثة، فضلًا عن الوظائف غير المباشرة في قطاعات النقل، الفندقة، الحرف، والمأكولات المحلية.

 

تحديات وحلول مقترحة

يُحذّر الدكتور أيمن عمر من التحديات البنيوية التي تعيق إعادة تفعيل المعرض، وعلى رأسها التمويل، إذ تتراوح كلفة التأهيل الأولي بين 10 و30 مليون دولار، إلى جانب ضعف البيئة الإدارية نتيجة الوصاية المزدوجة بين وزارتي الاقتصاد والمالية، وتدهور البنية التحتية بفعل الإهمال. ومن الحلول المقترحة للأزمة بحسب عمر دمج المعرض في رؤية تنموية أوسع تشمل طرابلس كمركز ثقافي وسياحي، ما يتطلب: 

 

- تمرير التشريعات التي تمنح استقلالية إدارية، وتشجيع الشراكات مع القطاع الخاص.

- تأمين التمويل للتأهيل وإطلاق مشاريع تشغيلية داخل المعرض، بمساعدة تمويل دولي أو مانحين آخرين.

- إنشاء شبكة ثقافية وسياحية حول المعرض تربط المدينة بالموقع عبر فعاليات، أسواق تراثية، وترويج محلي ودولي للمعرض كمزار ثقافي.

- ضمان بيئة سياسية وأمنية مستقرة تجذب الاستثمار وتضمن استمرارية المشروع.

 

إذًا تبقى مراقبة مشروع معرض رشيد كرامي وأمثاله من المشاريع التي انطلقت أمرًا ضروريًا لمعرفة إذا ما كان الواقع سيُلاقي الوعود بالشفافية والحوكمة التي تُرافق إطلاق كل مشروع، وكونها تشكل فهمًا مستقبليًا  لكيفية تعاطي لبنان مع قضايا الاستثمار العام.