Loading...

الحماية الإجتماعية في لبنان… أزمة نظام

 

لطالما عانى لبنان في السنوات الماضية من غياب نظام حماية اجتماعية متين قادر على مواجهة الأزمات، هذا الغياب بدا جليًا أكثر مع بدء الأزمة الإقتصادية أواخر عام 2019. وتعاني آلاف الأُسر اللبنانية اليوم من الأنهيار المالي والنقدي الكبير وعدم القدرة على تلبية أبسط مقومات الحياة.

 

وفي مقاربتها للأزمة الحالية تركّزت جهود الحكومة اللبنانية في العامين الماضيين في موضوع الحماية الاجتماعية فقط على بعض البرامج وشبكات الدعم الإجتماعي والتي في الغالب كانت عبارة عن حوالات نقدية ومساعدات ظرفية في ظل غياب تام لأي إجراءات بنيوية وأيّة نية  لتأمين أرضية سليمة ومستدامة للحماية الإجتماعية.  

 

تُناقض هذه السياسة المتبعة تماما ما تضمنه "إطار الإصلاح و التعافي وإعادة الإعمار" الذي انطلق عام 2020 كإستجابة دولية شاملة لإنفجار مرفأ بيروت والذي يضع الحماية الاجتماعية وتعزيزها في سُلم أولوياته. ويعتمد الإطار مسارين متوازيين في العمل، الأول هو مسار التعافي الذي يرتكز على الإنسان ويركّز على الإجراءات الأساسية وذلك لتلبية الإحتياجات الملحّة للسكان، والثاني مسار يُركّز على الإصلاحات الحيوية لمواجهة التحديات الماثلة.

 

وفي السياق إنبثق عن الإطار مجموعة عمل خاصة بالحماية الإجتماعية مكوّنة من جهات دولية ومحلّية بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني اللبناني تحت اسم "منتدى تنسيق الحماية الاجتماعية" ويصب المنتدى إهتمامه على متابعة عدّة أمور منها إنشاء وتنفيذ المنح الاجتماعية لمعالجة نقاط الضعف في دورة الحياة مثل المعاش  التقاعدي وبدل الإعاقة ومنحة الطفل. 

 

كما يركز على متابعة وإقرار الإصلاحات طويلة الأمد ومنها دعم تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، الاستمرار في تطوير نظام معلومات الحماية الإجتماعية كسجل الأسرة، إستحداث نظام للمعاشات وإصلاح ترتيبات التأمين الصحي للعاملين في القطاع الخاص مع ضمان الإستدامة المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

 

 

مقاربة الحماية الإجتماعية في لبنان

في الوقت الذي يؤكد فيه الإطار ضرورة تزامن مساعدة اللبنانيين المباشرة مع إصلاحات طويلة المدى نجد في المقابل تركيز غالبية الإجراءات المتخذة حتى اليوم على النقطة الأولى فقط. وتمحورت المساعدات الإجتماعية في لبنان حول برامج مساعدات نقدية تُدفع شهريًا ولفترة محددة للعائلات والأسر اللبنانية.

 

وكان آخر هذه البرامج، "البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة" وهو برنامج أطلقته وزارة الشؤون الإجتماعية في لبنان في 26 نيسان 2023 بالشراكة مع اليونيسف ومنظمة العمل الدولية وبتمويل من الإتحاد الأوروبي. ويهدف البرنامج الى دعم الأشخاص ذوي الإعاقة لمواجهة التكلفة الإضافية للإعاقة وتسهيل وصولهم إلى الخدمات الأساسية المطلوبة. وستُمنح الأولوية خلال المرحلة الأولى من تنفيذ البرنامج للشباب والشابات الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و28 عاماً (من مواليد الأعوام بين 1995 حتى 2005) وذلك لدعمهم في الإنتقال الى التعليم العالي أو الانضمام الى سوق العمل.

 

سيستفيد من هذا البرنامج ما لا يقل عن 20,000 شخص من بدلٍ شهريٍّ قدره 40 دولاراً أميركياً لكل شخص خلال فترة أولية مدّتها 12 شهراً. ويحصل على البدل الشهري الأشخاص الذين يحملون بطاقة المعوّق الشخصية لـ تأمين حقوق المعوقين الصادرة عن وزارة الشؤون الإجتماعية، التي تدير سجلاً رقميًا لجميع حاملي البطاقات، لتسهيل وصولهم إلى مجموعة الخدمات.

 

وحول البرنامج تقول رئيسة الإتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا سيلفانا اللقيس لموقع مهارات نيوز  "الخطوة اليوم بانطلاق هذا البرنامج هي نتيجة للعمل والمناصرة الذي قمنا به كجمعيات تمثل الأشخاص المعوقين ومسار وعمل مشترك مع منظمة العمل الدولية واليونيسيف، حيث عملنا على تطوير أوراق عمل تحتوي عدة توصيات ومن ضمنها هذه التوصية بإنشاء دعم نقدي للأشخاص المعوقين".

 

وتؤكد اللقيس أن هذه الخطوة  هي"سندة" بمعنى أنها دعم صغير الا أن لها أهمية استراتيجية كبيرة، وأهميتها تنطلق من أنها تطال الفرد المعوق في العائلة بشكل مباشر، وكجمعيات مستمرون بالعمل سويًا بشكل منتظم ودوري للسهر على عملية التطبيق لتكون شفافة وعادلة.

 

بدوره يقول ممثل جمعيات الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان ابراهيم عبد الله أن "هكذا برامج هي فقط جزء من الحماية الاجتماعية ولا يظن أحد أن هذا البرنامج سيحل المشكلة وهو يُعتبر خطوة جيدة في الطريق السليم نحو إعتماد نظام حماية اجتماعية في لبنان بدل من نظام الرعاية الاجتماعية الذي كنا نرتكز عليه سابقا وبات اليوم غير صالح ونحن بحاجة لنظام حماية إجتماعية متكامل".

 

ويضيف: "نحن كجمعيات عملنا منذ سنة ونصف مع اليونيسف ومنظمة العمل الدولية وعند نشأة هذا البرنامج حاولنا في البداية اختيار كبار السن للإستفادة بسبب ازدياد حاجاتهم ولكن للأسف فإن عددهم كبير والبرنامج لا يكفي لتغطية هذا العدد لذلك تم اختيار هذه الفئة الشبابية والذين يُعتبر عددهم قريب من الميزانية المتوفرة.

 

وكان سبق برنامج "البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة" بعض برامج المساعدات الإجتماعية أبرزها "برنامج أمان" الذي أُطلق في كانون الأول 2021 و يموّله البنك الدولي من خلال قرض بقيمة 246 مليون دولار. ويستهدف 150 ألف عائلة، ويستفيد من هذا البرنامج اليوم ما يقارب الـ 80 ألف عائلة وتم الإعلان مؤخرًا عن التجديد للمستفيدين القدامى لـ 6 أشهر إضافية، بعد أن كان البرنامج مصمماً للإستفادة منه لمدّة عامٍ واحدٍ فقط".

 

 

وعاد البنك الدولي وأعلن في 25 مايو/أيار 2023 عن تمويل إضافي بقيمة 300 مليون دولار للمشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة للأزمة وجائحة كوفيد-19 في لبنان (مشروع شبكة الأمان الاجتماعي ESSN ). حيث سيسمح هذا التمويل الإضافي بمواصلة توسيع نطاق تقديم التحويلات النقدية للأسر اللبنانية الفقيرة والأكثر احتياجًا.

 

وبالإضافة لبرنامج أمان، هناك "البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً"، وهو برنامج دائم في وزارة الشؤون وأطلق عام 2011"، فضلا عن برنامج " البطاقة التمويلية" الذي أُعلن عنه ولكنه لم ينفذ حتى الآن.

 

هذه البرامج كان قد استعرضها تقرير سابق لـ مهارات نيوز تحت عنوان "الحماية الإجتماعية في لبنان: غائبة رغم محاولات الدفع الدولي".

   

رواتب ومساعدات يمحوها التضخم

بالإضافة إلى برامج المساعدات التي ذُكرت والتي بغالبيتها كانت ممولة من جهات دولية على شكل قروض، قامت الحكومة اللبنانية ببعض الإجراءات تحت مسمى "الحماية الإجتماعية" أبرزها تضمُّن موازنتها لعام 2022 زيادة رواتب موظفي القطاع العام، المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين وكافة الأجراء في الدولة، ضعفين على الراتب الأساسي.

 

لم تساهم هذه المساعدات عمليًا بإحداث أي تغيير على جودة حياة اللبنانيين لأنها ببساطة كانت "ترقيعية" ولم تترافق مع إجراءات إقتصادية فعلية لضبط الوضع النقدي والمالي في بلد تنهار قيمة العملة الوطنية فيه بشكل يومي.

 

تبخر قيمة هذه الزيادات دفعت مجددًا مجلس الوزراء في نيسان الماضي لإقرار زيادة أربعة أضعاف على رواتب القطاع العام إضافة إلى الراتبين السابقين الذين أقرا في المادة 111 من قانون الموازنة مع ما يحمله هذا الأمر من زيادة التضخم الناتج عن الإستمرار في طباعة العملة اللبنانية. 

 

تضمنت موازنة 2022 أيضا بعض المساعدات الأخرى ومنها: اعتمادات لمساعدة الأسر الأكثر حاجة ومعالجة الأوضاع المستجدة بفعل فيروس كورونا وترميم الأبنية السكنية جراء انفجار مرفأ بيروت (المواد 13-14-15 من الموازنة)

 

ويشرح الإقتصادي الدكتور ايلي يشوعي أن كل تصحيحات الأجور أو تعويضات نهاية الخدمة لا تندرج في إطار الحماية الإجتماعية، فالأجر يجب أن يكافئ العمل وأن يتناسب مع طبيعته ويجب أن يغطي نفقات الأجير ومصاريفه خاصة الضروري منها.

 

أما نظام التقاعد المبني على الدفع الشهري للمتقاعد فهو ممكن أن يندرج في إطار الحماية لأن المتقاعد هو إنسان لم يعد قادرا على العمل والإنتاج وعادة ما تُحدد قيمة الرواتب التقاعدية بحسب طبيعة العمل الذي قام به المتقاعد أكان شاقًا أو عاديًا.

 

ويقول يشوعي في حديثه لموقع مهارات نيوز أن الحماية الإجتماعية هي عبارة عن نظام كامل تحكمه قوانين وأنظمة تطبيقية، أما المساعدات الظرفية فهي محدودة زمنيًا وهذه المساعدات تمحوها مفاعيل التضخم، والحماية الحقيقية  تكون بحماية الأمومة، الطفل،العاطل عن العمل،المتقاعد،المريض، ومن بحاجة لاستشفاء ومن بحاجة لعمليات جراحية. أما كل ما هو غير ذلك هي إجراءات ترقيعية  ليس لها علاقة بالحماية الاجتماعية".

 

ويضيف: "لولا أموال الاغتراب التي تدخل سنويا ولولا الزائرين الذين يزورون البلد في المناسبات، وأموال بعض الصادرات لكان الوضع أسوء بكثير".

 

إذًا لا يمكن الحديث عن حماية إجتماعية فعلية في لبنان ما لم تنصبّ الجهود على تحويل هذه البرامج والإجراءات الى خطة ورؤية وطنية شاملة تؤمن إمكانية وصول المواطن في لبنان للمأكل والملبس والخدمات الطبية الضرورية، والتعليم ومكافحة البطالة والعجز وغيرها من الحقوق الأساسية للإنسان. 

 

TAG : ,حماية اجتماعية ,شبكات الدعم ,إصلاحات ,الضمان الاجتماعي ,الرعاية الاجتماعية ,المساعدات الإجتماعية