Loading...

مديريّة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد: "أداة" لخدمة "تحالف السلطة"

 

فيما يتهافت اللبنانيون الذين اضناهم الانهيار الاقتصادي على المحال التجارية، بحثا عن سلع بأسعار مدعومة، تعلن أحزاب عن افتتاح متاجر أو توزيع مساعدات تتضمن منتجات بأسعار مخفضة.

ويقول أحد أصحاب المحال التجارية لـ"مهارات نيوز" من دون كشف اسمه "يحترف كبار التجار بغطاء من النظام الموجود احتكار السلع المدعومة، فتتضاعف الأرباح على كاهل الفئات التي يفترض أن تكون المستهدفة من الدعم".

في ظلّ هذه الفوضى والانهيار الاقتصادي الذّي يعزّز معادلة "الثري يزداد ثراءً والفقير يزداد فقراً"، تطرح تساؤلات عن الدور الرقابي لمديرية حماية المستهلك التابعة لوزارة الاقتصاد خصوصاً في ظلّ الانهيار الحاصل.

يعتبر مؤشر الاستهلاك دلالة إحصائية لقياس التغيّرات التي تطرأ على أسعار السلع والخدمات الرئيسية المستهلكة داخل بلد معيّن، والتي تعكس بنية وثقافة الإنفاق الاستهلاكي للأسر والأفراد فيه.

في نيسان 2021، أعلنت دائرة الإحصاء المركزي أن  مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان لشهر شباط 2021 مقارنة بشهر كانون الثاني 2021 سجّل ارتفاعا قدره 4,59% .

كما سجّل هذا الرقم على صعيد المحافظات ما يلي:

 

وقد سجّل مؤشر أسعار الإستهلاك لشهر شباط 2021 ارتفاعا بنسبة 155.4% مقارنة مع شهر شباط 2020. ويدلّ  كل ارتفاع في هذا المؤشّر على  ارتفاع أسعار السلع وبالتالي انخفاض القدرة الشرائيّة لدى المواطنين عند شرائهم للسلّة نفسها من السلع والخدمات التي كانوا يشترونها في الفترة السابقة بمبلغ أقل.

أمّا اليوم، يشكّل ارتفاع  الأسعار حالة متواصلة نظرا لانهيار النظام الإقتصادي وانهيار العملة الوطنية ما أدّى إلى تضخّم مفرط .

وأطلقت وزارة الإقتصاد في منتصف عام 2020 بالتعاون مع مصرف لبنان سلّة  استهلاكية موسّعة مدعومة  ضمّت ما يقارب 361 سلعة، بكلفة تصل إلى 210 ملايين دولار شهرياً.

ويقول مدير جمعية حماية المستهلك غير الحكومية الدكتور زهير برّو لـ"مهارات نيوز" إنّ هذه الخطّة التي أطلقتها الوزارة ليست سوى لخدمة كبار التجار والمستوردين لاستكمال مسلسل الفساد الذّي يقوم به التحالف الثلاثي بين أمراء الطوائف والمصارف والتجّار.

وكانت جمعيّة حماية المستهلك قد اقترحت، بحسب برّو، على الوزارة التوجّه إلى الدعم المباشر للعائلات الفقيرة بدلاً من إنشاء سلّة من السلع المدعومة، التي ستخضع لاحتكار التجّار الكبار على حساب الفئات المستهدفة. 

وقال: "عوضاً عن هدر  يفوق 8 مليار دولار، كان بالإمكان أن تكون الكلفة مليار دولار وموجّهة مباشرة إلى فقراء لبنان، لكن لم يكن النظام الفاسد بأركانه ليستفيد من هذا الاقتراح".

في هذا الإطار  وبحسب وزارة الإقتصاد اقترح الوزير راؤول نعمة في 16 كانون الأول 2020 استبدال برنامج دعم السلع ببرنامج تعويضات نقديّة تطال أوسع شريحة من اللبنانيين، يأتي هذا الإقتراح بعد 7 أشهر من إطلاق سلّة الدعم في 28/5/2020 ومن معاناة اللبنانيين في الحصول على السلع المدعومة. أمّا اليوم وبعد 4 أشهر من هذا الإقتراح لم تزل الدولة اللبنانيّة تتبع نفس النهج الذي باتت نتائجه واضحة على الشعب اللبناني فمن المسؤول عن عدم تطبيق الدعم المباشر؟

بعد 4 أشهر تقريباً من إطلاق السلّة المدعومة وتحديداً في تشرين الثاني 2020، صدر قرار باختزال 224 سلعة من السلّة المدعومة والإبقاء على 137 سلعة بغية خفض الكلفة، بعدما قارب احتياطي المصرف المركزي على النفاد، بحسب ما نقلت جريدة الأخبار عن مدير عام وزارة الإقتصاد محمد أبو حيدر.

 واعتبرابو حيدر أن مسألة الترشيد ليست فقط بسبب أزمة الإحتياطي بل بعد اكتشاف الوزارة وجوب توجيه الدعم بالشكل الصحيح وأنّ بعض السلع المدعومة لا تمسّ الأمن الغذائي و أنّ دعم بعض المواد الأوليّة لم يؤدّي إلى انخفاض سعر المنتج

وتضمنت السلّة سلعاً طرحت علامات استفهام كمبيّض القهوة والكاجو والفستق الحلبي وعصير الكرنبري، والتي تخلّى لبنانيون كثر عنها منذ بدء الأزمة الإقتصادية. ويجد برّو لذلك تبريراً واحداً: "كانت الخطة موجّهة لتنفيع كبار التجّار التابعين  لمنظومة الفساد على حساب الناس".

وفي شهادة شاهد من أهل السلطة، قال النائب جميل السيّد في مقابلة مع الإعلامي جورج صليبي إنّ واجب الدولة كان بتوجيه الدعم مباشرة إلى العائلات الفقيرة مؤكّدا أن استنساخ تجربة اللاجئين السوريين عبر توزيع بطاقات تؤمن وصول السلع المدعومة إلى الفئات المستهدفة بدل الاحتكار والمافياويّة الحاصلة من كبار التجّار كانت لتوفّر الكثير على خزينة الدولة.

في هذا الإطار، تؤكّد موظّفة في سوبرماركت كبيرة أن مديرية حماية المستهلك بالكاد ترسل موظف كل شهرين لمراقبة الأسعار، عوض أن تكون متابعتها يومية لمنع الاحتكار وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.

ويردّ برّو بالقول: " إنّ وزارة الإقتصاد ومديرية حماية المستهلك كجزء من الوزارة يشكّلان أداة لخدمة هذا النظام وهذا التحالف القائم، وزعيم هذه الوزارة جزء من هذا التحالف كونه يتعامل مع المصارف والتجار الندّ للندّ فنحن اليوم أمام إدارات بخدمة تحالف المصارف والتجّار وأمراء الطوائف".

ويؤكّد برّو أنّ "الحلّ اليوم ليس بالترقيع ولا بانتخابات نيابية أو انتظار صحوة قضائيّة بل بالتغيير الجذري والذهاب لماحصرة هذه السلطة وإسقاطها كاملة".

ويقدّم  أحد أصحاب المحال التجاريّة مثالاً عن طريق حصول الاحتكار. ويقول لـ"مهارات نيوز": "يوقّع التاجر على استلامه 10 أطنان من السكّر المدعوم من تاجر أكبر منه،  بينما هو استلم فعلياً 5 أطنان  فقط. وهذا الأخير يقوم بدوره بالعمليّة ذاتها مع تاجر أصغر منه".

ويضيف  "بذلك يصل إلى المواطن من أصل 10 أطنان من  السكّر المدعوم طنّاً واحداً ويباع الباقي بما يتناسب مع دولار السوق".

ويحصل ذلك كلّه، وفق التاجر، "على عينك يا تاجر"، وليس أمام التاجر الصغير من خيارات بديلة، "فإمّا أن يرضى بحصّته ويوقّع على فواتير مزوّرة أو لا يحصل على ذرّة سكّر، بغياب أي جهة رقابيّة تبادر إلى منع هذا الإحتكار".

وتوضح المادة 31 من دليل قانون حماية المستهلك أنّ المعيار لاعتبار السلعة  المعروضة توفيريّة هي بمقارنتها مع السعر الأساسي لهذه السلعة. لكن ماذا لو كانت الدولة هي من تدعم السلع لتصبح توفيريّة بالوقت الذّي تباع فيه هذه  بأضعاف سعرها الطبيعي من دون مراقبة ومحاسبة؟

وقد فرض القانون إنشاء مجلس وطني لحماية المستهلك بغية التنسيق، يتألف من مدراء عامّين لبعض الوزارات وممثلين عن غرف التجارة والصناعة وجمعيات المستهلك. وفي هذا الإطار، يوضح برو  أنّ العلاقة مع وزارة الإقتصاد والوزارات المعنية مقطوعة من دون أي رغبة بالتعاون. ويوضح أن  إنشاء الجمعية تمّ بضغط أوروبي خلافا لرغبة النظام القائم.

وباءت محاولات "مهارات نيوز" التواصل مع المعنيين في وزارة الاقتصاد بالفشل حتى لحظة إعداد التقرير، فيما لم يرد وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال على اتصالات عدة.

وسط هذه الفوضى وتداول مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر إذلال الناس للحصول على قطرة من السلع المدعومة التي تصل من حنفيّة الهدر والفساد، تقول السيّدة ايمان وهي أم لأربعة أولاد: "وضع هذا النظام الناس في وجه بعضها البعض، فأصبحنا نتشاجر على سلعة مدعومة نوفّر فيها بعض النقود لعلّنا نصمد في هذه الأزمة".

TAG : ,وزارة الإقتصاد ,مديرية حماية المستهلك ,جمعية حماية المستهلك ,الدعم ,سلّة الدعم ,الدعم المباشر ,التجّار ,السلع المدعومة