Loading...

طوابير الذلّ على محطات الوقود... تلاعب واحتكار وتهريب

 

 

تمتد طوابير طويلة من السيارات من محطات البنزين في بيروت وكافة المناطق اللبنانية إلى الشوارع المزدحمة حيث يواجه البلد المنكوب بالأزمة نقصاً حاداً في الوقود. يقع لبنان في قبضة أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية 1975-1990، ويعاني أكثر من نصف السكان الآن من الفقر.

بالنسبة الى اللبنانيين، ليس هناك ما هو أكثر اذلالاً من الوقوف طوابير أمام محطات الوقود لتعبئة ولو أقل من صفيحة بنزين. وأصبح من الطبيعي ان ترى نشطاء أو حتى المواطنين أنفسهم يبثون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد الذلّ والواقع المرير أو عبر شاشات التلفزيون التي تنقل مباشرة مشاهد الذلّ، يعبّرون عن غضبهم، حتى وصل الأمر بالمواطنين الى التضارب والتقاتل وإطلاق النار على بعضهم البعض. كل ذلك، في ظل عدم وجود دولة فاعلة تحمي المواطنين ولقمة عيشهم، تكافح التهريب والسوق السوداء وتلاحق المرتكبين والفاسدين والمتحكّمين بقطاع البنزين ومحتكري البنزين والمازوت.

رشاوى وتلاعب

يكاد لا يمرّ يوم إلا ونسمع بأنواع كثيرة من الغش والاحتيال يمارسها بعض اللبنانيين وبعض أصحاب المحطات وبعض المهرّبين. بالنسبة الى المحطات فمعظم الشكاوى من الأسعار العشوائية التي يعتمدها البعض من دون التقيّد بالتسعيرة الرسمية التي تصدر عن وزارة الطاقة. وثمة أصحاب محطات أو عمّال يحصلون على رشاوى من المواطنين مقابل مضاعفة حصة كل سيارة حتى تصبح عادة عمّال المحطة تقليص حجم الحصة المخصصة لقبول الرشاوى. من ناحية أخرى، أصبحت للاحتيال أساليب وفنون متعددة، كما ان البنزين نفسه أصبح عرضة للاحتيال والتلاعب بمحتوياته، يخلطه البعض مع الماء لزيادة الكمية. وفي السوق السوداء، التي تعتبر تجارة رائجة، يُعمد الى ملء الزيت الأخضر الملون بماء النعناع المغلي ثم بيعه على الطريق، مما يجعل المواطنين عالقين على الطريق ضحايا غالونات البنزين.

هذه الأزمة سببها عدم فتح مصرف لبنان الاعتمادات للشركات لاستيراد البنزين في ظل شح الدولارات وبقاء مصرف مراسلة واحد يتعامل مع لبنان، مما قلّص من نسبة الاستيراد وبالتالي من نسبة التوزيع على المحطات.  من دون أن ننسى أن التهريب الى سوريا يلعب دوراً أساسياً في اختفاء المادة من السوق اللبنانية. فالدعم الموضوع على البنزين والمازوت، من جيوب المواطنين، يجعل هاتين المادتين عرضةً للتهريب.

القرار الذي اتخذ منذ أسبوعين على اثر الاجتماع الذي انعقد في القصر الجمهوري لناحية اعتماد سعر صرف الدولار على 3900 ليرة لبنانية بدلاً من 1514، لم يريّح السوق ولم يوقف التهريب، بل بالعكس زادت معاناة اللبنانيين والوقوف طوابير خوفاً من انقطاع مادة البنزين. كما ان الشركات عمدت الى تخزين الكميات المتبقية لديها والتي اشترتها وفق سعر صرف الدولار على 1514 ليرة لبنانية لتبيعها بالسعر الأغلى. فترك الناس يعانون الاحباط والسرقة والذلّ ولا من يتحرّك، علماً ان وزارة الاقتصاد هي المسؤولة عن مراقبة المحطات والرد على شكاوى المواطنين بشأن الاحتيال، وهي تشكو من قدرتها المحدودة على مراقبة السوق والسيطرة عليه، بما في ذلك سوق الوقود. والأجهزة الأمنية هي المسؤولة عن مكافحة التهريب وضبط الحدود.

اجراءات احترازية

لكن ما دور وزارة الطاقة -  المديرية العامة للنفط في كل هذه الأزمة الحاصلة؟ أولاً من الضروري لفت النظر ان وزارة الطاقة لا تستورد البنزين بل الشركات الخاصة. ثانياً، كإجراء احترازي اتخذت المديرية العامة للنفط في وزارة الطاقة سلسلة إجراءات وتدابير أو آلية معنة بالتنسيق مع الأحهزة الأمنية ومصلحة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد بهدف الحدّ من هذه المعاناة:

- على الإدارة العامة للجمارك التحقق من جرد جميع مستودعات الشركات المستوردة من القطاع الخاص وجرد المنشآت النفطية في طرابلس والزهراني.

- أن تعمد الإدارة العامة للجمارك على نشر بوضوح بيانات المخزون الحالية لشركات الاستيراد الخاصة والمنشآت النفطية بعد أن تقرر حساب دعم المنشآت النفطية وفق سعر صرف الدولار على  3900 لحساب فرق السعر بين الكميات المتاحة.

- تأكيد الحصرية القانونية للتخزين داخل محطات الوقود، باستثناء صهاريج المولدات، وبالكميات المحددة في التعاميم.

- مطالبة سلطات الجمارك والأمن العام وأمن الدولة ووزارة الاقتصاد والتجارة من خلال مديرية حماية المستهلك القيام بكل ما هو ضروري وبأسرع وقت ممكن للقيام بكافة أعمال المتابعة الخاصة بالتنفيذ لضبط الكميات المخزنة بطريقة غير مشروعة من جهة، ولمراقبة المخزون والأسعار في محطات وشركات الاستيراد من جهة ثانية، لضمان الحماية المباشرة للمواطنين والمستهلكين من خلال طلب استرداد فرق سعر الدولار لدعم مصرف لبنان لجميع المهتمين بالقطاع، وذلك لتسهيل فتح الاعتمادات من قبل مصرف لبنان لسفن الوقود المنتظرة في المياه الإقليمية.

ويذكر ان الشركات الخاصة المستوردة للمحروقات لم تقبل جدول الأسعار الذي أصدرته وزارة الطاقة لناحية ارتفاع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان بمقدار 15900 ليرة لبنانية. اذ  اعتبرت أن بعض المداخلات المدرجة في قائمة الأسعار الحسابية يجب أن يتم تسعيرها بالدولار في السوق السوداء بدلاً من 3900 ليرة لبنانية للدولار الواحد. فعمدت الى الضغط على الدولة والمواطنين، على حد سواء، عبر عدم تسليم البضائع، فحصلت تدخلات من أعلى المستويات السياسية حتى وافقت المديرية العامة للنفط على تغيير جدول تركيب الأسعار وارتفاعها.

الدولة واستيراد البنزين

لكن الجميع يسأل لماذا لا تستورد الدولة مادة البنزين ويقتصر الأمر على الشركات الخاصة فقط  التي تتحكّم برقاب المواطنين؟ تسرد المديرة العامة للنفط أورور فغالي رواية الاستيراد، فتقول قبل الحرب كانت شركات دولية هي التي تستورد، ومع بدء الحرب في السبعينات قررت مغادرة لبنان وسلمت المصافي التي كانت تعتمدها الى الدولة اللبنانية. فراحت الدولة تستورد المواد النفطية من العراق من دون دفع ثمنها أي كجزء من بدل إيجار خط الغاز الموجود في لبنان الذي كان يستعمله العراق لبيع بضائعه الى الدول الاوروبية. وعندما بدأت الحرب العراقية، أوقف ارسال الوقود وبالتالي بدأت الحكومة اللبنانية تدفع لاستيراد المحروقات، وعندما بدأت الحرب اللبنانية وفقدت الدولة قدرتها على الدفع، دخلت الشركات الخاصة وأخذت مكان الدولة في الاستيراد. وتقول فغالي"بدأت هذه الشركات الخاصة بشراء المحروقات اللازمة ومنحتها الحكومة اللبنانية أجرها النقدي بسبب النقص المالي الذي تعاني منه. أما المادة الوحيدة التي تشتريها الحكومة اللبنانية فهي المازوت الأخضر وبالكاد تستطيع شراءها".

وتشدد فغالي أن نقص المال الذي تعاني منه الحكومة اللبنانية هو السبب الوحيد الذي جعلها تتنازل عن حقها في أن تكون هي المسؤولة عن الحصول على هذه المواد وبيعها. وفيما يتعلق بتسعير هذه المواد ، فهي بالدولار. لذا لذلك قررت الحكومة اللبنانية دعم 90٪ من السعر.

أما لسان حال جميع المواطنين انه منذ ذلك الوقت وكارتيل النفط يتحكّم بسوق المحروقات وبرقاب الناس. رغم ارتفاع أسعار المحروقات وفق سعر الصرف على 3900 ليرة لبنانية، فإن أزمة الوقود مستمرة وستستمر حتى يرفع الدعم كلياً. والخوف ألا يتحمل المواطنون عبء رفع الدعم دفعة واحدة من دون إقرار البطاقة التمويلية ووضع خطة اقتصادية تصحح الخلل في لبنان، فتعمّ الاحتجاجات والتظاهرات وتحمل معها عواقب لا  يحمد عقباها.

TAG : ,أسعار المحروقات ,سعر الصرف ,محطات الوقود ,احتكار وتهريب ,استيراد البنزين ,وزارة الطاقة