أطلق الاتفاق بين وزارة الطاقة اللبنانية وإدارة المناقصات في بدايات شهر يناير/كانون الثاني 2020، حول آلية استيراد "الفيول اويل" و"الغاز أويل" بعد انتهاء عقد شركة "سوناطراك"، رهانات على شفافية يفترض أن تلتزم بها السلطات اللبنانية، لكنه لم ينهِ الجدل حول الهدر الذي يترتب على اعتماد "الفيول أويل" كخيار شبه وحيد لانتاج الكهرباء.
فحصر الخيارات، في ظل عدم الاتفاق على خطة وحيدة لانتاج الكهرباء، والعثرات السياسية والمالية التي حالت دون اعتماد مصادر متنوعة لانتاج الطاقة، يرسم شبهات حول التمادي بالاصرار على انتاج الكهرباء بسبعة معامل، بعضها متهالك، ورتب خسائر مليارات الدولارات على الخزينة اللبنانية، ولا يزال العجز بالكهرباء يوازي الـ1700 ميغاواط لتغطية التغذية الكهربائية 24/24 ساعة.
50 عاماً في الخدمة
بدأ لبنان بالاعتماد على المحطات الحرارية لإنتاج الطاقة الكهربائية منذ السبعينات، وهي معامل تستخدم المحروقات مثل "الفيول أويل"، أو "الديزل أويل" أو "الغاز أويل" لتوليد الطاقة الكهربائية. في ذلك الوقت، كانت الخيارات محدودة، وكانت المحطات الحرارية التي تعتمد على المشتقات النفطية، الاكثر وفرة بين خيارات أخرى تعتمد الطاقة المتجددة النظيفة...
ويولد لبنان معظم الطاقة الكهربائية عبر 7 معامل حرارية، هي الجية الذي تم تشييده في العام 1970، والذوق شُيّد في 1984، وصور شُيّد في 1996، وبعلبك شُيّد في 1996، والحريشة شُيّد في 1996، والزهراني شُيّد في 1998، كذلك دير عمار شُيّد في 1998. وتمت في العام 2017 إضافة ٢٧٠ ميغاواط الى كل من معملي الزوق والجية.
ورغم إضافة الباخرتين "فاطمة غول" و"أورهان بيه"، كمعامل عائمة تعمل على "الفيول اويل" أيضاً، لا تستطيع كل هذه المعامل تأمين حاجة الإستهلاك اللبناني التي تصل إلى نحو 3600 ميغاوات، فيما تنتج المعامل ما لا يزيد عن 1800 ميغاوات؛ بعجز يصل إلى 1800 ميغاوات.
وتواجه المعامل الحرارية اشكاليات كبيرة، ابرزها قدمها وتهالكها، حيث بلغ عمر احداها 50 عاماً، وتستخدم هذه المعامل الفيول الثقيل او الديزل اويل بدل الغاز الطبيعي، ما يرتب كلفة اكبر على الخزينة اللبنانية، وتلوثاً اكبر، ما يضاعف الفاتورة البيئية للبنان. ويعد قطاع الكهرباء من أبرز القطاعات التي ساهمت في إمتصاص إحتياطات البنك المركزي التي توفر العملة الصعبة منذ 15 عاماً بقيمة تخطت الـ30 مليار دولار ودُفعت بدل اكلاف الهدر والخسائر السنوية المتراكمة واكلاف المعامل الجديدة ومحطات وخطوط النقل والاستملاكات، وتسديد ثمن الطاقة المستجرة من سوريا، وكلفة بواخر الانتاج التركية. تقدر الفاتورة النفطية التي تستهلكها مؤسّسة "كهرباء لبنان" بـ 1.7 مليار دولار وفق أرقام المديرية العامة للنفط لكمّيات المشتقات النفطيّة لعام 2018.
ويستورد لبنان نوعين من "الفيول اويل" يُطلق عليهما Grade A وGrade B. ويعد الثاني من نوعية رديئة، كونه أقل جودة ويستخدم في معملي الذوق والجية، ويتسبب بأضرار في المعامل الحديثة، بحسب ما يقول أحد المهندسين العاملين في "كهرباء لبنان" لـ"مهارات نيوز".
امبراطوريات نفطية
لم تخطُ الحكومة اللبنانية خطوة عملياً لترشيد الانفاق المترتّب على استيراد المحروقات لصالح معامل الطاقة الحرارية، منذ توقيع عقد شراء المحروقات مع شركة "سوناطراك" في العام 2005. فالحكومة اللبنانية، مضت في خطة الشراء بعقد من دولة الى دولة في بداية الامر، قبل أن تصدر تعديلات عليه، عبر اضافة عقد هامشي مع وكيل محليّ، ما رتّب على الخزينة انفاقاً اضافياً مرتبطاً بالعمولة والارباح التي جنتها الشركات المستوردة لصالح الدولة اللبنانية. وكان جميع وزراء الطاقة الذين تعاقبوا على الوزارة يقومون بتجديد العقد.
ويقول مصدر قانوني مواكب لملف الطاقة لـ"مهارات نيوز" انه لو لم يتم الكشف عن قضية "الفيول المغشوش" لما لما كانت اثيرت اصلا مسألة شركة البساتنة وZR، ويشير الى ان ثمة بنداً يعطي الحق لـ"سوناطراك" باختيار طرف ثالث يتم من خلاله ارسال الشحنة.
هذا الواقع دفع رسم شبهات حول العقود التي فضحتها شحنة "الفيول" المغشوش في مارس/آذار الماضي، وبدأت عبره تتكشف حكاية خسائر وعمولات، قادت بعض المتابعين الى وصف نتائجها بأنها أثمرت عن وجود "إمبراطوريات نفطية" تهيمن على القطاع، وتجني ارباحاً منه على حساب اللبنانيين.
وتُعد قضية "الفيول اويل" المغشوش واحدة من أبرز القضايا التي شغلت الرأي العام اللبناني. ورغم التعتيم على بنود الاتفاق منذ ابرامه في العام 2005، بدأت بعض التفاصيل تتكشّف مع وصول الباخرة MT Baltic إلى لبنان في مارس/آذار الماضي محملةً بوقود غير مطابق لمواصفات "إيزو"، حتى أن بعض الخبراء وصفها بـ"النفايات النفطية". واللافت أن هذه الشحنة نالت صك براءة من منشآت النفط والمديرية العامة للنفط في وزارة الطاقة، ليتبين أن نتائج الفحوصات المحلية، مغلوطة، وفقا لفحوصات شركة الفحص في دبي (Bureau Veritas).
ووقعت الدولة اللبنانية ممثلة بوزير الطاقة آنذاك محمد فنيش ووافق عليه مجلس الوزراء آنذاك برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، الاتفاق مع شركة "سوناطراك"، ويتضمن العقد بنوداً فضفاضة بحسب ما تكشفه نسخة العقد التي سربها "تلفزيون لبنان" في 8 مايو/أيار الفائت.
ويظهر العقد بوضوح أن الشركة المذكورة هي شركة (أوف شور) تجارية خاصة مسجلة في جزر بريطانيا العذراء، وغالباً ما تلجأ الشركات الى هذه الجزر للتهرب من الضرائب وتبييض الأموال وتعرف هذه الجزر بـ"الجنة الضريبية"؛ مع العلم أنّه من المفترض أنّه عقد مبرم من دولة إلى دولة منذ العام 2005، بحسب ما ذكر في الاعلام عند توقيعه.
وينصّ بند آخر على أنه في حال تبين غشاً في الفيول، تقوم الدولة اللبنانية بتفريغ الشحنة، ومن ثم بعد الوقوف عند حجم الضرر تقوم "سوناطراك" بحسم معين من الفاتورة الخاصة بهذه الشحنة، علماً أن الفيول المغشوش يعني أنه "فيول اويل" grade B وهو لا يصلح للمحركات العكسية، وقد يسبب لها ضرراً بالغاً، والأمر نفسه يشمل معملي الذوق والجية العائمين، اللذين يعملان على المحركات نفسها.
وحملت التعديلات التي طرأت على العقد أسئلة عن الشفافية، وأبرزها هو العقد الهامشي الذي أبرمته "سوناطراك" مع "شركة البساتنة اللبنانية BBA" بهدف تأمين "الفيول اويل" الى لبنان، من دون معرفة كيفية حصول هذا الاتفاق الثنائي ولا أسباب حصوله، وهو عقد يتجدد تلقائياً كل 3 سنوات.
وذكرت قناة "ال بي سي" في أحد التقارير التي بثتها عن قضية "سوناطراك" أنه "عندما حصل خلاف بين شركة البساتنة وإدارة سوناطراك دخلت شركة لبنانية ثانية على الخط ZR energy فاصبح "الفيول اويل" يأتي الى لبنان عبر هذه الشركة وشركة البساتنة مناصفة".