Loading...

القطاع الصناعي بين التعبئة والدولار: إلى الهاوية

 

الاقتصاد المنتج بالارقام

الانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج. عنوان تردد في قانون الموازنة العامة ٢٠٢٠ وفي البيان الوزاري لحكومة الرئيس حسان دياب ومؤخرا في ”الرؤية الصناعية المستقبلية في لبنان“ التي أطلقها وزير الصناعة عماد حب الله في ٢٢ نيسان الفائت.

عنوان وجب تفكيكه لتقييم الى اي مدى تصب السياسات العامة المعتمدة في تحقيقه. صحيح ان موازنة ٢٠٢٠ تضمنت دعم القطاعات المنتجة عبر بعض الاعفاءات الضريبية لصناعات محددة او عبر تضمين بنود الموازنة دعما لفوائد القروض الاستثمارية واعطاء المصانع تحفيزات مالية من قيمة صادراتها الجديدة او الاضافية. الا ان هذه الموازنة لم تتضمن كنفقات استثمارية سوى ٤٩٣ مليار ليرة وذلك بتراجع ٦٦.١ ٪ عن ال ٢٠١٩. اما البيان الوزاري فتحدث عن تشجيع الصادرات ودعم الصناعات المحلية والاهم توسيع مروحة التسهيلات من مصرف لبنان وحضه على ضخ السيولة بالدولار لدعم استيراد المواد الاولية والمعدات الصناعية.

 

كذلك كشفت الرؤية الصناعية التي اطلقها الوزير حب الله عن آلية دعم ستقر قريباً بالتعاون مع مصرف لبنان بقيمة مئتي مليون دولار لمساعدة قطاع الصناعة إضافة إلى 150 مليار ليرة مخصصة لدعم القطاع الصناعي من خطة التحفيز والأمان وبقيمة ألف ومئتي مليار ليرة لتغطية أعباء مواجهة كورونا. طبعا بالاضافة الى عناوين تكررت في البيانات الوزارية والموازنات لدعم الابتكار والتعويل على الصناعات الجديدة لاسيما التكنولوجية.

على عاتق وزارة الصناعة حمل كبير اذا ما ارادت تطبيق رؤيتها. حمل عليها مواجهته بنفقات مقدرة في موازنة ٢٠٢٠ تبلغ ٨.١ مليار ليرة اي بتراجع بنسبة ١٢ ٪ عن موازنة ٢٠١٩. وللتقدير فان النفقات المقدرة لوزارة الثقافة في موازنة ٢٠٢٠ هي ٤٤.٣ مليار ووزارة الاعلام ٤٣.٣ مليار والنفقات المقدرة للمديرية العامة للحبوب والشمندر السكري في الموازنة الملحقة هي ٢٧.٧ مليار ليرة. نفقات وزارة الصناعة هي من الاقل بين الوزارات الاخرى.

                                                                 

 

الصناعة في ظل التعبئة العامة

لم يكن ينقص القطاع الا جائحة الكورونا التي اتت معها إجراءات التعبئة العامة المتبعة فزادت من نسبة الخسائر والبطالة لا سيما في القطاع الصناعي. اذ  أصدر وزير الداخلية محمد فهمي قرارا بإقفال المؤسسات والمصانع بإستئناء مصانع الأدوية والأغذية في ٢٦ آذار.

اليوم بدأت اجراءات التعبئة العامة بالانحسار، لاسيما بناء على مذكرة رقم ٤٦ تاريخ ٢٥ نيسان ٢٠٢٠ التي عدلت فتح واقفال المؤسسات الصناعية والتجارية.

لكن مراجعة القرارات السابقة تعطي مؤشرا عن مدى جدية التعاطي في ملف دعم الاقتصاد المنتج لاسيما قطاع الصناعة.

استنسابية بتطبيق تلك القرارات وعدم وجود رؤية، فضلا عن أزمة السيولة بالدولار تحدث عنها أصحاب المعامل والمصانع نتيجة الضرر اللاحق بهم، علماً بإنه كان بإمكان كُثر فتح أبوابهم والعمل شرط التقيد بإجراءات السلامة العامة. تماماً كما هو الحال في مصانع الأغذية والأدوية.                                                                             

فوفقاُ لكمال حداد، صاحب معمل حدادة أقفل معمله متكبداً خسارة قوية مع تضرر 20 عاملاً يعملون تحت جناحه. فالضرر اللاحق بالقطاع يعود وفقاً لحداد لأزمة السيولة والدولار، وإستيراد المواد الأولية منذ أشهر وأتت إجراءات كورنا لتقضي على ما تبقى من عمل. بحسب حداد، لا أحد ينظر لواقع القطاع الصناعي، وما من هيئات صناعية ستعوض على معاملنا. بالرغم من الأوضاع الإقتصادية الخانقة إلا أنه وبحسب حداد هناك طلب على بعض الصناعات كأبواب الحديد لحماية البيوت والصيدليات من أعمال السرقة، إلا أن المعاناة هي بالدفع بالدولار وعدم توفر السيولة مع المواطنين. ويضحك حداد على فكرة تحويل الإقتصاد الريعي إلى إقتصاد منتج، بالقول "كيف لنا أن نصنع ونحن كنا أمام إقفال قسري لجميع الصناعات وسط غياب الدعم الحكومي أو دعم المصارف عبر القروض؟ في المقابل نحن مجبرون أن نعطي العمال معاشاتهم  كاملة حتى لو الأشغال متوقفة“. ويلفت حداد بأن  بعض البلديات كانت تغض النظر حسب طبيعة العلاقات الشخصية لكي يتمكن التجار من العمل وتأمين قوت يومي لعائلاتهم. الا ان المعايير كانت مزدوجة اذ أن المصانع الكبرى التي نسجت علاقات مع السياسيين هي التي بقيت أبوابها مفتوحة، فلا مخافة لديها من أي ملاحقة قانونية.

                                                                                       

الواقع الصناعي أيضاً يختصره محمود سلمان صاحب معمل مفروشات في صيدا، بأنه "كارثي" نتيجة قرارات التعبئة العامة "غير المجدية"، كون العمال في الأيام العادية يعملون بشكل متباعد أقلة 15 متراً. مضيفاً إلى أن توقف المصانع يؤدي إلى توقف حركة إقتصادية متكاملة من سوق الخشب والدهان والقماش، إضافة إلى منظمي الأعراس الذي يرتبط سوقهم بحركة طلب المفروشات. ويشير سلمان، إلى أنه منذ قرابة الشهرين ونخن ندفع خسارة تقدر بعشرة آلالاف دولار شهرياً، نتيجة دفعنا إيجارات المعمل والكهرباء والمولدات إضافة إلى أجور العمال الذين كانت ترتبط إنتاجيتهم بإجرتهم الأسبوعية، فنضطر إلى دفع جزء بسيط من أجور العمال. إذ يأسف سلمان، لواقع القطاع الصناعي الذي وصل إلى حد البطالة المقنعة، مستغرباً قرارات الحكومة في وقت لم يكن يشكل العمل خطراً صحياً على العمال  في ظل التباعد الإجتماعي الذي يمكن الإلتزام به، على عكس المشهد الذي يكون في السوبر ماركت ومحلات الباتيسري والأفران، حيث تتكدس الناس فوق بعضها البعض. ويقول سلمان بأن فصل الربيع هو إفتتاح موسم الأعمال في قطاع المفروشات، وبأن كثر يشغلون معاملهم محتمين بالواسطات السياسية، وليس بمقدور القوى الأمنية تسطير محاضر ضبط بحقهم.

                                                                             

وكحال كثر لدى  سؤاله عن فكرة تركيز الدولة اللبنانية على ضرورة تحويل الصناعة إلى صناعة منتجة، يستهزئ بالقول، "كيف بدنا ننتج ونحن البرغي نستورده من الخارج، ناهيك عن القطن لصناعة الأقمشة، والخشب".  نحن دولة تعتاش على الكلام ما منقدر ننتج شي ولا نحول القطاع لمنتج".

في المقابل، الوضع مختلف بالنسبة لمصانع الأغذية تماماً كحال معمل مليكو في صيدا لصاحبه إيهاب شمعة الذي زاد لديه الطلب على إنتاج الألبان الأجبان نظراً لمكوث المواطنين في المنازل. ويقول، بأنه يلتزم بإجراءات السلامة العامة والتعقيم، لكن ما من رقابة للبلدية أو القوى الأمنية لمعمله ولمدى التشدد بالإجراءات. إلا أنه يعمم على الموظفين ضرورة إلإلتزام بالوقاية وإتباع ارشادات السلامة العامة. أما المشكلة التي يواجهها هي بالسيارات التي يعتمدها لتوزيع الطلبيات على المحلات لا سيما في المفرد والمجوز، فقد حصر التوزيع في مدة 3 أيام وفقاً لنوع السيارات لديه في المعمل.

تخبط بالقرارات والدولار عقبة اساسية

الإستنسابية بقرار التعبئة العامة وإنتقاده، تحدث عنه وزير الصناعة السابق فادي عبود، إذ أوضح لمهارات نيوز، بأن التخوف هو من التخبط بالقرارات التي أدت إلى ضرب القطاع الصناعي بعد معاناته مع الأزمة المالية والتي أدت إلى شلل في عجلة الإنتاج، منبهاً إلى أن عجلة الإنتاج يجب أن تستمر ويجب أن تراعي القرارات التنسيق مع الوزارات المعنية والمختصين وإيجاد آلية تؤمن السلامة العامة، وفي الوقت نفسه تؤمن إستمرارية المصانع التي توظف آلاف العائلات. وقال عبود بأن القرارات أتت متسرعة من دون إستشارة الوزير المختص ولا تأخذ في عين الإعتبار ما تستلزمه المرحلة للحفاظ على استمرارية القطاع. فقرار الإقفال عند الساعة الخامسة لبعض الصناعات التي تضطر إلى وقف آلاتها ولإعادة تشغيلها في اليوم التالي يؤدي إلى خفض القدرة الإنتاجية بنسبة 30 %. وتحدث عبود أن القرارات المتخذة تفتح باب الإستنسابية ما يدفع إلى فتح باب الرشوة وهذا ما عمده اليه كثر عبر القبول بدفع ضبط مقابل بقاء المعامل مفتوحة لكي لا يتكبدوا خسائر متزايدة جراء الإقفال.

                                                          

وفي خطط النهوض في القطاع الصناعي، أشار عبود إلى أن المطلوب هو إعفاء الصناعيين من الرسوم والضرائب كافة. وللإنتقال من الإقتصاد الريعي إلى الإنتاجي يجب دعم أنواع صناعات عدة سهلة منها تدوير نفايات وإنشاء مصانع لإعادة إنتاج النفايات، إضافة إلى دعم مصانع المجوهرات، وتسهيل الصناعة الميكانيكية، وتفعيل سوق صناعة الغذاء والإستفادة من غنى المطبخ اللبناني من أجل تصديره إلى الخارج. إضافة إلى توجيه المزراعين إلى الزراعات البديلة المنتجة كالزعفران والأفوكادو. كما يمكن للدولة أن تسعى لخلق معارض للصناعيين في الخارج لتصريف إنتاجهم.

الرؤية الصناعية المستقبلية

الخطة التي أطلقها وزير الصناعة هي  متوسطة وطويلة الأمد  وهي تقارب الواقع الحالي، على ما يقول رئيس المجلس الإقتصادي والإجتماعي شارل عربيد في حديث لمهارات نيوز. وأهم الاقتراحات موضوع تحرير القروض، لتسيير تحرير إستيراد المواد الأولية، من أجل إعادة عجلة الإنتاج بشكل تدريجي. كذلك ان سعي الحكومة إلى تحفيف حدة إجراءات الحجر الصحي من ضمن  خطة صحية شاملة مهم جدا، لا سيما أن إقتصادنا قائم على الإستهلاك إذ يجب إعادة حركة الأسواق والمطاعم، لتحريك العجلة الإقتصادية، لكن مع  إلتزام الشرط الصحي والإنضباط من قبل الأفراد.

                                                      

ويلفت عربيد إلى أن الطلب الأساسي للنهوض بالقطاع الصناعي هو تخفيض الفوائد المدينة على قروض القطاعات الصناعية الإنتاجية من 5 و7% إلى نسبة 1 % و 2%. متسائلاً، كيف للمصانع التي بقيت مقفلة أن تدفع القروض بفوائد عالية وهي  كانت متوقفة عن العمل في ظل إجراءات التعبئة. ويأمل عربيد أن يتجاوب مصرف لبنان مع هذا الطلب. ولا يخفي عربيد خوفه من إلغاء تعميم مصرف لبنان أو عدم إستفادة القطاع الصناعي بسبب إرتباط الشق المالي بواقع الأزمة النقدية في لبنان والسعر المتنقل للدولار. فبرأيه، إذا لم تنتظم منظومة الدفع سيكون كل شيء غير قابل للتنفيذ سريعاً.

TAG : ,الاقتصاد اللبناني ,الدولار ,القطاع الصناعي ,التعبئة العامة