صحيح
تتسارع الخطوات مؤخّرا في ملف دخول خدمة ستارلينك للإنترنت إلى لبنان، إذ اجتمع وزير الاتصالات شارل الحاج في مكتبه بالوزارة بتاريخ 29 ايار 2025 مع المدير العالمي لترخيص خدمات الشركة سام تورير، لاستكمال الجهود المبذولة لانضمام لبنان إلى شبكة الدول التي تتوافر فيها خدمات "ستارلينك".
وقد أكّد الحاج في العديد من التصاريح أن الاتفاق المرتقب سيساهم في تحسين خدمة الانترنت وزيادة دخل الدولة وأن خيار ستارلينك هو خيار استثماري يفتح الباب أمام تطوير البنية التحتية الرقمية في لبنان.
وسط هذه التصريحات، ومع تأكيد الحاج للشركة أنّه سيوصل الملف إلى مجلس الوزراء لبحثه، تم تداول الكثير من المعلومات حول البعد القانوني لآلية إعطاء الترخيص ونوعه وعن حاجة الترخيص لشركة ستارلينك إلى قانون في مجلس النواب نظرا لطبيعة الخدمة التي تقدّمها، خصوصا في ظلّ الفوضى الحاصلة في قطاع الانترنت في لبنان مع غياب الهيئة الناظمة للاتصالات.
فهل يحتاج ترخيص ستارلينك في لبنان إلى قانون في مجلس النواب؟
تعتبر ستارلينك مزوّد خدمة إنترنت (ISP) عبر الأقمار الصناعية تديرها شركة space x المملوكة من رجل الأعمال ايلون ماسك، وهي توفّر خدمة انترنت سريعة تربط المشتركين مباشرة بالأقمار الصناعية.
وكان قد بدأ الحديث عن ادخال خدمة ستارلينك الى لبنان مع اندلاع الحرب مع اسرائيل بحجّة الطوارئ عبر استقدام 150 جهاز ستارلينك بشكل استثنائي، وكانت قد تحقّقت "مهارات نيوز" حينها من قانونية إعطاء ترخيص استثنائي بحجة الطوارئ.
أما اليوم فقد عاد الملف الى الواجهة، إذ يسرع وزير الاتصالات شارل الحاج بتحضير الأرضية القانونية اللازمة لادخال خدمة ستارلينك إلى لبنان، من هنا طرحت على بعض وسائل الإعلام الكثير من التساؤلات حول قانونية اعطاء ترخيص لستارلينك من دون اقرار قانون في مجلس النواب.
ستارلينك: كسر حصرية أوجيرو تحتاج إلى قانون
تحتكر الدولة اللبنانية خدمة الإنترنت من خلال هيئة "أوجيرو"، التي تُعد الجهة الوحيدة المسؤولة عن استيراد الإنترنت من الخارج وتوزيعه داخل البلاد. فهي المزوّد الحصري للمشتركين، سواء من الأفراد أو المؤسسات، كما تزود شركتي الاتصالات الخلوية "تاتش" و"ألفا" (mic1 وmic2) بالخدمة. كذلك، تتمتع أوجيرو بحق حصري في بيع الإنترنت لشركات البث الخاصة عبر الهوائيات.
وفي التعريف على موقع أوجيرو، تعتبر أوجيرو، اليد التنفيذية لوزارة الاتصالات، وتشكّل البنية التحتية الأساسية لجميع شبكات الاتصالات بما في ذلك مشغلي شبكات الهاتف المحمول موبايل، ومقدمي خدمات البيانات (DSP)، ومقدمي خدمات الإنترنت (ISP) وغيرها.
أي أنّ الدولة اللبنانية تمتلك حصرية استجرار السعات الدولية من الانترنت عبر وزارة الاتصالات وبالتالي عبر أوجيرو.
أما ستارلينك وكونها تقدّم خدمة انترنت (ISP) عبر الأقمار الصناعية فهي لن تستخدم الانترنت القادم عبر الخطوط البحرية المستثمرة من الدولة اللبنانية ممثلة بأوجيرو بل ستقوم باستيراد الانترنت الخاص فيها عبر الأقمار الصناعية.
في هذا الإطار، يقول النائب ياسين ياسين في مقابلة لـ"مهارات نيوز" إنّ الترخيص لستارلينك يحتاج إلى قانون في مجلس النواب، اذ هناك مراسيم تشريعية كالمرسوم 126/1959 والمرسوم التنظيمي رقم 9288/1996 الذي يتحدّث عن حصرية الدولة باستيراد الانترنت أي حصرية أوجيرو باستقدام الانترنت".
ويقول خبير في هذا الملف (فضّل عدم ذكر إسمه) أنّ مسألة ستارلينك تنقسم إلى شقيّن، الشق الأوّل هو أن ستارلينك ستستورد انترنت خارج الأطر القانونية التي تحصر استيراد السعات الدولية بالدولة وبالتالي بأوجيرو، وبالتالي لكسر حصرية أوجيرو نحتاج إلى قانون، أما الشق الثاني فهو بعد إقرار القانون، إذ حينها يتمّ العودة إلى الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات لتعطي ستارلينك الترخيص المطلوب عبر مرسوم في مجلس الوزراء".
أما عن الفرق ما بين ستارلينك وما بين شركتي الاتصالات في لبنان mtc و alfa وكل مقدّمي خدمة الانترنت في لبنان، يقول الخبير أن كل مقدّمي الانترنت في لبنان كشركات الخليوي أو idm أو terranet، وحتى الموزعين غير الشرعيين في الأحياء، يستعملون الانترنت من مصدر واحد وهو أوجيرو أي الدولة اللبنانية، أما ستارلينك فله مصدره الخاص من الأقمار الصناعية وهو ما يوجب إقرار قانون".
ترخيص ستارلينك: مخالفة قانونية أخرى من دون تفعيل الهيئة الناظمة
إذا وبالنظر للمسار القانوني لترخيص ستارلينك في لبنان، يجب أولا إقرار قانون خاص لستارلينك في مجلس النواب، من بعدها يتمّ إعطاءها الترخيص من قبل الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات حصرا، إذ تنصّ المادة 19 من قانون الاتصالات 431 على أنّ التراخيص التي تعطيها الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات لمقدّمي خدمات الانترنت تكون عبر مرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير وبعد إجراء مزايدة عالمية عامة ووفقا لدفتر شروط تعده الهيئة.
ولكن في المقابل وإلى اليوم، لا تعيين لهيئة ناظمة لقطاع الاتصالات في لبنان بعد أكثر من 13 سنة على غيابها، والتي من المفترض أن تتولّى الكثير من المهام المنصوص عليها قانونا بهدف تنظيم الفوضى الحاصلة في قطاع الاتصالات، ومن ضمن مهامها تنظيم التلزيمات وإصدار التراخيص والاشراف على حسن تنفيذها ومراقبتها وتعديلها وفرض التقيد بها وتعليق العمل بها وسحبها.
وكان قد عبّر وزير الاتصالات على أهمية تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات بهدف تنظيم القطاع وحماية التنافسية لتقديم أفضل خدمة وحماية المستهلكين. وبالعودة إلى موقع وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، فقد تم فتح باب تقديم الطلبات لمنصب رئيس الهيئة الناظمة ولـ4 أعضاء، وأقفل باب التقديم في 21 نيسان 2025 ولكن إلى الأن لم يتم تعيينها والإعلان عنها.
في هذا الإطار، يقول النائب ياسين ياسين في مقابلة لـ"مهارات نيوز" إنّه "من الضروري اليوم قبل أي شيء، تفعيل الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات، إذ إنّ إعطاء الترخيص لستارلينك من دون وجود هيئة مخالف للمراسيم الاشتراعية إذ تتعارض ستارلينك مع حصرية الدولة باستجرار الانترنت وهو الحق المنصوص عنه في قانون الاتصالات".
وفي تفاصيل آلية عمل ستارلينك وحاجتها للترخيص، يقول الخبير إنّ ستارلينك تستعمل الترددات ما بين الأرض والفضاء نظرا لكونها تزوّد المشتركين بالانترنت عبر الأقمار الصناعية، إذا هي تستعمل ترددات هوائية، وهو ما يتطلب ترخيصا من الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات".
وهنا يشير قانون الاتصالات في المادة 15 منه، إلى أنّ " الترددات اللاسلكية ممتلكات عامة لا يجوز بيعها ويخضع تأجيرها أو الترخيص باستخدامها لأحكام هذا القانون. تتمتع الهيئة بسلطة حصرية لإدارة هذه الترددات وتوزيعها ومراقبة استخدامها".
المنافسة غائبة
من ناحية أخرى، تشترط المادة 19 من قانون الاتصالات أن يتمّ إجراء مزايدة عالمية وفق دفتر شروط تعدّه الهيئة.
وتتولّى الهيئة بالعودة إلى المادة 20 من القانون "وضع أصول تقديم طلبات الترخيص ومراجعتها. وعليها أن تمنح الترخيص لأي شخص أو مجموعة من الأشخاص تتوافر فيهم المؤهلات والمواصفات المطلوبة. وفي حال تعذر قبول الطلبات المقدمة كافة، تراعي الهيئة في طريقة الإختيار بينها مقومات الشفافية والتنافسية ولها أن تختار وفق معايير تقرر الهيئة إعتمادها على أن تكون هذه المعايير معروفة من الجميع وأن توضع الطلبات في متناول الجمهور لمراجعتها".
بالإضافة إلى ذلك تتولّى الهيئة من ضمن مهامها المنصوص عنها في المادة 5 من القانون حماية مبدأ المنافسة، أي أنّ الترخيص لستارلينك من دون تشكيل الهيئة وفتح باب المزايدات وفقا لدفتر شروط تحدّده الهيئة بما يتوافق مع ما نصّ عليه قانون الاتصالات يعتبر أيضا مخالفة قانونية، ويضيّع على لبنان فرصة التنافس في قطاع الاتصالات لتقديم أفضل خدمة بأفضل سعر.
بيانات المشتركين: ضرورة حماية السيادة الرقمية
تعتمد خدمة ستارلينك على وصل المستخدم مباشرة بالأقمار الصناعية، ما يعني أن الشركة ستستحوذ على كمية كبيرة من الداتا خارج سيطرة الدولة، الأمر الذي قد يشكّل خطرا على مبدأ السيادة المنصوص في الدستور اللبناني.
وفي مقابلة سابقة لـ"مهارات نيوز"، أشار مدير المحتوى الرقمي في مؤسسة "سمكس" عبد قطايا إلى أنّ مع امتلاك "ستارلينك" لهذا الكم الكبير من الداتا والبيانات، لا قدرة لمعرفة كيف سيتمّ استخدامها، لذا من المهم النظر إلى مصير هذه الداتا وكيف سيتمّ استخدامها، وما إذا كانت الدولة تستطيع طلب هذه البيانات".
في هذا السياق، يقول النائب ياسين ياسين إنّ "بيانات المشتركين ستكون في دولة أخرى، لذا يجب حماية أصول الدولة اللبنانية وسيادتها الرقمية، من هنا وجوب وجود هيئة ناظمة لقطاع الاتصالات ليتم الترخيص بشكل قانوني وبشكل يحدّد فيه تكلفة الرخصة، لذا يجب اليوم تحديد الأولويات بتطوير قانون الاتصالات وتعيين هيئة ناظمة لقطاع الاتصالات بما يخدم منطق الحوكمة وإصلاح القطاع بظلّ الفوضى الحاصلة".
إذا، ما يتم تداوله صحيح، إذ إن ترخيص خدمات ستارلينك يحتاج إلى قانون في مجلس النواب، فالدولة اللبنانية عبر هيئة أوجيرو تمتلك حصرية استيراد الانترنت من الخارج وتوزيعها، عكس ستارلينك التي تملك مصدرها الخاص من الانترنت عبر الأقمار الصناعية الأمر الذي يكسر حصرية الدولة وبالتالي يحتاج أولا إلى قانون صادر عن مجلس النواب ثم يحتاج إلى تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات لتعطي ستارلينك ترخيصا بموجب مرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء.