Loading...

تعيين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد... "حجر أساس" لمسار طويل

 

 

لبنان بين الدول في ذيل قائمة البلدان التي يستشري فيها الفساد. هذا ما ذكره مؤشر مدركات الفساد للعام 2021  الصادر عن منظمة الشفافية العالمية والذي يعتمد في قياسه على مؤشرات عدة من سلوكيات مرتبطة بالفساد واختلاس المال العام وبيانات وآليات موضوعة لمكافحة الفساد وقدرة الحكومة على تطبيق هذه الآليات. فقد تراجع لبنان ب٦ نقاط منذ العام ٢٠١٢ بحصولة على درجة ٢٤/١٠٠ وحلوله بمرتبة ١٥٤/١٨٠ وهي أدنى درجة يحققها لبنان على المؤشر تاريخيا.

فهل ينتشل القرار المستجد لمجلس الوزراء بتعيين اعضاء هيئة مكافحة الفساد لبنان من مرتبته المتدنية وما مدى جدية قرار تعيين الهيئة وهل ارتبط برصد ميزانية لها وما المطلوب لكي لا تكون هيئة شكلية كالكثير من الهيئات الوطنية؟

 

قرّر مجلس الوزراء في 24 كانون الثاني2022 تعيين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. ويعتبر انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد المظلة والإطار القانوني في سلة التشريعات لمكافحة الفساد، اذ يرتبط دورها بإستكمال تطبيق عدة قوانين مثل حق الوصول الى المعلومات وحماية كاشفي الفساد والاثراء غير المشروع، وقانون الشراء العام.

ويعرّف قانون الهيئة الفساد على أنه كل استغلال للسلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، وكل فعل يؤدي الى التماس او عرض او قبول منفعة غير متوجبة، من شأنه التأثير في السير الطبيعي للوظيفة او للخدمة العامة، وكل فعل يفضي الى زعزعة الثقة بمسار القطاع العام وبشفافية القيمين عليه. 

لكن الأهم اليوم هو الإطار العملي للهيئة في المرحلة القادمة، خصوصا وأن العديد من الهيئات المستقلّة أصبحت هيئات "شكليّة" لسبب او لآخر مثل تجربة الهيئة الوطنية لحقوق الانسان، والتي حرمت من الحصول على موازنة لها، مما عطل عملها خلال الفترة الماضية.

 

مسار تشكيل الهيئة

في الخامس من أيار 2020، صوّت البرلمان على النسخة الثانية لقانون مكافحة الفساد وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عبر انتخاب الاعضاء وليس تعيينهم، بعدما ردّ رئيس الجمهورية ميشال عون النسخة الأولى منه معللًا ذلك بـ12 سببا، منها رفضه انتخاب القاضيين من أصل الأعضاء الستة للجنة، ومطالبته بتعيينهم. 

ووفق القانون، يبدأ العمل بتنفيذه بعد نشره في الجريدة الرسمية أي خلال ثلاثة أشهر يتعيّن خلالها على الجهات المعنية طرح الأسماء وانتخاب القاضيين. وعليه، أعلن مجلس القضاء الأعلى سابقا إجراء الانتخابات في الرابع عشر من آب 2020.

وجراء الظروف القاهرة التي مرّت بها البلاد، أبرزها انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب أي قبل 10 أيام من البدء بتنفيذ القانون لناحية ترشيح القضاة، ثمّ استقالة الحكومة وتحوّلها إلى تصريف الأعمال، عدا عن تفشي كوفيد-19 على نطاقٍ واسع، توقفت عملية تشكيل الهيئة.

البطء التشريعي أمر يعاني منه لبنان وفق النائب السابق غسان مخيبر في حديث لـ"مهارات نيوز والامر ينطبق على هذا القانون اذ ليس من أولويات أي من القوى السياسية الغارقة في الفساد وفي هدر المال العام على مدار سنوات.

وعند السؤال عن ما الذي دفع السلطة الحاكمة بشكل عام والحكومة بشكل خاص للموافقة على إنشاء الهيئة، يؤكّد ممثل المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية في لبنان أندريه سليمان لـ"مهارات نيوز" أن مسألة إنشاء الهيئة ليست مطلبا دوليا بل هي مطلب لبناني بحت عكس ما أشيع في الإعلام، لكن الضغط الدولي كان مساهما أساسيا في مسار إقرار القانون وتنفيذه.

وفي هذا الإطار يقول مخيبر إنّ أحد أسباب إنشاء الهيئة إلى جانب العمل المكثف منذ سنوات هو حاجة رجال السلطة لتلميع صورتهم امام المجتمع الدولي وبذلك تم الضغط اكثر لتعيين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. لا شك ان عمل المجتمع المحلي على الملف عن كثب بالتعاون مع المجتمع الدولي والأمم المتّحدة شكّل ضغطا كبيرا أدّى إلى إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في 24 كانون الثاني 2022.

 

الاستقلالية شرط لنجاح الهيئة 

تتألف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من 6 أعضاء بمن فيهم الرئيس ونائب الرئيس هم:

- قاضيان متقاعدان بمنصب الشرف، يتم انتخابهما وفق الأصول التي ترعى انتخاب أعضاء مجلس القضاء الأعلى، على أن تتألف الهيئة الناخبة من مجمل القضاة الأصيلين في القضاء العدلي والإداري والـمالي، وعلى أن تتم الدعوة والإشراف على الانتخابات من قبل القاضي الأعلى درجة من بين رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس شورى الدولة ورئيس ديوان الـمحاسبة.

- محامٍ أو حقوقي يرشح اثنين منهم مجلس نقابة المحامين في بيروت واثنين مجلس نقابة المحامين في طرابلس.

- خبير محاسبة من بين ثلاثة أسماء يرشحهم مجلس نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان.

- خبير في الأمور المصرفية أو الاقتصادية  من بين ثلاثة أسماء ترّشحهم هيئة الرقابة على المصارف.

- خبير في شؤون الإدارة العامة أو المالية العامة أو مكافحة الفساد من بين ثلاثة أسماء يرشحهم وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية.

وقد أتت التسميات من مجلس الوزراء على الشكل التالي : القاضي الرئيس كلود كرم رئيسا، المحامي الأستاذ فواز كبارة نائبا للرئيس، القاضية تريز علاوي، علي بدران، جو معلوف وكليب كليب أعضاء.

يطرح الرأي العام اللبناني الكثير من الأسئلة والشكوك، فالهيئة في نهاية المطاف جزء من أجهزة الدولة التي يتغلغل فيها التحاصص الطائفي والحزبي ما يجعلها هيئات شكليّة.

ويشير مخيبر إلى أن القانون ضيّق القدرة على التحاصص بترشيح عدة مرشّحين لكل منصب مع عدم القدرة على استلام العضو الذي يتم تعيينه أي منصب عام بعد انتهاء ولايته ما يمنع الوعود السياسية بمناصب مستقبليّة، وأيضا كون كل المرشّحين اختصاصيين وفقا لما تحتاجه الهيئة في عملها، رغم ذلك يجب أن تبقى الهيئة تحت مجهر رقابة الناس وجمعيات المجتمع المدني.

 

ميزانية الهيئة في مشروع الموازنة العامة ٢٠٢٢

توكل لهذه الهيئة العديد من المهام وفقا لأحكام المادة 18 من القانون منها استقصاء جرائم الفساد ورصد وضع الفساد وكلفته وأسبابه وجهود مكافحته والوقاية منه ونشر ثقافة مكافحة الفساد وابداء الرأي بالقرارات المرتبطة بذلك اضافة الى استلام الشكاوى الـمتعلقة بعدم تطبيق قانون الحق في الوصول الى الـمعلومات والتحقيق فيها واصدار قرارات بشأنها وحماية كاشفي الفساد وتحفيزهم وفق أحكام قانون حماية كاشفي الفساد، كما تلقي التصاريح عن الذمة المالية. 

ووفق الفصل الرابع من قانون حماية كاشفي الفساد، تستطيع الهيئة ضمن صلاحياتها تحفيز كاشفي الفساد ماديا بنسبة 5% كحد أقصى من الأموال المستردّة إلى مؤسسات الدولة.

ان تعيين الهيئة خطوة اساسية الا انها لا تنجح فقط بتعيين أعضائها بل تحتاج الى مراقبين واخصائيين في الاستقصاء وموظفين، فمكافحة الفساد لا تقتصر على 6 أشخاص بل على فريق عمل كبير يحب ان يساعد الهيئة في عملها.

وقد رصدت الحكومة فعلا  في المادة 123 من مشروع الموازنة العامة ٢٠٢٢ موازنة خاصة للهيئة تكون كافية لتغطية مصاريفها ونشاطاتها، إضافة إلى فتح حساب خاص لها لدى مصرف لبنان على أن يتولّى رئيس الهيئة عقد نفقاتها وفقا لأصول قانون المحاسبة العمومية والقوانين المرعيّة الإجراء.

 

المجتمع المدني شريك في الرقابة وتعزيز المحاسبة

يشير دكتور أندريه سليمان إلى أنّ اهمية الهيئة هي القدرة على تطبيق مهامها عبر حدوث حالات محاسبة واسعة وعبر رقابة فاعلة على تطبيق القوانين المرتبطة بها مثل قانون الحق في الوصول الى المعلومات. فإنشاء الهيئة خطوة مهمة لكن يجب ارفاقها بالتنفيذ ويجب على المجتمع المدني مراقبتها لتعزيز عملها. ويضيف مخيبر انه لتعزيز عمل الهيئة يجب أن تخضع  لرقابة الناس والمجتمع المدني والدولي للإضاءة على الثغرات في حال وجودها وتعزيز عملها في مكافحة الفساد البنيوي، فإن هذه الهيئة حجر أساس في رحلة مكافحة الفساد ولكنها ليست الأداة الوحيدة التي ستستطيع انتشال لبنان من أزمة نظامه.

 

إذا شكّل إقرار قانون مكافحة الفساد في عام 2020 خطوة في مواجهة الفساد، وشكّل تعيين الهيئة في 24 كانون الثاني 2022 خطوة أخرى، والمطلوب اليوم استكمال هذا المسار من خلال السعي إلى تنفيذ القوانين المقرّة ومراقبة حسن عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وسائر الهيئات الرقابية من قبل الرأي العام والمجتمع المدني لانتشال لبنان من ذيل قائمة البلدان الفاسدة.

 

TAG : ,الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ,مجلس الوزراء ,الموازنة ,المجتمع المدني ,الفساد ,الرقابة