Loading...
true

صحيح

مصرف لبنان 1
هل يُعتبر فعلًا رقم ٧ مليارات دولار في حساب الخزينة مبالغ فيه؟
25/06/2025

يتمّ خلال الأيام الماضية توجيه انتقادات من أطراف عدة سواء على مواقع التواصل الإجتماعي أو في المواقع الإخبارية إلى الحكومة اللبنانية باستمرارها بالتقشف وفرض ضرائب متزايدة على المحروقات، في حين أن خزينة الدولة تمتلك ما يزيد عن 7 مليارات دولار في الحساب 36 كفائض متراكم عن السنوات الماضية.

 

الأمر الذي استدعى ردّا من وزير المالية ياسين جابر على القضية عبر حديثه في هذا الإطار إلى جريدة الأخبار، حيث أكد أن "المعلومات التي تأتيه عن أن ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان بلغت 7 مليارات دولار غير صحيحة، لكنه لا يعرف لماذا ينشر مصرف لبنان هذه الأرقام على موقعه الإلكتروني، فالرقم كبير جداً ورغم ذلك هو موجود وليس محصوراً بحساب الخزينة المعروف بـ"حساب الـ36"، بل يضاف إليه حسابات المؤسّسات العامة".

 

هل يُعتبر فعلاً رقم ٧ مليارات دولار في حساب الخزينة مبالغ فيه؟

على الرغم من أن الرقم "36" نفسه قد لا يُذكر مباشرة في قانون النقد والتسليف كرقم حساب صريح، إلا أن هذا الحساب، يُحدده مصرف لبنان بتعميم تنظيمي، استنادًا إلى صلاحياته المنصوص عليها في قانون النقد والتسليف (خصوصاً المواد بين 70 و 174). ويُشار إليه في تعاميم مصرف لبنان، مثل التعميم الأساسي رقم 158 وغيره، كحساب مرجعي للمصارف لتجميد أو إدارة أموال معينة.

 

ينص قانون النقد والتسليف اللبناني (مرسوم رقم 13513 بتاريخ 1/8/1963) على أن الخزينة العامة للدولة هي الجهة الوحيدة المخولة بفتح الحسابات لدى مصرف لبنان. وهذا يعني أن كل الإيرادات الحكومية يجب أن تصل إلى الحساب الرسمي رقم 36، المعروف بحساب الخزينة العامة. لكن القانون رقم 49/87 (تعديل 1987) أجاز لبعض الوزارات والمؤسسات العامة والبلديات فتح حسابات مستقلة خاصة بها في مصرف لبنان، بالرغم من أن ذلك يتعارض مع أحكام قانون النقد والتسليف الأصلي.

 

في السياق تشرح مسؤولة قسم الإقتصاد في المدن عزة الحاج حسن، في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، عن حساب الخزينة الذي يُعرف بالحساب رقم 36 الموجود في مصرف لبنان الذي من المفترض وفق قانوني المحاسبة العمومية و النقد والتسليف أن تصب فيه كل مداخيل الدولة بدون أي إستثناء سواء كانت جباية أم أرباح أم مساعدات منح.

 

وتضيف أنه من حيث المبدأ، يفترض على كل مؤسسة تتمتع بشخصية معنوية وذات صفة عمومية أن تُدخل أرباحها والناتج من أموالها الحساب 36. ولكن حصلت على مدار السنوات وعلى مدار الحكومات الكثير من المخالفات، إذ أجازت بعض الاستثناءات القانونية أو المراسيم لمؤسسات وإدارات عامة وبلديات إنشاء حسابات منفصلة رديفة إلى جانب الحساب 36 في مصرف لبنان، وهي مخالفة وتشتت المال العام. كما ويحق لهذه المؤسسات التي أجيز لها إنشاء حسابات رديفة تحريك حساباتها، وإذا حصلت مثلاً على منح ولم تصرّح عنها لا تستطيع وزارة المالية أن تعلم بها، ما يؤدي إلى عدم شفافية وعدم دقة بإحتساب الإيرادات العامة وبالتالي عدم دقة بإعداد الموازنات العامة. 

 

وتخلص الحاج حسن إلى أنه بناءً على ما تقدّم، "لا يمكن أن نعلم أن الإيرادات المذكورة في الموازنة العامة هي إيرادات دقيقة إذا كان الحساب 36 لا يمثّل كل إيرادات الدولة، ما يعني أنه يوجد إيرادات خارجية أيضاً". 

 

الباحث في الشؤون الاقتصادية والمصرفية، محمد فحيلي  يقول في المقابل، في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، "أن كل مكون من مكونات القطاع العام لديه إيرادات لديه حساب لدى مصرف لبنان، حتى أن المصارف التجارية أحياناً تجمع إيرادات لصالح مؤسسات عامة وتقوم بإرسالها إلى حساباتهم في مصرف لبنان". 

 

وبالتالي بالمفهوم العام، الإيرادات التي يتم الإحتفاظ بها في حساب لدى مصرف لبنان، هي كل مكونات القطاع العام أو مجموعة من المؤسسات التي لديها إيرادات، على سبيل المثال الدولة لديها إيرادات ضريبية، شركة كهرباء لبنان لديها إيرادات تأتيها من تسويق الكهرباء، وشركات أخرى لديها إيراداتها. 

 

وفي حديثٍ إلى معهد باسل فليحان المالي والإقتصادي، يتبيّن أن الرقم المتداول 7 مليارات دولار لا يعكس الحساب 36 بالكامل لأن الحساب يتضمن فقط حساب خزينة الدولة ما يعني حسابات الوزارات والإدارات العامة وبينها حركة دخول الإيرادات وخروجها من حسابات الوزارات والإدارات العامة. وفيما يحق للمؤسسات العامة فتح حسابات خاصة بها لدى مصرف لبنان والبعض منها لديها حسابات خاصة في مصارف تجارية بغض النظر عن قانونية الأمر، فإن خزينة الدولة لا تستطيع التحكم بالـ 7 مليارات لأن المبالغ الخاصة بالمؤسسات العامة كونها تتمتع باستقلالية مالية وإدارية ليس من صلاحية خزينة الدولة التصرف فيها.  

 

ووفق المعهد المالي، فإن وزير المالية ياسين جابر محق بإعتبار أن مبلغ الـ 7 مليارات لا يعكس مالية الدولة بالكامل ولذلك أصدر مجلس الوزراء قرارا ألزم به المؤسسات العامة بما فيهم البلديات، المستشفيات الحكومية، مصالح المياه والكهرباء أي جميع المؤسسات العامة أن ترسل للخزينة شهرياً كشف حساب عن حساباتها لدى مصرف لبنان وبهذه الطريقة يمكن للخزينة إحصاء الأموال خارج الحساب 36 للحصول على صورة أشمل. ولكن كون العينة كبيرة من الطبيعي أن التجاوب لن يكون 100%. 

 

ويوصي المعهد المالي، بأن حلّ هذه المشاكل يمكن أن يتحقق من خلال تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي بإنشاء ما يُعرف بـ Treasury Single Account، أي حساب واحد لخزينة الدولة يتضمن حسابات الإدارات والمؤسسات يعني جميع الأموال التي تدخل إلى الدولة وتخرج منها في حساب واحد وبذلك يكون لدى الخزينة صورة شاملة عن مالية الدولة. ولكن هذا الأمر يتطلب تعديل القوانين الراهنة وتحديداً القانون الذي يقول أن المؤسسات العامة تتمتع باستقلال مالي وإداري وإمكانية فتح حسابات لدى مصرف لبنان أو في مصارف تجارية. 

 

إذاً، إن الإشكالية المطروحة صحيحة، فإن إمتلاك الدولة اللبنانية 7 مليارات دولار في حساب الخزينة المعروف بـ" الحساب 36" رقم مبالغ فيه، إذ لا يمكن معرفة مدى دقّة الإيرادات المذكورة في الموازنة العامة إذا كان الحساب 36 لا يمثّل كل إيرادات الدولة، ما يعني أنه يوجد إيرادات خارجية أيضاً.