في خضم الحرب وتداعياتها المتشعبة، برزت معاناة الفئات الأكثر ضعفاً، التي وجدت نفسها في مواجهة مزدوجة. من جهة، تصاعدت الاشتباكات العسكرية مهددةً حياة الجميع، ومن جهة أخرى، تُركت العاملات الأجنبيات بلا سند، يكابدن مصيراً مجهولاً في العراء، بلا مأوى ولا حماية.
وسط تصاعد الضربات الإسرائيلية واتساع رقعة القصف، كان الإعلام منشغلاً بتغطية التطورات السياسية والعسكرية التي تصدرت المشهد. وكشفت مراجعة لنشرات الأخبار والتقارير التي بثّتها القنوات اللبنانية عن ثغرات واضحة في التغطية الإعلامية، خاصة فيما يتعلق بالفئات الهشة التي غالباُ ما تُهمّش في أوقات الأزمات.
لا يمكن إنكار الدور المتنامي لمنصات التواصل الإجتماعي التي فرضت واقعاً إعلامياً جديداً، حيث انتشرت صور وفيديوهات توثّق معاناة العاملات الأجنبيات بشكل واسع، ما أجبر الإعلام التقليدي على التفاعل مع القضية، وإن كان بوتيرة متواضعة. فقد وثّقت هذه المنصات مشاهد لعاملات تُركن تحت المطر، وأخريات اعتصمن أمام المراكز المعنية مطالبات بالترحيل أو بسكن آمن بعد أن تخلى عنهن وكلاؤهن.
وفقًا لـ "المنظمة الدولية للهجرة" (IOM)، "كان يقيم في لبنان قبل الأزمة أكثر من 175ألف مهاجر ينتمون إلى 98 جنسية مختلفة، وكانت الجالية الأثيوبية هي الأكبر (38 في المئة) يليها البنغلادشية (21 في المئة) ومن ثم السودانية (9 في المئة) والفلبينية (7 في المئة) والمصرية (6 في المئة). وكانت العاملات المنزليات تُشكّل النسبة الكبرى من المهاجرين حيث يتجاوز عددهن 70 في المئة من إجمالي المهاجرين.
رغم الجهود الفردية لبعض الصحافيين والمؤسسات الإعلامية في تسليط الضوء على معاناة العاملات الأجنبيات خلال الحرب في لبنان، إلا أن التغطية بقيت قاصرة وغير متوازنة. وهذا ما يجعلنا نتساءل هل تقتصر التغطية على نقل المعاناة فقط، أو تمتد إلى تحليل السياسات المتبعة واقتراح حلول واقعية؟
عمّال مهاجرون أفارقة نازحون في مستودع تم تحويله إلى مأوى ، لإيواء العمّال الذين فرّوا من القصف الإسرائيلي في جنوب لبنان، وذلك في الضواحي الشرقية لبيروت في 21 أكتوبر 2024- أ ف ب
تحديات قاسية
تؤكد المنظمة الدولية للهجرة في حديثها لـ"النهار"، أنه مع تصاعد النزاع في لبنان، واجه العمال المهاجرون المتضررون تحديات قاسية، شملت الحرمان من الإحتياجات الأساسية، ومشكلات الصحة النفسية، وارتفاع مخاطر الاستغلال وسوء المعاملة. وتعرض العديد منهم، لا سيما العاملات المنزليات، للتخلي عنهن في مناطق غير آمنة خلال النزاع، غالباً دون أي أموال أو وثائق أو دعم. وفي بعض الحالات، طالب أرباب العمل بعودتهن لاحقاً، مما زاد من معاناتهن.
كما كشفت التقارير عن حالات استغلال، من بينها ظهور ما يُعرف بـ"المساعدين الزائفين"، الذين يبتزون المهاجرين مالياً عبر وعود كاذبة بتأمين كفالات الإقامة لهم.
وتشير المنظمة إلى أن عددا كبيرا منهم سيحتاج، في المدى المتوسط والبعيد، إلى الدعم لإيجاد فرص عمل جديدة وتسوية أوضاعهم القانونية، لا سيما أولئك الذين أصبحوا في وضع غير نظامي بسبب تخلي أصحاب العمل عنهم أو إنهاء خدماتهم دون منحهم مستحقاتهم أو وثائقهم الرسمية. كذلك الأمر تواجه العاملات المنزليات، صعوبة في العثور على أرباب عمل جدد مستعدين لإتمام الإجراءات الإدارية اللازمة للحصول على تصاريح العمل والإقامة، مما يعرضهم لخطر الاستغلال.
وتُقدِّر المنظمة الدولية للهجرة (IOM) اعتبارًا من 23 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أن نحو 5956 مهاجراً لا يزالون نازحين في بيروت وجبل لبنان، ما يُظهر انخفاضاً بنسبة 46 في المئة مقارنة بـ 11074 مهاجراً نازحاً تم تسجيلهم قبل وقف إطلاق النار في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
لكن هذا الواقع المرير لم يلقَ اهتماماً كافياً على المحطات الإعلامية ووسائل الإعلام، وكانت التفاوت في تغطية هذه الفئة يتأرجح بين مقبول وغير كاف.
تغطية ملتزمة رغم التحديات
كانت محطتنا الأولى مع قناة "أل بي سي"، إحدى المحطات المحلية التي خصّصت مساحة ملحوظة لقضية العاملات الأجنبيات خلال الحرب. ومن بين الصحافيين الذين تابعوا هذا الملف، واكبت الصحافية يارا ضرغام، معاناة هذه الفئة عن كثب، لإيصال صوتها.
في حديثها لـ"النهار"، تؤكد يارا ضرغام أن قضية العاملات الأجنبيات كانت إحدى الملفات التي عملت على تغطيتها ومتابعتها بشكل مكثف خلال الحرب. وتشير إلى أنها لا تزال تتذكر بوضوح اللحظة التي سلطت فيها الضوء على معاناتهن، بعد أن وجدن أنفسهن مضطرات للبقاء في العراء على طرقات بيروت. وتضيف "كان ذلك أول تقرير أعدّه، وكان من المفترض أن أوثّق لاحقاً رحلة عودتهن إلى بلادهن، إلا أن شروط السفر حالت دون تحقيق ذلك".
وتشير ضرغام إلى أن أبرز التحديات التي واجهتها خلال تغطية هذه القضية تمثّلت في صعوبة التواصل مع بعض العاملات الأجنبيات، نظراً لعدم إتقانهن اللغتين العربية أو الإنجليزية، ما شكّل عائقًا أمام توثيق شهاداتهن. بالإضافة إلى ذلك، رفضت بعض العاملات الحديث أمام الكاميرا خوفاً من العواقب المحتملة، الأمر الذي حال دون إيصال أصواتهن بالشكل المطلوب.
أما فيما يتعلق بتغطية قناة "أل بي سي" لقضية العاملات الأجنبيات، فيُلاحظ أنها خصصت مساحة لا بأس بها لتسليط الضوء على أوضاع هذه الفئة المهمّشة، حيث بثّت أكثر من خمسة تقارير إخبارية، إضافةً إلى نقل الحدث مباشرةً مرتين، وبالتالي تعتبر تغطية لا بأس بها مقارنة مع قنوات إعلامية أخرى.
نساء من سيراليون يسترحن في مأوى مخصص للعاملات المهاجرات المشرّدات، في الحازمية، لبنان، في 5 تشرين الثاني 2024. (رويترز/إيميلي مادي)
تغطية محدودة في زخم الحرب
قد تتفاوت مساحة التغطية بين محطة إعلامية وأخرى، وهذا ما يُفسر الأولويات المختلفة التي تضعها كل مؤسسة خلال تغطيتها للحرب أو الأزمات. وفي متابعة لهذا المسار، كانت المحطة الثانية مع قناة "الجديد" التي رغم تغطيتها المتواصلة للحرب وتداعياتها، إلا أنها لم تُخصص حيزاً كافياً لتسليط الضوء على هذه الفئة، لأسباب متعددة. والنتيجة؟ تقرير وحيد رصد اعتصام العاملات السودانيات في لبنان، إلى جانب حلقة خاصة استمرت لمدة ساعة، تناولت واقع العاملات الأجنبيات، وسلطت الضوء على سبل تأمين مأوى آمن لهن بعد أن وجدت أعداد كبيرة منهن أنفسهن مشرّدات في الطرقات.
في سياق البحث عن التحديات التي تواجه الصحافيين خلال تغطية قضايا العاملات الأجنبيات، يؤكد الصحافي في تلفزيون الجديد نعيم برجاوي أن "تغطية المواضيع المتعلقة بالعاملات والعاملين الأجانب في لبنان ليست بالأمر السهل، إذ يواجه الصحافيون صعوبات عدة، أبرزها شُحّ المصادر وصعوبة الوصول إلى المعلومات.
يُضاف إلى ذلك، تردد العديد من العاملات الأجنبيات في الظهور أمام الكاميرا، إما لأسباب شخصية أو خشيةً من تداعيات قانونية بسبب عدم امتلاكهن إقامات شرعية. فكيف إذا كنا في ظلّ حرب، حيث تضاعفت التحديات بسبب العوائق اللوجستية وسوء الأوضاع الأمنية".
ويشير برجاوي إلى أن وقع الحرب كان قاسياً على اللبنانيين جميعاً، إلا أن الحرص على تغطية مختلف فئات المجتمع، بما في ذلك العاملات الأجنبيات، ظلّ قائماً رغم الصعوبات التي واجهت الصحافيين في الميدان.
كما تحدث عن أزمة إيجاد مأوى للعاملات الأجنبيات خلال الحرب، وإزاء هذا الواقع، خصص حلقة كاملة يتناول فيها صرخة هذه الفئة المهمشة ومتابعة قصصهن وإطلاق دعوة للتوجه إلى ملاجئ مخصصة لهن.
وفي تقييمه لتغطية الإعلام لهذه الفئة، يرى برجاوي أن التغطية كانت بشكل عام غير كافية، ويؤكد الحاجة الماسة إلى بذل جهود أكبر من أجل إيصال أصوات هذه الفئات وتسليط الضوء على قضاياهم ومعاناتهم. ويشدد على أهمية أن تأخذ المنصات الإلكترونية دوراً في إبراز هذه القضايا، وأن لا يقتصر الاعتماد على الإعلام التقليدي فقط.
في ملجأ في منطقة الحازمية (يوم الجمعة، 15 تشرين الثاني 2024. (صورة من أسوشيتد برس / حسن عمار)
ظروف عمل استغلالية أو وضع غير قانوني
برأي المنظمة أن "هناك " حوالى 75 في المئة من العمال المهاجرين في لبنان هنّ عاملات منازل مهاجرات، وتُعد أوضاعهنّ شديدة الهشاشة، إذ يمنح نظام الكفالة أصحاب العمل سيطرة شبه مطلقة على ظروف معيشتهم وعملهم، مما يخلق اختلالاً كبيراً في موازين القوى ويدفع العديد منهنّ إلى خيارين أحلاهما مرّ، إما القبول بظروف عمل استغلالية أو الوقوع في وضع غير نظامي.
ويؤدي غياب الحماية القانونية في ظلّ نظام الكفالة، إلى جانب القيود المفروضة على حرية التنقل، إلى تعرض هؤلاء العاملات لحالات إساءة المعاملة، والعزلة، والاضطرابات النفسية. وخلال النزاع الأخير، تفاقمت هذه المخاطر بشكل كبير، حيث تُركت العديد منهنّ دون أي دعم من أصحاب العمل، ودون أي وسائل قانونية تمكّنهنّ من الدفاع عن حقوقهنّ.
ومع ذلك، استجابت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) وغيرها من المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية للأزمة من خلال نهج شامل يهدف إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للفئات المتضررة من النزاع، بغض النظر عمّا إذا كانوا لبنانيين أو مهاجرين أو لاجئين. ويجب أن يكون هذا النهج هو القاعدة في أي أزمات مستقبلية.
الخوف من الاحتجاز أو الترحيل
أما في ما يتعلق بتهميش المهاجرين عند تلقي المساعدات خلال النزاع، لا تُخفي المنظمة في حديثها لـ"النهار" أن العديد من المهاجرين واجهوا تمييزاً واضحاً في الحصول على المساعدات، حيث عانوا من صعوبات جسيمة في الوصول إلى مراكز الإيواء الجماعي، مع تسجيل حالات طرد ورفض متكررة.
كما أن المهاجرين في أوضاع غير نظامية كانوا مترددين في اللجوء إلى الملاجئ الحكومية خشية الاعتقال أو الترحيل، مما دفع معظمهم إلى البحث عن مأوى في السفارات، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمعات المحلية، بما في ذلك الكنائس والأديرة والمؤسسات الدينية، أو لدى معارفهم في شقق خاصة. وفي مواجهة هذه التحديات، عملت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) بالتعاون مع السلطات والشركاء غير الحكوميين على تحديد أماكن إيواء آمنة للمهاجرين والتصدي لحالات الطرد أو التمييز التي تعرضوا لها.
عاملة في ملجأ في الحازمية (15 تشرين الثاني 2024- صورة من أسوشيتد برس / حسن عمار)
تحديات التغطية للفئة المهمشة
تصرّ الصحافية ميريام سويدان على أن تكون صوت الفئات المهمشة، وتسعى جاهدةً في مسيرتها المهنية إلى توثيق معاناتها وتسليط الضوء على قضاياها لضمان عدم تغييب حقوقها. وخلال الحرب، كرّست جهودها لإعداد وكتابة عدة تقارير حول أوضاع العاملات الأجنبيات، ونجحت في منحهن مساحة بارزة على المنصات الإلكترونية والمحطات الإعلامية التي تعمل معها.
في حديثها لـ"النهار"، تؤكد سويدان أن أوضاع العاملات الأجنبيات كانت مأساوية، سواء من الناحية النفسية أو الاجتماعية. وتلفت إلى أن ما كان لافتاً هذه المرة هو امتناع العديد منهن عن الحديث أمام الكاميرا، على عكس ما كان عليه الحال في السنوات الماضية، عندما كان لبنان يرزح تحت وطأة الأزمة الاقتصادية و جائحة كورونا. وتضيف "لم أتمكن من تحديد سبب هذا الرفض، هل كان نتيجة ضغوط تمارسها بعض الجهات، أم بسبب حالتهن النفسية المتدهورة، أم فقدانهن الأمل بقدرة الجمعيات والإعلام على مساعدتهن؟".
ورغم محاولاتها الحثيثة لإيصال أصواتهن، واجهت سويدان تحدياً كبيراً خلال التغطية، تمثّل في منعها من التصوير من قبل بعض اللبنانيين المتواجدين في المكان، ما أعاق توثيق معاناتهن ونقل صرختهن بشفافية ووضوح.
الفئة الأكثر ضرراً
في خضم الحرب وتداعياتها، تُصنّف المحامية موهانا إسحاق، رئيسة الشؤون القانونية والمناصرة في قسم مناهضة الاتجار بالبشر في منظمة "كفى"، واقع العاملات الأجنبيات خلال الحرب إلى فئات عدة.
وفي حديثها لـ"النهار"، أوضحت أن الفئة الأكثر تضرراً كانت العاملات المنزليات الأجنبيات اللواتي يعملن من دون كفيل، إذ تصدّرت هذه الفئة قائمة الاتصالات الواردة طلباً للمساعدة. فقد اضطر العديد منهن إلى مغادرة المناطق التي تعرضت للقصف بحثاً عن ملاجئ أو أماكن آمنة للإقامة. وتجلى ذلك بوضوح من خلال تجمع أعداد كبيرة منهن في الطرقات والساحات العامة طلباً للمساعدة. وفي الواقع، لقيت هذه النداءات استجابة واسعة، سواء عبر مبادرات فردية أو من خلال جهود منظمات المجتمع المدني والجمعيات المعنية.
أما الفئة الثانية، فتشمل العاملات الأجنبيات اللواتي يعملن في المنازل، وفي هذا الإطار، تتحدث إسحاق عن سيناريوهين مختلفين:
السيناريو الأول: نُقلت بعض العاملات الأجنبيات مع كفلائهم من منطقة إلى أخرى، فيما فضّلت أخريات العودة إلى بلادهن وطلبن المساعدة للسفر.
السيناريو الثاني: شملت حالات قليلة تُركت فيها العاملات في المنازل بعد مغادرة أصحابها للمنطقة أو حتى البلاد. وبحسب الاتصالات الواردة، حصلت بعض العاملات على مبالغ مالية من الكفيل لمساعدتهن على الانتقال إلى مناطق أكثر أماناً بعد اضطرار العائلة إلى السفر، في حين تكفّل أقارب العائلة بمساعدتهن على إيجاد مأوى آمن.
وتُشير إسحاق إلى أن هذه الحالات بقيت محدودة ولم ترقَ إلى مستوى الأزمة الحادة، إذ لم تُسجل حوادث عنف أو انتهاكات خطيرة، بل انحصرت المطالبات في تأمين مأوى آمن أو تسهيل إجراءات السفر.
أما فيما يتعلق بتغطية الإعلام اللبناني لواقع العاملات الأجنبيات خلال الحرب، فتُقرّ إسحاق، بأن "التغطية الإعلامية لم تكن مركزة أو متخصصة، نظراً لكون تداعيات الحرب شملت جميع فئات المجتمع ولم تقتصر على فئة بعينها. وبالتالي لم تكن قضية العاملات الأجنبيات من أولويات التغطية الإعلامية مقارنة بالقضايا السياسية والأمنية التي تصدرت المشهد العام. ورغم ذلك، فقد رصدت بعض المحطات الإعلامية معاناة العاملات الأجنبيات، ولكن بشكل محدود".
وفي سياق متصل، أشارت إسحاق إلى ملاحظة مهمة استناداً إلى ورود عدة شكاوى تفيد بامتناع بعض مراكز الإيواء عن استقبال العاملات الأجنبيات، بحجة إعطاء الأولوية للنازحين اللبنانيين. إلا أنه، وبعد مراجعة وزارة العمل وجهات معنية أخرى، لم يتبيّن وجود أي قرار رسمي يستثني هذه الفئة من حقها في الحصول على مأوى، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا الرفض ناتجاً عن قرارات فردية لمسؤولي تلك المراكز.
صورة داخل احد الملاجىء التي استقبلت العاملات الأجنبيات- صورة من بوليتيكو)
"ما زلنا بعيدين عن التغطية الإعلامية المتوازنة"
تعلّق رئيسة تحرير موقع "شريكة ولكن"، الصحافية والناشطة حياة مرشاد، على أداء الإعلام خلال الحرب، مشيرةً إلى أن "المهاجرين والمهاجرات، و العاملات الأجنبيات، كانوا من أكثر الفئات تضررًا، حيث اضطروا إلى افتراش الطرقات والبقاء في العراء، ورغم ذلك، لم تحظَ هذه الفئة بتغطية إعلامية كافية في الوسائل التقليدية، في حين خُصص لها حيزٌ أكبر في الإعلام البديل".
وترى أن "الإعلام بشكل عام لا يُنصف هذه الفئات وغالباً ما يُخصص لهم مساحة ضيقة، إلى جانب افتقارها للمتابعة أو طرح حلول، وكأن دور الإعلام يقتصر على تسليط الضوء فقط دون المساهمة في إحداث تغيير حقيقي".
أما فيما يتعلق بالتجاوزات التي تشوب تغطية الإعلام لشؤون العاملين والعاملات الأجانب في لبنان، تشرح مرشاد أن "هذه التغطيات، سواء في زمن الحرب أو في الأوقات العادية، غالباً ما تكون موسمية، وتُعالج القضايا من زاوية الإثارة أو تحقيق السبق الصحفي، مثل التركيز على جرائم تورطت فيها عاملات أجنبيات أو حالات قتل تعرضن لها".
كما تشير إلى أن بعض التغطيات تتسم بالعنصرية، سواء من خلال المفردات المستخدمة أو الطريقة التي تُقدَّم بها القضايا، مما يرسّخ الصور النمطية والنظرة الدونية لهذه الفئات. وتخلص مرشاد إلى القول: "لا تزال التغطية الإعلامية بعيدة جدًا عن تحقيق التوازن المطلوب الذي يحترم خصوصية وحقوق الفئات المهمشة".
وعن العقبات التي تحول دون إنجاز الرسالة الصحافية بالشكل المطلوب و بمهنية عالية، تؤكد مرشاد أن الخطوة الأولى تكمن في توفر إرادة سياسية حقيقية، إلى جانب إيمان عميق بأهمية تسليط الضوء على حقوق هذه الفئات المهمشة. وتشير إلى أن المنصات الإعلامية البديلة، التي غالباً ما تنبثق من المجتمع المدني ومن ناشطات وناشطين ملتزمين بقضايا العدالة الاجتماعية، تمنح مساحة أكبر لهذه القضايا مقارنة بالإعلام التقليدي، وذلك ببساطة لأنها تنطلق من قناعة راسخة بأهمية هذه القضايا".
نحو إعلام أكثر إنصافاً
في ظلّ هذه المعطيات، لا بد من إعادة النظر في كيفية تناول الإعلام لقضايا الفئات المهمشة. وتقترح مرشاد بعض التوصيات التي هي أشبه بخارطة طريق لتغطية فاعلة ومؤثرة تتمثل بـ:
* الضغط من أجل سياسات تحريرية تراعي حقوق الفئات المستضعفة.
* تخصيص مساحات منتظمة لمناقشة قضايا العاملات الأجنبيات والفئات المهمشة بدلاً من التناول الموسمي.
* تعزيز تدريب الصحافيين على التغطية المتحسسة جندرياً.
* تشجيع الإعلام البديل على الاستمرار في تسليط الضوء على هذه الفئات.
* تشجيع الإدارات التحريرية على وضع معايير وقيم واضحة لكيفية معالجة هذه القضايا، وجعلها جزءًا من أولويات التغطية الصحافية.
يبقى التحدي الأكبر في أن يدرك الإعلام دوره كأداة تغيير حقيقي، لا مجرد ناقل للأحداث. فهل نشهد مستقبلاً تغطية إعلامية أكثر عدالة وإنصافاً؟
تمّ إعداد هذا التقرير ضمن مشروع "إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان". موّل الإتحاد الأوروبي هذا التقرير، وتقع المسؤولية عن محتواه حصريًا على عاتق مؤسسة "مهارات" وهو لا يعكس بالضرورة آراء الإتحاد الأوروبي. وتم نشر التقرير أيضًا على موقع النهار.