Loading...

المخيمات الفلسطينية خلال الحرب تغطية بلا معلومات

 

تُعتبر التغطية الإعلامية للاجئين الفلسطينيين في لبنان خلال الحرب الأخيرة موضوعاً بالغ الأهمية في السياقات الإعلامية العربية والدولية، خاصة في ظلّ تصاعد التوترات والنزاعات في المنطقة، إذ ساهمت في تسليط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطسينيين في لبنان، الذين يعانون أصلاً من ظروف اقتصادية صعبة وغياب حقوق أساسية مثل حق العمل والإقامة. ولعب الإعلام دوراً كبيراً في تحفيز الضغط الدولي من أجل تحسين أوضاعهم في لبنان، من خلال التغطية المستمرة للمأساة الإنسانية التي يعيشونها. كما ساهم الإعلام في السنوات السابقة في الضغط على الحكومة اللبنانية لتقديم المزيد من الدعم للمخيمات الفلسطينية وإنهاء القيود المفروضة على حقوق اللاجئين سواء في العمل أو الحصول على الرعاية الصحية.

 

وفي هذا السياق، يشدّد أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية سابقاً الدكتور جورج صدقة، على ضرورة أن تولي التغطية الإعلامية قضايا اللاجئين الفلسطينيين المهمشين اهتماماً خاصاً، لأن المجتمع لا يهتم بهذه الفئات، وهي تحتاج أكثر من غيرها إلى متابعة لمشاكلها وإيجاد حلول لها وإلغاء تهميشها، إذ إن التهميش في المجتمع يؤدي إلى مشاكل مختلفة منها الأمنية والاجتماعية، لكن الصحافي عندما يتناول هذه القضايا ويحاول إيجاد حلول لها يسهم في معالجة قضايا وطنية.

 

إيصال الصوت

لعب الإعلام التقليدي والبديل دوراً محورياً في إيصال أصوات اللاجئين الفلسطينيين خلال الحرب، عبر تغطية ركزت على النواحي الإنسانية. وبحسب مراسل منصة “مخيمات لبنان بوست”، الإعلامي عبد الناصر الحدري، يمكن تقسيم التغطية الإعلامية للعدوان الإسرائيلي على لبنان إلى 3 أقسام، أولها العدوان الإسرائيلي على المخيمات الفلسطينية، ثم الوضع الإنساني للاجئين الفلسطينيين في مناطق التماس جنوب لبنان، إضافة إلى أوضاع النازحين والمخيمات التي استقبلتهم.

 

ويلفت إلى أن اللاجئين الفلسطينيين تمكنوا عبر وسائل الإعلام من مشاركة تجاربهم الشخصية والتعبير عن مخاوفهم وتطلعاتهم، مما جعل قضيتهم أكثر إنسانية وأقرب إلى وجدان المشاهدين والمستمعين، إلا أن ما كان ينقص الإعلام الحصول على المعلومات إن كان من الدولة اللبنانية أو حتى من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الـ”أونروا”.

 

وفي السياق نفسه، يرى مراسل قناة “راجعين” الإعلامي عبد الكريم الصفدي، أن للإعلام دور كبير في إيصال الرسالة للعالم أجمع والدور الأكبر له هو في إيصال صوت المستضعفين والفئات الأكثر تهميشاً مثل اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان للمسؤولين والمعنيين من الدولة اللبنانية ووكالة الـ”أونروا”، لأن التغطية الإعلامية المكثفة تؤثر على السياسات العامة ويمكن أن تدفع المؤسسات الدولية والحقوقية إلى اتخاذ مواقف أكثر دعماً للاجئين الفلسطينيين.

 

تحديات التغطية

على الرغم من التغطية الإعلامية الواسعة هناك عدة تحديات واجهت الإعلام في تسليط الضوء على قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان خلال الحرب الأخيرة، لا سيما وأن توازن التغطية الإعلامية في أوقات الحروب هو من أصعب التحديات التي واجهت وتواجه الإعلاميين ووسائل الإعلام. ففي ظلّ الحروب، تتعدد الأطراف المعنية، ويزداد الضغط على الإعلام لتقديم تقارير دقيقة وموضوعية، والتغطية المتوازنة لا تقتصر على نقل الأخبار، بل تشمل التأكد من أن جميع جوانب الصراع تُغطى بطريقة عادلة، مع مراعاة حقوق الإنسان، وحماية المدنيين، والحياد المهني.

 

ومن أبرز التحديات التي واجهت الإعلامي عبد الناصر الحدري أثناء تغطية العدوان الإسرائيلي على لبنان، شحّ المعلومات، الحصول على المعلومات من الأونروا مثلاً يحتاج الحصول على إذن إن كان للتصوير أو حتى لإجراء مقابلة أو الحصول على معلومات بما يخص النازحين في مراكز الإيواء التابعة لها.

 

وعن تجربته الشخصية في هذا الإطار يخبرنا أنه حصل مرّة على إذن للتصوير داخل أحد مراكز الإيواء في مخيم نهر البارد شمال لبنان وتم التصوير وقام بالمقابلات اللازمة للتقرير، وبعد أن نشره ورده اتصال من قبل إدارة الأونروا بأن التقرير مبالغ فيه، وعندما طالب حينها بإجراء مقابلة والحصول على معلومات، تمّ مواجهة طلبه بعدم الإجابة، وعندما حاول بعدها الحصول على إذن مرة أخرى لم يحصل عليه.

 

على الجهة المقابلة كان الوضع مشابه، إذ واجه هو والكثير من الصحافيين أيضاً شحّ بالمعلومات حول العدوان الإسرائيلي على لبنان من قبل المعنيين في الدولة اللبنانية، إن كان في وزارة الصحة أو غيرها. لم يجد من يرد على الهاتف أو يفيده بأي معلومة حول أعداد الإصابات والجرحى. وبالتالي هذا الأمر يطرح تساؤل حول المصدر الذي يمكن أن يستقي منه الصحافي معلوماته إذا لم يكن هناك جهة حكومية أو مصدر موثوق يعطيه المعلومات التي يريد الحصول عليها.

 

الإعلامي عبد الكريم الصفدي، لم يستطع أيضاً الحصول من الأونروا على إذن للتصوير داخل مراكز الإيواء في مخيم نهر البارد فكان يضطر للتواصل مع النازحين واللاجئين للخروج من مراكز الإيواء لإجراء بعض المقابلات، ويقول إنه “من الصعب جداً الحصول على المعلومات من قبل الأونروا أو الدولة اللبنانية، كنت أكتفي بأصوات اللاجئين والنازحين الذين كانوا يتحدثون عن معاناتهم”.

 

أما بخصوص التغطية الإعلامية وانتهاك خصوصية الأفراد فيعلّق قائلاً إن “الكثير من الصحافيين كان همهم فقط الحصول على سكوب إعلامي وعلى صور حصرية على حساب خصوصية الأطفال والنساء”، إلا أنه كان يأخذ الإذن قبل التصوير وفي بعض الأحيان عندما يرفض الشخص تصويره كان يقوم بحذف الفيديو كاملاً، أو أخذ الفيديو من دون إظهار وجه الشخص.

 

في المقابل يعتبر الحقوقي د. محمود حنفي، أن الصحافي يقوم بدور مهم جداً ويحمل رسالة إنسانية ويُعتبر من الفئات المحمية بالقانون فهو ليس هدفاً عسكرياً ولا منخرطاً في القتال، وبالتالي يجب أن تتوفر له كل أشكال الحماية والتسهيلات فهو ينقل الأحداث كما هي ومن حق الجمهور في المقابل أن يعرف ماذا يحصل.

 

ويضيف، أن المنظمات الدولية مثل الأونروا تتهرب من الإجابة أو الإفصاح عن المعلومات بذريعة عدم انتهاك الخصوصية، كما وأن عدم إتاحة المعلومات للصحافيين يضع الآخرين في موضع شبهة.

 

المعايير والأخلاقيات أثناء الحرب

التغطية الإعلامية أثناء الحرب تمثل تحدياً كبيراً للصحافيين ووسائل الإعلام على حدّ سواء، إذ يجب عليهم تحقيق توازن دقيق بين تقديم المعلومات بشكل دقيق وآني، وبين الحفاظ على المبادئ الأخلاقية والمهنية، مع مراعاة تأثير الحرب على المدنيين وأوضاعهم الإنسانية.

 

وفي هذا السياق، يؤكد الصحافي عبد الناصر الحدري، أن تصوير مشاهد الدمار والدماء والأشلاء أو حتى تصوير الأشخاص في مراكز الإيواء تحتاج إلى خصوصية ومعايير أخلاقية معينة يجب على الصحافي أن يحترمها، فهو دائماً ما كان يسأل نفسه خلال التغطية “لو كنت أنا مكان هذا الشخص المصاب أو النازح هل سأقبل أن يقوم أحد بتصويري في هذه الوضعية؟”.

 

ويشير الدكتور جورج صدقة، إلى أن أحد المبادئ الرئيسية الأخلاقية في مهنة الإعلام هو عدم انتهاك الخصوصية، خصوصية الجمهور بشكل عام وخصوصية الأفراد، إذ يجب على الصحافي احترامها أياً كان نوع الفرد “مهمش، سياسي، طبقات غنية، طبقات فقيرة”، إضافة إلى احترام الحرية الذاتية التي تنص عليها الأخلاق والمواثيق. وعلى الصحافي أن يكون على علم بأن المقياس لعدم التعدي على حرية الأشخاص خلال إجرائه للمقابلات أو تناول خصوصيتهم وقضاياهم الشخصية، يجب أن يكون خدمة المصلحة العامة، فعليه أن يسأل نفسه دائماً ما هي الخدمة التي يقدمها للجمهور من أخبار ومعلومات.

 

وبحسب الدكتور صدقة فإن حق الجمهور في المعرفة لا تتناول كل شيء، يحق له معرفة المعلومات والأخبار التي تتناول الشأن العام في القضايا العامة والتي تتناول قضايا المصلحة العامة وقضايا المجتمع ككل وليس القضايا الشخصية.

 

ويرى أنه من الضروري على الصحافي أن يطلع على المواثيق الأخلاقية والتشريعات الإعلامية، التي تشرح له كيفية التغطية الإعلامية وأن تكون له الدليل خلال عمله كي لا يقع في الأخطاء، لأن الصحافي عندما يرتكب خطأ ما لا يكون هذا الخطأ فردي إنما خطأ معمّم، وعندما يلتزم بالأخلاقيات يتفادى الوقوع في الخطأ، ويكون الصحافي بذلك قد حمى نفسه والجمهور والمجتمع والآخرين.

 

وحول قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يقول د. صدقة “هي قضية إنسانية يجب على الصحافي تغطيتها ليتمكن اللاجئ الفلسطيني من أخذ حقوقه وعدم اضطهاده بسبب انتمائه أو هويته فالإنسان متساو بقيمته الإنسانية”.

 


وعلى الصعيد نفسه، يقول أستاذ الإعلام والتواصل في جامعة الجنان، محمد أبو طربوش، إن هناك مجموعة من المعايير الإعلامية التي يجب على وسائل الإعلام اتباعها أثناء تغطية الأحداث الحربية، بينها الدقة والموضوعية من خلال التحقق من المعلومات قبل نشرها خصوصاً في سياق الحرب، إذ تنتشر الشائعات والمعلومات المغلوطة بسرعة، لذا يجب التحقق من مصادر الأخبار والتأكد من موثوقيتها، كما وعلى الصحافي أن يعتمد مصادر موثوقة وموضوعية، وأن يمتنع عن نشر المعلومات التي قد تؤدي إلى التضليل أو تؤدي إلى تأجيج الصراع والانقسام بين الجمهور.

 

ومن معايير التغطية الإعلامية وفق أبو طربوش أيضاً، الحيادية والموازنة من خلال تقديم جميع وجهات النظر وتجنب الانحياز، والتقيد بالقانون الدولي الإنساني من خلال احترام قوانين الحرب ونقل الانتهاكات وتوثيقها من خلال تقارير مستقلة. كما والتزام الشفافية والمصداقية والإفصاح عن المصادر والاعتراف بالخطأ في حال حدوثه.

 

كما وضرورة إبلاغ الجمهور بأهمية السلامة من خلال نشر نصائح حول سلامة الصحافيين والجمهور في مناطق النزاع، تقديم خبر أو ظهرت معلومات غير دقيقة.

 

⁠ويخلص أبو طربوش إلى أن تغطية الحرب تتطلب التزاماً دقيقاً بمعايير مهنية وأخلاقية لضمان تقديم معلومات دقيقة، حيادية، ومتوازنة. فالصحافي أثناء الحرب ليس مجرد ناقل للأخبار، بل هو مسؤول مسؤولية كبيرة تتطلب مراعاة تأثير المحتوى الإعلامي على الجمهور، خاصة فيما يتعلق بالحقوق الإنسانية وحماية المدنيين.

 

توصيات أساسية

مثّلت تغطية الحرب في لبنان تجربة مهمة للصحافيين الفلسطينيين الذين يركزون على شؤون المخيمات، وخرجوا بخلاصات مهمة، لناحية “التزام الصحافي بالسياسة التحريرية للمؤسسة الإعلامية التي يعمل بها، وأن تكون لديه مسؤولية فردية، بمعنى أن يوثّق القضية لكن مع احترام مشاعر الأشخاص وخصوصيتهم في الوقت نفسه”، وفق الصحافي عبد الناصر الحدري. ويرى الصحافي عبد الكريم الصفدي، ضرورة أن يخضع الصحافي لتدريبات معمّقة حول التغطية الإعلامية أثناء الحروب والنزاعات، وحول كيفية التعامل مع الأشخاص عند إجراء مقابلات معهم أو تغطية قضاياهم، وتحديداً قضايا المهمشين.

 

وبحسب الحقوقي محمود الحنفي فمن المهم النظر في أربع توصيات، المواصفات الشخصية للصحافي، المواصفات الأخلاقية والمهنية والشجاعة بالإضافة إلى الحيادية، لأن الصحافي يحمل رسالة إنسانية أي بمعنى رسالة متجردة، ومسألة الأخلاق وحدها لا تكفي لأننا بحاجة إلى صحافي حرّ يستطيع أن يوثق ويكتب.

 

ويلفت الحنفي إلى أهمية وجود إطار لحماية الصحافيين في لبنان على جميع الأصعدة وليس مهنياً فقط، كما يجب أن تعمل الجمعيات الحقوقية مع الصحافيين والمعنيين من أجل توثيق الانتهاكات.

 

في الخلاصة، حملت التغطية الصحافية لقضايا اللاجئين الفلسطينيين خلال الحرب نوعاً من التوازن مع احترام لخصوصية الأفراد، لكنها واجهت تحديات عدّة تمثلت في صعوبة الوصول إلى المعلومات وعدم رغبة المواطنين في الحديث أمام الكاميرات، مع ذلك ساهمت التغطية في تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية التي يعيشها هؤلاء اللاجئون في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة والاستهداف المباشر للمخيمات.

 

تمّ إعداد هذا التقرير ضمن مشروع “إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان”. موّل الإتحاد الأوروبي هذا التقرير، وتقع المسؤولية عن محتواه حصرياً على عاتق مؤسسة “مهارات” وهو لا يعكس بالضرورة آراء الإتحاد الأوروبي. وتم نشر التقرير أيضًا على موقع Naqd Media.