Loading...

أين دور المجتمع المدني في تعزيز الحقوق الجنسية والإنجابية في لبنان؟

 

في ظل غيابها عن قائمة أولويات المؤسسات الرسمية، يلعب المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات غير حكومية دورًا محوريًا في تعزيز الحقوق الإنجابية والجنسية وتوفير الخدمات المرتبطة بهما، عدا عن الدفع من أجل تعديل السياسات العامة والخطط الوطنية عبر حملات الضغط والمناصرة.

 

وبات عمل هذه المؤسسات أكثر أهمية على وقع الانهيار الاقتصادي الذي ضرب لبنان منذ نحو ثلاث سنوات، وتراجعت معه قدرة المرافق العامة على توفير الخدمات والاستشارات الصحية، بالإضافة إلى المساندة والدعم القانوني والنفسي والطبي.

 

وتقول مديرة المعهد العربي لحقوق الانسان - فرع لبنان جمانة مرعي لموقع "مهارات نيوز": "للمجتمع المدني دور أساسي في التأثير على تطوير السياسات التي تقوم ضمن المجال الحقوق الجنسية والإنجابية، من خلال حملات المناصرة لتعزيز الحقوق الانجابية والجنسية بالإضافة إلى الخدمات العلمية والعملية الصحية التي تقدّم لمقاربة حقوق الإنسان من دون أي تمييز".

 

خلال العمل على التقييم الوطني عن الحقوق الجنسية والحقوق الإنجابية في لبنان عام 2019، تشير مرعي إلى رصد "تمييز لناحية أولوية تقديم الخدمات الصحية للسيدات، على غرار حصر تقديم وسائل منع الحمل للمتزوجات فقط، وحجبها عن العازبات عند الطلب". وتوضح أن "دور المجتمع المدني هنا يكمن في تطبيق هذه الحقوق من خلال تأمين خدماتها الأساسية للجميع على أرض الدولة اللبنانية من دون تفرقة".

 

ويبرز كذلك دور منظمات المجتمع المدني انطلاقًا من أن التهميش الذي تتعرّض له مجموعات هشّة، قد يحدّ من إمكانية حصولها على خدمات رئيسية خاصّة التي تتعلق بالصحة.

 

في هذا السياق، تشرح منال سعيد، رئيسة جمعية الاتحاد النسائي التقدمي التي تعمل على تأمين الوصول إلى خدمات واستشارات صحية خصوصًا في المناطق الأطراف، لموقع "مهارات نيوز"، أنّ "المشكلة في لبنان تكمن في عدم استطاعة الفئات المهمّشة الوصول إلى الخدمات الجنسية والإنجابية، خصوصًا أفراد مجتمع الميم-عين، الذين ليس لهم سبيل إلى هذه الحقوق سوى عبر الجمعيات المعنية".

 

وتوضح أن "غياب الحق في الاجهاض مثلًا، يجعل النساء الأكثر فقرًا يعانين ويتوجهن إلى وسائل غير آمنة وأشخاص غير موثوقين".

 

يمثل المجتمع المدني مجموعة المؤسسات غير الرسمية والتطوعية، المكونة من جمعيات ومنظمات ومؤسسات عاملة في مجال حقوق الإنسان والبناء الديمقراطي، وتعمل على تعزيز ونشر القيم والمبادئ الهادفة إلى تطوير وتنمية المجتمعات خصوصًا المتعلقة بحماية حقوق وحريات الإنسان عامّة وكل ما يمسّ بإنسانيته وكرامته. 

 

وفي ما يتعلّق بالحقوق الإنجابية والجنسية، يتمثّل الدور الأساسي لمنظمات المجتمع المدني في الدفاع عن هذه الحقوق من ناحية أولى، وفي تقديم الخدمات المتعلّقة بها من ناحية أخرى. وتلعب كذلك دورًا رئيسيًا في تدريب وصقل معارف ومهارات كل من يتعامل مع الفئات المهمّشة، على المستويات كافة.

 

وتقول مرعي "يعمل المعهد العربي على تدريب الخبراء والناشطين في الصحة، ومن يتعامل مع الفئات المهمّشة في بناء القدرات وكيفية العمل على مقاربة الحقوق الجنسية والإنجابية وحقوق الإنسان واستخدام الآليات الدولية لتعزيز هذه الحقوق". 

 

وتضيف "نعمل حاليًا على بناء قاعدة رصد للحقوق الجنسية والإنجابية مع الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان والآليات الوطنية لمراقبة تطبيقها، وتستخدم ضمن تقارير المجتمع المدني التي تساعد في تطوير السياسات لهذه الحقوق".

 

الدولة غائبة 

رغم انخراط جمعيات ومنظمات المجتمع المدني في السعي إلى تحسين واقع هذه الحقوق، إلا أن ثمّة تحدّيات عدّة تحول دون استمرار العمل بالطريقة المخطط لها، خصوصًا مع غياب أطر التنسيق والإشراف بين الحكومة والمجتمع المدني بسبب الأزمات التي تُغرق لبنان، وتجعل الدولة عاجزة عن أن تولي اهتمامًا واسعًا بالحقوق الجنسية والإنجابية.

 

وتذكر مرعي أنه جرى "إلغاء برنامج تعاون كان مقرّرًا سابقًا مع وزارتي الصحة العامّة والشؤون الإجتماعية بسبب التغيرات التي طرأت مع انطلاق ثورة 17 تشرين" 2019.

 

ويجري العمل حاليًا على مشروع "تعزيز الحقوق الجنسية والإنجابية في لبنان والمنطقة العربية" بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وفق مرعي التي تأمل التعاون في الفترة المقبلة مع الوزارات المختصّة "نظرًا لأهمية دعم الحقوق من قبل المؤسسات العامّة".

 

على غرار جمعيات عدّة، تركّز جمعية الاتحاد النسائي التقدمي عملها على "تأمين وصول الفئات المهمّشة إلى تأمين حقوقها الجنسية والإنجابية من خلال التثقيف وتقديم الخدمات الصحية عبر ستة مستوصفات ضمن مشروع مشترك مع وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة العامّة". وتعمل هذه المستوصفات على تأمين أطباء لتقديم استشارات وخدمات توعوية للسيدات.

 

لا يقلّ الدور التوعوي والتثقيفي والخدماتي للمجتمع المدني عن دوره في التأثير على آليات صنع القرار ووضع السياسات العامة. وتشرح مرعي "المجتمع المدني هو الوحيد القادر على العمل على تغيير الذهنية والعقلية السائدة وكسر المحرّمات".

 

ومن هنا أهمية "التوجه نحو وضع استراتيجية وطنية تحدّد الأنشطة الداعمة للحقوق بالتعاون مع الوزارات المختصّة، وتطوير سياسات التربية الجنسية والحقوق الجنسية والإنجابية وإدماجها ضمن المناهج التعليمية التي تؤمن الحماية والوقاية للجيل الجديد، ما يساهم في التخفيف من جرائم الاغتصاب والحمل غير المرغوب وزيادة الوعي"، وفق مرعي.

 

وتشدّد سعيد على ضرورة بناء "علاقة ثقة مع المراكز التي تهتم بالحقوق الجنسية والإنجابية، خصوصًا في المناطق الريفية المحافظة، التعامل مع الحالات المستعصية لا سيما في هذه المرحلة من الأزمة الاقتصادية الصعبة التي أثرت بشكل أساسي على محاولة تأمين الأدوية المطلوبة للحماية، وهنا تسعى المراكز الطبية بالتعاون مع الجهات والمنظمات الدولية بتأمينها وتغطية الطلبات عليها". 

 

مع ضعف الدور الرسمي وتغيّر الأولويات في ظل الأزمات الحالية، تسعى الجمعيات المحلية لتعزيز تعاونها مع الجهات الدولية المانحة، باعتبار أن بإمكانها أن تشكّل قوة ضاغطة على الجهات الرسمية، وفق ما تشرح تالا مقدّم، مسؤولة التجمع النسائي الديمقراطي - فرع الشمال لموقع "مهارات نيوز". 

 

ومن بين القضايا التي تسعى منظمات المجتمع المدني لكسب تأييد المنظمات الدولية بشأنها، وفق مقدّم، الدفع لإقرار قانون منع زواج القاصرات، عدا عن المطالبة بتعديل قوانين تتعلّق بغالبيتها بالحقوق الجنسية والإنجابية للفئات المهمّشة خصوصاً في المجتمعات النائية.

 

TAG : ,منظمات المجتمع المدني ,الحقوق الجنسية والإنجابية ,الجمعيات ,حملات الضغط ,المناصرة ,الخدمات الصحية ,الحمل ,الإجهاض ,حقوق الإنسان