Loading...

تقليل التكاليف وتفعيل الطاقة النظيفة: أين أصبحت الهبة الصينية المقدمة لأوجيرو؟

 

قدمت الحكومة الصينية في أيلول من العام 2022 إلى هيئة "أوجيرو" هبة تبلغ حوالى 8 ملايين دولار لتزويد أكثر من 380 موقعًا للهيئة بالطاقة الشمسية، مرّ عامًا ونصف على هذا الإعلان ولم يُعرف حتى الآن مصير هذه الهبة وآخر المستجدات المتعلقة بها، والتحديات التي تواجهها.

 

اليوم يعود السؤال البديهي ليُطرح، أين أصبحت هذه الهبة؟ وما الذي أدى إلى تأخّرها؟ وهل سيكون تفعيلها بداية لمشاريع أخرى مستدامة تقلل من التكاليف في القطاع العام، وتوصلنا للطاقة النظيفة؟.

 

وكانت الحكومة الصينية قد وافقت على طلب المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية لتركيب أنظمة الطاقة الشمسية التي تُعتبر حلاً جُزئيًا ومستدام بظل الأزمة التي تواجه لبنان خصوصًا في مسألة تأمين المحروقات لمحطات الإرسال والسنترالات. ومنذ العام 2019 يواجه قطاع الاتصالات في لبنان تحديات عديدة كان أبرزها نفاد مادة المازوت المُشغلّة للمولدات ما تسبب في انقطاع خدمات الاتصالات والانترنت بشكل متكرر، ويعوّل المعنيون على تنفيذ مشروع الهبة الصينية الذي سيؤمن التغذية بشكل مستمر، والأهم توفير الأموال التي تُصرف لشراء المحروقات حيث تتكبد أوجيرو سنويًا حوالى 20 مليون دولار كلفة شراء المحروقات. 

 

مصير الهبة الصينية 

اجتمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في أيلول 2022 مع السفير الصيني في لبنان بحضور وزير الاتصالات ورئيس مجلس الإنماء والإعمار للبحث في تفاصيل الهبة، وكانت هيئة "أوجيرو" قد أعدّت دراسة فنية حول حاجاتها وسلمتها إلى الحكومة الصينية، وتكبدت "أوجيرو" في العام 2020 حوالي  5.4 مليون دولار ككلفة مازوت لذلك تُعتبرالهبة بمثابة خطوة مهمة  لتقليل حجم المبالغ التي تُصرف على استهلاك المازوت. 

 

وحول مصير الهبة،  يؤكد المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية في حديث لموقع "مهارات نيوز" أنه قد تم التوقيع على الهبة الصينية وهي في طريقها إلى لبنان ومن المتوقع تسلّمها أواخر الربيع أو بداية فصل الصيف، وقد طلبت الحكومة الصينية أن يكون التركيب على  نفقة هيئة "أوجيرو" ولم يكن هناك مشكلة مع هذا الطلب.

 

وعن سبب التأخير في تسلّم الهبة، يقول كريدية "إن الحكومة الصينية تُجري مناقصات في الصين وفق نظام إداري خاص بالدولة، وبالتالي كنّا على علم بأن المسألة تتطلب وقتًا لإنجازها، و سنباشر بتركيب نظام الطاقة الشمسية النظيفة وسنبدأ الاستفادة منه مع بداية هذا الصيف (2024).

 

أما بالنسبة إلى المدّة المتوقعة التي قد تستغرقها هيئة "أوجيرو" في عملية التركيب، يشير كريدية إلى أنها تختلف حسب المنطقة وأحجام السنترالات الموجودة وحاجتها إلى الطاقة. وعليه، سيُحدد جدولاً للتركيب بعد دراسة الأعمال اللوجستية التي يجب توافرها قبل تركيب هذه الطاقة مثل ألواح الحديد، تأمين البطاريات وغيرها…

 

هذا المشروع قادر وِفق كريدية  أن يوفر بين 35 إلى 40 في المئة من فاتورة المازوت التي تتكبدها المواقع اليوم لتوفير الطاقة، فضلا أن الطاقة الشمسية تضمن استمرارية عمل السنترالات، حيث أن مولدات الكهرباء الخاصة غير قادرة على تأمين ذلك طوال الوقت، وقد سبق وتوقفت عن العمل لبعض الوقت من دون وجود حل بديل.

 

 

هدر في قطاع الاتصالات والرقابة غائبة

من الهبة الصينية إلى المبادرات التي تقوم بها شركتا الخليوي "تاتش" و"ألفا" لتأمين الطاقة البديلة وضمان استمراريتها في ظل عجز المولدات وتقنين كهرباء لبنان. وأمام هذا الواقع، سارعت شركة "تاتش" إلى تركيب ألواح طاقة شمسية لضمان استمرارية عمل بعض السنترالات، وتبعتها شركة "ألفا" بُغية تأمين الخدمة نفسها وضمان عدم الانقطاع.

 

وفي هذا الصدد، يقول مدير المحتوى الرقمي في منظمة "سميكس" عبد قطايا لموقع "مهارات نيوز"، "تركيب الطاقة الشمسية كان يجب أن يكون قبل الأزمة وليس بعدها، وقد صُرفت أموالاً كثيرة لشراء المازوت قبل أن يفكروا في هذا الحل البديل، ونقول بصراحة لقد تأخروا كثيرًا قبل اللجوء إلى الطاقة الشمسية". 

 

وبحسب قطايا فإن الأموال قبل الأزمة الاقتصادية كانت  تُصرف على أشياء "سخيفة وتافهة" ولم يفكر أحد باستثمار هذه الأموال على الطاقة النظيفة أو أي طاقة مستدامة، لذلك لم يعمد أحد إلى تركيب الطاقة النظيفة بسبب وجود سرقات وهدر بشكل كبير. 

 

وبالاستناد إلى تقرير لديوان المحاسبة، حصّل قطاع الاتصالات بين العام 2010 حتى العام 2020 حوالى 17 مليار دولار، تمّ تحويل 11 مليار دولار منها إلى خزينة الدولة وبقي 6 مليار دولار كنفقات تشغيلية صُرفت هباءً وعكست هدرًا كبيرًا في القطاع.

 

وتناول تقرير ديوان المحاسبة المؤلف من 146 صفحة، أغلب أبواب الهدر والفساد والمخالفات القانونية، التي تعاقبتْ على القطاع منذ العام 2010 إلى العام 2020، وقد قُسِّم إلى ثلاثة أقسام: تنظيم قطاع الاتصالات، الوضع المالي للقطاع، وأخيرًا التجاوزات والنتائج والتوصيات، وطال البحث الهيئة المنظمة للاتصالات، هيئة أوجيرو، وقطاع الخليوي.

 

الحاجة لتنظيم القطاع

في خِضمّ هذه المشاريع وهدر الأموال التي  طالت قطاع الاتصالات، يبرز السؤال عن الهيئة المنظمة للقطاع  ولماذا لا يتم تفعيلها، وتعيين مجلس إدارة جديد لها؟

 

تأسست "الهيئة المنظمة للاتصالات" وهي مؤسسة عامة مستقلة، بموجب القانون 431/2002، وأُنيط بها تحرير وتنظيم وتطوير قطاع الاتصالات في لبنان، وباشرت الهيئة بالقيام بعملياتها إثر تعيين مجلس إدارتها في شهر شباط 2007، حيث تولى كمال شحادة رئاستها بالإضافة إلى تعيين 3 أعضاء آخرين.

 

يستذكر رئيس الهيئة بالإنابة أمين مخيبر الهدف من إنشاء الهيئة، والعراقيل التي واجهتها قبل أن يتم وضع اليد عليها، ويوضح في حديثه لـ"مهارات نيوز" أن السبب وراء إنشاء الهيئة المنظمة لقطاع الاتصالات يعود إلى مؤتمر باريس 3 حيث اشترط الاتحاد الأوروبي إنشاء هيئة لقطاع الاتصالات كسائر الدول في العالم بهدف تنظيم القطاع وإيقاف الهدر، مع الإشارة إلى أن أموالًا هائلة كانت تدخل إلى الدولة اللبنانية عبر قطاع الإتصالات.

 

ينصّ القانون وفق مخيبر على أن تُموّل الدولة اللبنانية الهيئة في أول سنتين وبعدها تستوفي الهيئة أموالها من المشغّلين، إلا أن ذلك لم يتحقق. وبقيت الهيئة تستوفي أموالها من الدولة اللبنانية وأصبح لها تبعية للدولة  ولوزارة الاتصالات، وبات وزير الاتصالات من  يملي على الهيئة ما يتوجب عليها القيام به.

 

"شهدنا علاقات رديئة بين المجلس الإداري والوزراء المتعاقبين إلى أن تقدم كمال شحادة رئيس الهيئة باستقالته واستلم عماد حب الله الرئاسة لأنه الأكبر سنًّا وفق القانون، وفي العام 2012 ترك الأعضاء الثلاثة المجلس وبقي حب الله الممثل الوحيد فيما كنتُ أعاونه بما أني كنت أمين سرّ الهيئة".

 

يُذكر أنه في العام 2015، وقع خلاف بين حب الله والوزير السابق بطرس حرب الذي كف يد حب الله عن الهيئة وتم تعيين  أمين مخيبر ككقائم بالأعمال ومدير للهيئة، ومنذ ذلك الوقت يدير مخيبر الهيئة بمبدأ تصريف الأعمال بنطاقه الضيق.

 

يعتبر مخيبر أنه هناك توجه لعدم تفعيل عمل الهيئة، فوفق القانون يُفترض أن تكون الهيئة العين الساهرة والمستقلة التي تضمن سير المشاريع وتساوي فرص المنافسة العادلة وضمان حقوق المستهلكين للحصول على خدمة جيّدة، إلا أن كل الوزراء المتعاقبين لم يسعوا إلى تعيين مجلس إدارة جديد للهيئة برغم من كل الكتب التي أُرسلت إلى الوزارة لتحقيق هذا الهدف، ويقول مخيبر: "أطلعتُ الوزير الحالي جوني القرم ضمن  المساعي الأخيرة، على هذه التفاصيل، وتمنيتُ عليه العمل على تنفيذ هذا المطلب حتى تعود الهيئة لممارسة مسؤولياتها".

 

 

مشاريع متعثرة

تعمل الدُول جاهدة لتطوير قطاعاتها والسعي إلى مشاريع تُدر أموالاً إلى خزينتها مقابل توفير خدمات جيدة لمواطنيها، في حين نجد لبنان يتخلى عن العديد من المشاريع القادرة على النهوض بقطاع الاتصالات بسبب المحاصصات و الخلافات والمناكفات السياسية.

 

وفي هذا الإطار، تحدث مخيبر عن مشروع قادر على إدخال المال إلى الدولة والحفاظ على الأمن السيبراني في الوقت نفسه، ويطرح المشروع تسجيل دخول جميع الأجهزة الإلكترونية التي تصل إلى لبنان عبر المرفأ أو المعابر الشرعية وغير الشرعية من قبل الهيئة المنظمة للاتصالات. 

 

وتعمل الهيئة على إعطاء "باركود" خاص لكل جهاز وتوثيق رقمه IMEI في سجلات الهيئة وحِفظ كل المعلومات المتعلقة به ( تاريخ وصوله إلى لبنان ولمن يعود هذا الجهاز)، ولكن نتيجة لعدم تفعيل دور الهيئة خسرت الدولة أموالاً كثيرة كان يمكن كسبها بهذا المشروع مقابل الاستمرار في التهرب من الرقابة لإبقاء السيطرة على القطاع.

 

من جهة أخرى، يُعيد قطايا الحديث عن مشروع مُقترح يُطلق عليه اسم "التجوال الرقمي" والغاية منه تأمين خدمة الاتصالات بصورة جيدة وجودة عالية. كيف؟ في حال كان الشخص متواجدًا في منطقة مُعينة وهاتفه متصل على شبكة "ألفا" مثلًا وانقطع الإرسال في تلك المنطقة، يمكن لهاتفه تلقائيًا الانتقال على شبكة "تاتش".

 

ويقول قطايا: "هذا المشروع أُعيد الحديث به وطرحناه للتنفيذ خصوصًا بعد الأزمة الإقتصادية لأنه يساعد على تحسين الخدمة من جهة وتقليل التكاليف من جهة أخرى، إلا أننا قوبلنا بالرفض تحت ذريعة المشاكل التقنية".