Loading...

نهر البردوني تحت المجهر والتحقيقات حول التلوّث مستمرّة...

 

وسط تصاعد المخاطر البيئية في لبنان، تشكّل أزمة تلوّث نهر البردوني نموذجاً واضحاً للتعدّيات التي تهدّد الأنهار اللّبنانيّة، إذ لطالما كان هذا النّهر موضع تحقيقاتٍ مستمرّة. وفي الآونة الأخيرة، أثار تغيّر لون مياه النهر إلى الأسود استياء أهالي زحلة، خصوصًا أصحاب المطاعم في وادي البردوني، الذين يُحمّلون بلدات مجاورة لزحلة كبلدة قاع الرّيم، مسؤولية التلوّث وتأثيره السّلبي على القطاع السّياحي في المنطقة، بسبب تواجد مصانع عدّة في هذه البلدة.

 

تتصاعد هذه المخاطر البيئية وتأثيراتها، وفي ظلّ انتهاء الانتخابات البلدية وفرز مجالس بلدية جديدة تحمل مشاريع ووعود انتخابية، لا بد من إعادة طرح الملف خصوصا مع الضرر الكبير الذي يسبّيه تلوّث نهر البردوني على كل القرى المجاورة وعلى الثروة المائية في لبنان بشكل عام.

 

لذا، من المهم طرح العديد من  التساؤلات الجوهرية حول مسار التحقيقات وإجراءات الكشف التي تتخذها مصلحة الليطاني، بالإضافة إلى آخر النتائج حول مصادر تلوّث نهر البردوني. فهل تم تحديد الجهات المسؤولة بشكلٍ دقيق؟ وفي ظلّ انتهاء الانتخابات البلدية وما حملته معها من وعود وبرامج، ما هي الخطوات العملية التي ستعتمدها بلدية قاع الرّيم الجديدة  تحديداً لتغيير الوضع؟

 

شريان حيوي

قبل الغوص في الكشف عن الأسباب الملوّثة للنهر، لا بدّ أولاً من معرفة بعض المعطيات المتعلّقة في هذه القضية.

إذ ينبع نهر البردوني من السفح الشرقي لجبل صنين، حيث يتدفّق من ارتفاع 1350 متراً عن سطح البحر، ويمرّ عبر بلدة قاع الرّيم وصولاً إلى وادي العرائش، قبل أن يلتقي بمجرى  نهر الليطاني في قلب مدينة زحلة. ويعدّ هذا النهر الشّريان الحيوي لمنطقة البقاع الأوسط خاصةً لزحلة وقاع الرّيم.

 

ففي زحلة يمثّل وادي البردوني وجهة سياحية بارزة حيث تنتشر على ضفافه المطاعم والمقاهي، ممّا يجعله جزءاً من الهوية السّياحية للمنطقة.

أمّا زراعياً فتعتمد الأراضي الزراعية هناك على مياهه لري المحاصيل من فواكه وخضروات. كما وتستخدم مياهه أيضاً في تعبئة المياه المعدنية، إذ تتوزّع بالقرب من مجراه معامل تعبئة المياه وتعتمد عليه بعض المعامل الصّناعية المحلّية في عملياتها الإنتاجية. هذه المنشآت الصناعية القريبة، والتي تقع معظمها في قاع الرّيم، قد تساهم في زيادة تلوّث النهر بسبب تصريفها للمواد الكيميائية السّامة.

 

مصلحة الليطاني تلاحق مصادر التلوّث

باشرت الفرق الفنية في المصلحة الوطنية لنهر الليطاني عمليات الكشف الميداني على مجرى نهر البردوني منذ 26 آذار 2025، حيث تمكّنت من تحديد مصادر التلوّث وإغلاق عدّة أنابيب صرف صحي مجهولة المصدر.

وفي 3 نيسان 2025، نفّذت المصلحة تحقيقاً تقنياً بإشراف النيابة العامة البيئية في زحلة، ما أتاح رصد مسار قسطل مخفي تابع لبلدية زحلة يُستخدم لتصريف مياه ملوّثة نحو النهر. وقد أُغلِق مؤقتاً منعاً لأي تسريب إضافي.

 

وبتاريخ 17 نيسان 2025، تم التأكّد أنّ القسطل هو مصدر انبعاث المواد الملوّنة في المياه، إذ لوحظ تدفّق الألوان البيضاء والسوداء فور فتحه. وفي 8 أيار، أُرسِلت عينات المياه إلى مختبرات الجامعة الأميركية في بيروت لتحليلها، مما كشف احتواءها على خليط من مياه الصرف الصناعي والغذائي (الألبان والأجبان)، إضافةً إلى الصرف الصحي المنزلي غير المعالج. وبناءً على ذلك، اتُّخذ القرار بإغلاق القسطل نهائياً للحيلولة دون مزيد من التصريف الملوّث.

 

خطوات متعدّدة للحدّ من التلوّث

وفي بيانٍ رسميّ صادر عن مصلحة الليطاني، شملت أمال الكشف التي تقوم بها الفرق المختصّة الخطوات الإجرائية التالية، والتي شملت: 

 

 

وأكّدت المصلحة أن هذه الإجراءات تمثّل خطوةً رئيسية في إنهاء أحد الأسباب الرّئيسية لتلوّث نهر البردوني، مشيرةً إلى أن وجود هذا القسطل واستخدامه كان معلومًا لجهات محدّدة ومستفيدة.                                                                       

كما شدّدت على استمرار الملاحقة القضائية بإشراف النيابة العامة البيئية بحق كل من يظهره التحقيق متورطًا أو متواطئًا في هذه المخالفة البيئية، إلى جانب اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد أي جهة إدارية أو صناعية يثبت تورطها في ارتكاب أو تغطية هذا التعدّي.

 

وفي سياق التحقيقات الميدانية المتعلّقة بتلوّث نهر البردوني، أفاد المهندس الموظف السابق في بلدية زحلة نديم الحجار،  لـ"مهارات نيوز" بعدم معرفته بمصدر صرف القسطل الواقع ضمن النطاق البلدي وبجوار السرايا والحديقة العامة، وذلك في إخبارٍ موجّه من رئيس الإدارة والمدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، الدّكتور سامي علوية، إلى كل من وزير الداخلية والبلديات العميد أحمد حجار والرئيس السّابق لبلدية زحلة وتعنايل، المهندس أسعد زغيب، بشأن تدفّق ملوثات المجرور إلى النهر.

 

تحليل المختبرات يكشف عن مكونات تلوّث نهر البردوني 

استناداً إلى التحاليل التي أُجريت في مختبرات الجامعة الأميركية في بيروت، بعد إرسال عينات من مياه نهر البردوني من قبل الفرق الفنية التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، فقد كشفت النتائج عن مستويات مرتفعة جدّاً لكل من الفسفور (1.65 ملغم/لتر)، والطلبين الكيميائيCOD(1050ملغم/لتر)والبيولوجي للأوكسجين ( BOD443 ملغم/لتر)، هذا وما يشير إلى تلوّث كثيف، غالباً ما يرتبط بتصريف غير منضبط لمياه الصّرف الصّحي والمنظفات والمخلفات الصّناعية. أمّا بالنسبة لارتفاع نسبة الحديد (589 ميكروغرام/لتر) يطرح أيضاً علامات استفهام حول مصادر  التلوّث الصّناعي أو تآكل البنى التحتية القديمة. أمّا وجود النيكل والكروم والمنغنيز بنسب وإن كانت ضمن الحدود المقبولة، إلا أنّها تؤشر إلى وجود خليط من الملوثات ذات المنشآ الصّناعي والزراعي.

 

 

أمّا فيما يتعلّق بتصريف الصّرف الصّحي الصّناعي، فقد أوضحت التحاليل المخبرية، وفقاً لما أشار إليه رئيس الإدارة والمدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، الدّكتور سامي علوية، عدم وجود أي دليل واضح على التلوّث الصناعي في نهر البردوني، رغم بعض المؤشرات التي قد تدلّ على تسرّبات مرتبطة بالكرتون وغيره. ورغم ذلك، تبقى المؤسسات الصناعية عرضة لبعض الخروقات البيئية بين الحين والآخر.

 

إجراءات بلدية قاع الريم الجديدة لحماية البيئة

بحسب المادة الأولى من قانون الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، تعرّف البلدية بأنّها إدارة محلية، تقوم، ضمن نطاقها، بممارسة الصلاحيات التي يخولها إياها القانون، ومن أهمّها الصلاحيات التي تصبّ في مصلحة البيئة.

 

من هنا، وضمن معركتها الانتخابية الأخيرة، وقبل فوزها، شكّل ملف مشروع حماية البيئة إحدى الرّكائز الأساسية في البرنامج الإصلاحي للائحة "قاع الرّيم تتجدّد"، إذ تسعى إلى تجديد العمل البلدي في بلدة قاع الريم من خلال رؤية تنموية شاملة ومستدامة، وركّزت حينها اللائحة على تحسين نوعية حياة السكان عبر مشاريع وخطط تمتد إلى مجالات البيئة، الصحة، التعليم، السياحة، تمكين الشباب، والابتكار التكنولوجي، مستلهمةً مبادئ العدالة الاجتماعية وأهداف التنمية المستدامة لعام 2024.

 

وفي إطار عمل البلديات، صرّح غسان صليبا لـ "مهارات نيوز" عن الإجراءات الفورية التي ستتخذها بلدية قاع الرّيم من بينها القيام بمسحٍ لكل شبكات الصّرف الصحي كونها قديمة العهد ومترهّلة، خاصةً تلك القريبة من نهر البردوني والأساسية.

 

أمّا بالنسبة لمسؤولية البلدية تجاه المصانع والمعامل كافّة فتكمن في مراقبة ما ينبعث منها من نفايات صناعية كالفيول والصّبغات والصّرف الصّحي التي تؤدي إلى أضرار بيئية جمّة

 

تعاون متبادل بين بلدية قاع الريم ومصلحة الليطاني

أشار الدكتور سامي علوية على أنّه منذ إقفال هذا المصرف، الذي كان يخضع لحماية بلدية زحلة ورعايتها، لم يطرأ أي تغيير على لون مياه النهر أو جودتها، مؤكّداً أنّ التحقيقات  لا تزال جارية، وأنّ عمليات الرّقابة مستمرّة تحت إشراف النائب العام البيئي القاضي إياد بردان في فصيلة زحلة.

 

وقد أكّد كلّ من علوية وصليبا عن الاستعداد التام والتعاون بين الجهتين، مردفاً الأخير أن مصلحة الليطاني مجهّزة أكثر من البلدية بالنسبة للتحقيق البيئي الجنائي والمراقبة، إذ لديها الخبرة الكافية والأجهزة المناسبة، وبلدية قاع الرّيم على استعداد للمؤازرة والمساعدة في تسهيل العمل للوصول إلى تحقيق معمّق للتأكّد من هذا الموضوع من قبل مصلحة الليطاني والقضاء ولمعالجة المشكلة.

 

وعليه، إنّ التحقيقات في قضية نهر البردوني لا تزال قائمة، إذ تُظهر أنّه لا علاقة مباشرة بين النفايات الصّناعية والتلوّث الحاصل. ومنذ إقفال القسطل اللقيط لم يعد يُلاحَظ أي تغيّر في لون المياه. ولكن يبقى على المواطنين والمعنيين الحفاظ على البيئة كلٍّ من موقع مسؤوليته.

TAG : ,نهر البردوني ,تلوث المياه ,الزراعة ,الصحّة ,نفايات صناعية ,مصلحة الليطاني ,بلدية قاع الريم