Loading...

فوضى الأقساط في المدارس الخاصّة مستمرة والأهالي يناشدون الرقابة

 

"900 دولار زيادة على كل طفل" بهذه الكلمات تختصر رنا، أم لطفلين، صدمتها من زيادة قسط العام الدراسي الجديد. وتتساءل بامتعاض: "كيف يبرّرون هذه الزيادة بينما سعر صرف الدولار لا يزال ثابتًا؟". لا تجد رنا أمامها خيارًا سوى الرضوخ، فالمسافة بين المدرسة والمنزل، والأوضاع الأمنيّة، يحكمان قرار البقاء فيها.

 

في المقابل، تترقّب سلمى الأسبوع الأخير من العطلة الصيفيّة بخوف قائلةً: "ابنتي في صف الترمينال، وهي سنة حاسمة لذا فقسطها الأغلى ولا خيار لنا إلا الاستعداد له". 

 

هذه الزيادات المرتقبة في الأقساط، والتي بدأت بعض المدارس الإعلان عنها، تترك الأُسر في مهبّ القلق، وتُعيد الحديث عن فوضى تحديد الأقساط في المدارس الخاصة، وكيفية ضبطها.

 

عمليًا هو العام الدراسيّ الأوّل بعد انطلاقة العهد الجديد، ومعه يُعاد طرح الملف التربويّ بوصفه حجر الزاوية في بنية أيّ مجتمع وأساس أي إصلاح مُرتجى. إلّا أنّ هذا القطاع لا يزال مُثقلًا بالشوائب، وعلى رأسها ارتفاع الأقساط المدرسيّة في المدارس الخاصّة من دون حسيبٍ ولا رقيب، وهي القضيّة التي تشكّل مصدرًا للقلق لدى الأهالي في كل عطلة صيفيّة، فيما تبقى الحلول معلّقة بانتظار تفعيل القوانين الناظمة، وأوّلها القانون 515 الذي يظم الموازنة المدرسية ويضع أصول تحديد الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة غير المجانية.

 

المدارس تتذرع برواتب المعلّمين

في إطار الرّد على تساؤلات الأهالي لجهة الزيادة غير المبرّرة للأقساط، يوضّح أمين عام المدارس الكاثوليكيّة الأب يوسف نصر في حديثه لـ "مهارات نيوز" أنّ هناك سببين رئيسيين وراء ارتفاعها، أوّلًا تعود الزيادة إلى كلفة تطبيق القانون 12/2025، وملحقاته في القانون 5/2025، لا سيّما في ما يتعلّق بإعداد الموازنة المدرسيّة للعام القادم، وإلزام المدارس بالتصريح عن صندوق الدعم (الذي كان بالدولار الأميركي) وسيصبح بالليرة اللبنانية ويُدرج ضمن الموازنة، فضلًا عن اقتطاع المحسومات المتوجبة لصندوق التعويضات والضمان من رواتب المعلّمين. كل ما سبق، بحسب نصر، يفرض ارتفاعًا معيّنًا في الأقساط. 

 

ثانيًا، ترتبط الزيادة بالمطالب المستمرّة للمعلّمين بتحسين أوضاعهم المعيشية، ضمن مسار تصاعدي لمعالجة تداعيات الأزمة الاقتصاديّة وتدهور الأجور، ويعتبر ما نشهده اليوم خطوة جديدة  في سياق هذا المسار الإصلاحي.

 

ويضيف نصر: "نقوم بكلّ ما بوسعنا لتبرير هذه الزيادات أمام الأهالي، سواءً عبر وسائل الإعلام أي من خلالكم أو عبر منصّات التواصل الاجتماعي، لكن من المؤكّد أنّه لا بدّ من تحقيق توازن بين المداخيل والمصاريف". ولدى سؤاله عن ردّة فعل الأهالي، يُشدّد بالقول: "الأهل حريصون على تعليم أولادهم، ويتفهّمون الحاجة إلى تصحيح أجور المعلّمين، لكن المسألة تحتاج إلى دراسات استباقية. وما يُنشر من أرقام اليوم يبقى أوليًّا، ولا يُعدّ رسميًّا إلّا بعد نهاية الفصل الأوّل من العام الدراسي المقبل".

 

ويلفت إلى أنّه، استنادًا إلى القانون 515، تُجرى دراسات علمية داخل كلّ مدرسة، ومنها المدارس الكاثوليكيّة، لتحديد قيمة الزيادة، شرط أن تكون منطقية ومبرَّرة وفقًا لقدرة الأهل على التحمّل، مشدّدًا على أنّ الزيادة لا يمكن أن تكون موحّدة أو معمَّمة، بل تتفاوت بحسب البيئة والأوضاع الاجتماعية للأهالي.

 

لجان الأهل: لتفعيل الحق القانونيّ في مواجهة العشوائيّة 

بينما تستبق المدارس الخاصّة إقرار زيادات عشوائيّة على الأقساط، تتمسّك لجان الأهل بدورها في التدقيق والمساءلة. حيث شكت لجان الأهل في العامين الماضيين تحييدها عن الإطلاع على الموازنات المدرسية المحددة بالدولار. وفي هذا السياق، تؤكّد رئيسة اتحاد لجان الأهل لمى الطويل أنّ كل الأقساط التي تُعلن عنها المدارس مع نهاية العام الدراسي هي غير قانونية، فالموازنة المدرسية تتم دراستها في الفصل الأول من العام الدراسي القادم، وتضيف مستنكرةً "كالعادة المدارس الخاصة تقوم بهذا الضغط مع نهاية كل عام رغم أن معظمها قد عادت أقساطها إلى ما قبل الأزمة".

 

كما أوضحت سعيهم كاتحاد لجان أهل لإقرار القانون الذي صدر مؤخرًا في الجريدة الرسمية والذي يفرض على المدارس أن تُصرّح عن صندوقها الأسود أي الأقساط التي تستوفيها بالدولار من خارج الموازنة وأصبحت مجبرةً أن تقدم براءة ذمة مالية وتقرير خبير محلف يدقق في حساباتها، فضلًا عن إنجاز قطع حساب للعام السابق لعله، متأمّلةً "ضبط عشوائية الأقساط ولكن واجب وزارة التربية أن تلاحق المخالفين".

 

وشدّدت الطويل في حديثها لـ "مهارات نيوز" على خطورة ضرب إدارات المدارس بالقوانين وحقوق لجان الأهل في التدقيق عرض الحائط، معوّلةً على حكمة وزيرة التربية وإرادتها في عهد الإصلاح. كما دعت كافة لجان الأهل المتضررين من الزيادات أن يلجؤوا إلى قضاء العجلة لتوقيف هذه الزيادات كونهم أصحاب حق، ولرفع الضرر عن الأهالي حتى تتم دراسة الموازنات وتحديد الأقساط من قبل الهيئات المالية في اللجان. 

 

وتختم الطويل "نحن كإتحاد جاهزون لأي مساعدة قانونية فلا ينفع الاعتراض على وسائل التواصل، بل يجب اللجوء الى مصلحة التعليم الخاص والقضاء وإذا تبين بعد التدقيق أن الزيادة محقة فلن يتورّع الأهل عن دفعها وإن كانت غير محقة فعلى المدارس أن تتراجع عنها وألّا تخالف القوانين".

 

تعديل القانون 515 يُفعّل المحاسبة

تعتبر النائبة حليمة قعقور، مُقدِّمة اقتراح القانون الرامي إلى تعديل أحكام القانون 515، في حديثها لـ "مهارات نيوز" أنّ فوضى الأقساط ناتجة عن غياب القضاء وعن عدم قدرة الوزارة على القيام بمهامها التي أوكلها لها القانون. إضافةً إلى الفوضى التشريعية الموجودة والناتجة عن مشكلة سعر صرف  الدولار والتي لم تعد موجودة. كما ترى قعقور أن الحل في العودة إلى القانون 515 الذي يحدد كل ما تستوفيه المدرسة إلزاميًا من التلاميذ من الأقساط، بالإضافة إلى التوازنات الموجودة فيه بالنسبة للنفقات والإيرادات.

 

وللحكم على مدى الالتزام بالقوانين يجب بحسب قعقور توجيه السؤال إلى وزارة التربية وإلى الوزيرة وإلى مصلحة التعليم الخاص، فبأيديهم القدرة على الضبط، وتسليم لجان الأهل والأهالي القرارات المتعلقة بالأقساط، وتمكينهم من الحصول على القرارات من قضاء العجلة بمنع المدارس من استيفاء الزيادات. كما تشير قعقور إلى أنّ المجالس التحكيمية حتى الآن لم تتشكل، وأنّ بغيابها يصبح اللجوء إلى قضاء العجلة لاتخاذ تدابير مؤقتة تمنع المدارس من استيفاء زيادات غير قانونية هو الحل الأمثل في الوضع الحالي.

 

وتضيف، "على الوزارة والسلطة التنفيذية إذا كانتا مهتمتان فعليًا بوضع حد لفوضى الأقساط أن تُصدرا مرسوم تشكيل مجالس التحكيم التربوية وهي القضاء المختص بالنزاعات بين الأهالي والمدارس بخصوص أقساط المدارس".

 

ولدى سؤال النائبة قعقور عن أبرز التعديلات المقترحة على القانون 515 لتحقيق رقابة فعليّة على زيادة الأقساط تُجيب:"أهم تعديل هو إدخال مبدأ الرقابة المالية ومبدأ التدقيق المالي في المدرسة وذلك لتفعيل المحاسبة، إضافةً إلى الالتزام بمبدأ وحدة الحسابات والشفافية المالية ضمن إطار تنظيم الموازنة المدرسية والحسابات المالية للمدرسة، مع التأكيد على دور لجان الأهل بالإطلاع على المستندات وعلى القيود المحاسبية والوثائق التي تحفظها المدرسة بمعرض دراسة الموازنة المدرسية ودراسة الحسابات النهائية لتدقيقها.

 

وتضيف أن من أهم التعديلات أيضّا تقوية النصوص المتعلقة بالكتب المدرسية والحماية من الاحتكار، والتشديد على موضوع النقل المدرسي وحماية التلاميذ المتعلقة بالنقل المدرسي، ووضع ضوابط ونصوص واضحة متعلقة بانتخابات لجان الأهل. كما إلزام المدارس بإجراء الانتخابات تحت طائلة العقوبات. وختامًا وضع ضوابط لتقوية دور الوزارة في مراقبة المدارس ومنعها من استيفاء ما هو مخالف للقانون، عبر تقوية نص المادة 13 لتستطيع الوزارة التحرك وعلى وجه السرعة من دون تعسف لا من الأهل ولا من الوزارة ولا من المدارس.

 

 

أزمة الأقساط تاريخيّة

يصف الصحافيّ المتخصص في الشأن التربوي، وليد حسين، أزمة الأقساط المدرسيّة بأنها "أزمة تاريخيّة" تمتدّ لسنوات، مؤكّدًا أنّه كتب مئات المقالات حولها، لكن التّعسف في هذا الملف يتجلّى كل مرّة بشكل مختلف. 

 

وأوضح لـ "مهارات نيوز" أنّ التناول الإعلامي المتكرّر لهذه القضايا ساهم في تشكيل رأي عام ضاغط، إلّا أنّ هذا الضغط لم يُترجم إلى خطوات ملموسة على أرض الواقع، وكأنّ هناك حالة "تكلّس" في القرار التربوي، تمنع أي تغيير حقيقي.

 

ورأى حسين أنّ أحد أبرز مظاهر هذا الجمود هو غياب التجاوب من قبل صنّاع القرار، رغم وضوح المشهد وصرخة الناس، مشيرًا إلى أنّ الأهالي باتوا يعيشون تحت رحمة إدارات المدارس، من دون حماية فعليّة، في ظل غياب شبه تام لتحرّكهم الجماعي أو حتى مشاركتهم في التظاهرات. وأضاف:" حتى وتيرة احتجاجات الأساتذة نفسها تراجعت بشكل ملحوظ".

 

كل هذا بحسب حسين يأخذنا لضرورة تفعيل المجالس التحكيميّة ووضع آليات واضحة لتشكيلها، باعتبارها أداة ضروريّة لضبط العلاقة بين المدارس والأهالي، وضمان تطبيق القانون.