"أشعر بخوف دائم على صحة أولادي"، بهذه الكلمات بدأت امرأة من قضاء زغرتا حديثها، معبّرة عن الصعوبة اليومية التي تواجهها بسبب انتشار المكبات العشوائية على جوانب الطريق المؤدية إلى زغرتا من جهة طرابلس.
وتقول سارة وهي أم لثلاثة أولاد: "التنزه على الطريق لم يعد ممكنًا، إذ أصبح مزعجًا ومقرفًا بسبب النفايات المتراكمة، وحتى عندما نرمي كيسًا من القمامة نشعر بأننا نرتكب جريمة بيئية".
ليست مكبّات النفايات العشوائية مشهدًا جديدًا على اللبنانيين، فمن طرابلس إلى عكار، وصولًا إلى زغرتا، تتكرر الصورة ذاتها: أكياس مرمية على جوانب الطرقات، روائح كريهة، وغياب شبه تام لأي استراتيجية واضحة ومستدامة. في مجدليا تحديدًا،، أي عند مدخل زغرتا تتفاقم أزمة النفايات يومًا بعد يوم.
ومع انتهاء الانتخابات البلدية، وبدء المجالس الجديدة ممارسة مهامها، يعود السؤال الأساسي إلى الواجهة: ما الذي ستفعله البلديات الجديدة، وتحديدًا بلدية زغرتا، حيال هذا الملف المزمن؟ لا سيما أن المجلس الجديد أكّد أن ملف النفايات سيكون من أولوياته القصوى في المرحلة المقبلة.
والجدير بالذكر أن البيئة تُعد من المحاور الأساسية في "إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار" (3RF) الذي أُقرّ بعد انفجار مرفأ بيروت، والذي شدّد على ضرورة إرساء حلول بيئية مستدامة، ومساءلة الجهات المعنية، وتعزيز الشفافية والشراكة مع المجتمع المدني، لضمان استجابة فعّالة للأزمات.
فهل ستتمكّن بلدية زغرتا من تحويل وعودها إلى خطط ملموسة تنهي حقبة المكبّات العشوائية؟ أم أنّ الأزمة ستُرحَّل من مجلس إلى آخر كما جرت العادة؟
قضاء زغرتا يُعدّ من المناطق اللبنانية النشطة على الصعيدين السياحي والتجاري، إذ يضم مؤسسات تربوية وقضائية وجامعات مرموقة، لكن مشهد النفايات المتراكمة على مدخله من جهة مجدليا أو طرابلس يقدّم صورة مناقضة تمامًا لهويته الثقافية والحضارية.
فعلى جوانب الطريق الذي يفترض أن يستقبل زوار القضاء وطلابه وضيوفه، تتكدّس القمامة وهذا المشهد يطرح تساؤلات جدّية حول مدى التزام المسؤولين بترجمة صورة القضاء كما يجب، خصوصاً مع الوعود التي أطلقتها البلدية الجديدة.
أزمة النفايات: الحلول تواجه عراقيل
البلدية السابقة أصدرت بياناً في السادس من تشرين الثاني ٢٠١٩، أشارت فيه إلى أن "كل الحلول، سواء المؤقتة منها أو المقترحة، واجهت عراقيل"، مؤكدة في الوقت نفسه استمرار الجهود بالتعاون مع اتحاد بلديات قضاء زغرتا "للتوصل إلى حلول مستدامة" بملف النفايات.
ورغم إقرار الدولة استملاك عقار لاستخدامه كمطمر صحي للعوادم، وإتمام الدراسات البيئية والتقنية المطلوبة، فإن التنفيذ بقي معطلاً، وسط تقاعس الجهات الرسمية المعنية، بحسب البيان. منذ ذلك الحين ما زال المواطنون يترقّبون "التغيير المنشود"، وقد شكّل ملف النفايات الهمّ الأول لدى السكان نظراً لما له من تأثير مباشر على حياتهم اليومية، وصحتهم.
هنا يقول سايد أحد سكان البلدة لمهارات نيوز إنّ "المجلس البلدي السابق أطلق العديد من الوعود، لكن لم يُترجم شيء منها إلى خطوات ملموسة. وملف النفايات كان من أبرز البنود التي طرحها خلال حملته الانتخابية، لكن لم نشهد أي حل فعلي".
المجلس البلدي الجديد: الفرز هو الحلّ الأكثر واقعية
يقول رامي، أحد المواطنين لمهارات نيوز: "لا أرى أن هناك جهوداً تبذل لتحسين الوضع فعلياً وإن وجدت فهي لا تظهر على أرض الواقع، ولا يشعر بها المواطنون. فمشهد النفايات المتراكمة لعدة أيام، وأحيانًا لأسابيع، من دون معالجة فعلية، يعكس غياب خطة واضحة أو طويلة الأمد. ما يحدث هو رفع جزئي للنفايات يُنفذ بطريقة عشوائية، وكأن هذا الملف لا يشكّل أولوية لدى المعنيين".
لذا، وفي محاولة للاطلاع على الخطط الفعلية التي تنوي البلدية الجديدة تنفيذها، تواصلنا مع رئيسها بيارو الدويهي، الذي أكّد لمهارات نيوز أنّ النفايات المتراكمة عند مداخل المدينة ليست من إنتاج البلدية أو بتعبير أصحّ، الشاحنات التابعة للبلدية لا تكبّ هناك.
ويوضح أنّ هذا المكب العشوائي تشكّل نتيجة قيام أشخاص من قرى وبلدات قضاء زغرتا برمي أكياس النفايات من نوافذ سياراتهم على الطرقات، ويقول: "لو كان الملف بالكامل بيد البلدية، لكانت المعالجة أسهل بكثير".
ويشير إلى أنّ مجلسه البلدي بدأ بالتنسيق مع بلدية مجدليا لتركيب كاميرات مراقبة وتعزيز وجود الشرطة البلدية في نقاط محددة، لضبط المخالفين، بالتوازي مع إطلاق حملات توعية حول الفرز من المصدر خلال المرحلة المقبلة. كما يؤكد أنّ الحملة ستشمل: توزيع أكياس شفافة مخصصة للفرز، تدقيق دوري في النفايات، وتسطير محاضر ضبط بحق المخالفين.
ويلفت الدويهي إلى أنّ الهدف من التوعية هو جعل المواطنين شركاء حقيقيين في الحل، إذ أن الفرز يعزز المردود المالي للبلدية ويخفّف العبء البيئي واللوجستي. وعن النفايات في زغرتا وإهدن، يقول: "المطاعم مسؤولة عن 60٪ من حجم النفايات، إذا التزموا بالفرز، نكون قد حللنا جزءًا كبيرًا من المشكلة".
في هذا السياق، تقول مديرة جمعية green community سناء أبي ديب لـ"مهارات نيوز": "بدأنا تعاوننا مع بلدية زغرتا العام 2006، ثم في العام 2010 توسّع هذا التعاون ليشمل اتحاد بلديات قضاء زغرتا، ممّا أتاح لنا العمل مع مختلف البلديات المنضوية ضمن هذا الاتحاد".
وتضيف: "بدأنا من مشروع الفرز من المصدر، وكان الهدف منه تطوير الإدارة البيئية بشكل تدريجي، ولم يقتصر الأمر على المواد القابلة لإعادة التدوير، بل وصلنا إلى مرحلة جمع النفايات العضوية أيضًا، أي أننا أصبحنا نتعامل مع النفايات بشكل متكامل"، أما عن تفاقم الأزمة، فتشير إلى أن "الأحداث المتتالية منذ العام 2019 وحتى اليوم أثّرت بشكل مباشر على مسار العمل".
أي أنّ الفرز من المصدر يشكّل جزءا من الحل ولكن لا يحلّ المشكلة جذريا، إذ تشير أبو ديب إلى أنّ "الجمعية لا تزال جاهزة للتعاون مع البلديات والجهات المعنية، لكن الحلول الجذرية تتطلب إرادة سياسية، وإدارة شفافة، وتمويلاً مستداماً يعيد إلى القطاع البيئي توازنه"، وتكشف: "ما زلنا حتى اليوم نجمع النفايات المفروزة، ونتعاون مع أي جهة أو فرد يلتزم بالفرز من المصدر، سواء كانوا أفرادًا، مدارس، أو مؤسسات. إذا تواصلوا معنا، نساعدهم على نقل النفايات المفروزة إلى بلدية زغرتا، أو نرشدهم إلى المكان المناسب".
وتوضح أنه: "رغم غياب التمويل والدعم الرسمي، لم نتوقف عن العمل، حتى خلال أشد الأزمات. واليوم بدأنا التعاون مع البلدية الجديدة، وهناك مؤشرات إيجابية على وجود إدارة جدية وواعية".
وعن التحديات التي تواجهها الجمعية تقول أبو ديب إن "أكبرها هو عدم وجود مال كافي في البلدية".
البلدية: مكبات زغرتا غير قانونية وعلى الدولة تحمّل مسؤولياتها
من هنا تبرز أزمة المطامر الغير قانونية في قضاء زغرتا، إذ يشير الدويهي إلى أنّ "لا مطمر قانوني لقضاء زغرتا ومعظم النفايات تُرمى بشكل عشوائي في مكبّ منطقة بشنين"، واصفًا بشنين بأنها: "أكثر ورقة سوداء في هذا الملف، وعلى الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها".
ويوضح أن مساحة زغرتا الجغرافية لا تتيح إقامة مطمر أو محرقة خاصة بها، ولهذا فإن الفرز من المصدر هو الخيار الأكثر واقعية حاليًا، إذ يساهم في تقليص حجم النفايات بنسبة تتراوح بين 60 و70%، ويبقى فقط "العوادم" التي لا تزال بلا حلّ حتى اليوم.
ويكشف عن أنّ النفايات المفروزة يمكن بيعها، وأنّ البلدية تستعد لتشغيل مكبّس للنفايات بهدف ضغطها وبيعها لاحقًا، مما يخفّف الضغط عن مكبّ بشنين.
ويختم: "ملف النفايات هو أولوية حقيقية للمجلس البلدي الحالي، ونعمل على استكمال الجهود التي بدأها المجلس السابق بالتعاون مع بعض الجمعيات المحلية".
هنا يوجّه سعيد، أحد المواطنين رسالة إلى البلدية الجديدة بالقول: "نطالب بحل جذري وواضح، لا بإجراءات مؤقتة أو "مسكّنات". نحن، كمواطنين، مستعدون للتعاون، لكننا نحتاج إلى شفافية وإلى شعور فعلي بأن هناك جهة تعمل بجدية وإخلاص".
يذكر أن قانون البلديات ينصّ بشكل واضح على دور البلديات في حماية المواطنين، إذ تنصّ المادة 49 – من قانون البلديات في لبنان أنه: "من ضمن مهام البلدية العمل على راحة سكانها وصحتهم وسلامتهم وتأمين المواد الغذائية ووسائل النقل ومراقبة الأسعار".
ما يعني أن البلدية مسؤولة بشكل مباشر عن التنظيم داخل نطاقها البلدي، أو على الأقل الضغط لتأمين كل احتياجات المواطنين بالتنسيق مع الوزارات المعنية.
زغرتا ليست فقط مدينة، بل مرآة لمنطقة بأكملها. وإن لم تتحرّك الجهات المعنية سريعًا، فإن الانطباع السائد عن "منطقة حيوية ومثقفة" قد يُستبدل بصورة أخرى: منطقة عاجزة عن صون أبسط حقوق مواطنيها وزوارها... حقّهم في بيئة نظيفة.