صحيح جزئياً
تطرقت جريدة الأخبار ضمن عددها الصادر في 16 نيسان 2025 إلى قضية طلب عقد اتفاق رضائي مع شركة "بلاك دلتا" لتشغيل وصيانة البوابات الإلكترونية في مطار بيروت الدولي، تم ارساله من قبل المديرية العامة للطيران المدني لوزير الاشغال العامة والنقل فايز رسامني لتوقيعه، ولكن الأخير رفض طالبًا من هيئة الشراء العام التحقّق من إمكانية إجراء هكذا عقد مع الشركة.
والاتفاق الرضائي هو طريقة من طُرق الشراء التي لا تعتمد على المنافسة، ويتم اللجوء إليها في حالات مُحددة ينظمها قانون الشراء العام.
يقول صاحب شركة "بلاك دلتا" علاء سعد في حديث للأخبار أن شركته تمتلك حصرية تمثيل الشركة الألمانية المصنّعة للبوابات «Magnetic Access»، فلا يمكن تقديم خدمات تشغيل وصيانة البوابات الإلكترونية باستخدام قطع غيار من تصنيع شركات أخرى.
فهل تؤهل الوكالات الحصرية الشركات لعقد الاتفاقات الرضائية مع مؤسسات الدولة؟
تفصّل المادة 46 من قانون الشراء العام الظروف الاستثنائية التي يُسمح فيها بإجراء العقود الرضائية ومنها عند عدم توفُّر موضوع الشراء إلّا عند مورِّد أو مقاول واحد، أو عندما تكون لمورّد أو مقاول حقوق ملكية فكرية في ما يَخصّ موضوع الشراء، ويتعذّر اعتماد خيار أو بديل آخر.
ولكن هذا المبدأ العام دونه محاذير حيث لا يمكن الجزم دائمًا وبصورة نهائية ما إذا كان المورد أو الشركة التي تُريد الجهة الشارية التعاقد معها هي بالفعل الوحيدة القادرة على تقديم هذه الخدمة.
هنا توضح خبيرة الشراء العام في معهد باسل فليحان رنا رزق الله أن هذه النوع من التعاقدات يُعدّ من أصعب القضايا في الشراء العام، فالقانون يسمح بهذه العقود ولكن التحدي يكمن في التأكّد من هذه الحصرية في الخدمة. وعليه وضع قانون الشراء العام ضوابط لهذا الأمر منها ضرورة إعلان الجهة الشارية تفاصيل هذا العقد الرضائي ونشرها على موقعها الرسمي بالإضافة الى النشر على المنصة المركزية في هيئة الشراء العام قبل 10 ايام على الاقل من توقيع العقد.
ويتم الإعلان عبر نماذج أعدتها هيئة الشراء العام، تقوم الجهة الشارية بتعبئتها وتؤكد فيها النية بالتعاقد الرضائي وتشرح تفاصيل العقد.
يسمح هذا الأمر لأي مورد آخر قرأ أو سمع بهذا الإعلان، ويرى أنه يستطيع تقديم هذه الخدمة أن يتقدم للجهة الشارية بعرض منافس، كما يُمكنه التقدم بشكوى للأجهزة الرقابية تُبطل اعتبار المورّد الأول الجهة الوحيدة القادرة على تقديم الخدمة، وبالتالي لا يمكن عندها السير بهذا العقد ويكون إيقافه حتمي لإنتفاء أسبابه.
وعن أدوار الهيئة رقابيًا، تؤكد رزق الله أن الهيئة دورها محدود، وهو يقتصر على تقديم الاستشارات والنصائح للجهة الشارية حول الطُرق الفُضلى لإتمام الشراء الصحيح، بينما هناك جهات أخرى دورها فاعل أكثر من الناحية الإجرائية مثل التفتيش المركزي، وديوان المحاسبة الذي يمارس رقابة مسبقة ولاحقة على الصفقات والعقود.
وقد يعمد رئيس هيئة الشراء العام بحسب رزق الله لإصدار قرارات حول صفقة معيّنة، وشرح إذا ما كانت تحتوي على نواقص وثغرات، ويُقدم رأي الهيئة الرسمي. ولكن هذه القرارات لا تُوقف الصفقات عمليًا، بل من يوقفها هو الشكاوى الرسمية والأجهزة الرقابية وهيئة الاعتراضات.
تأسف رزق الله لعدم تشكيل هيئة الاعتراضات التي نص عليها قانون الشراء العام حتى الآن. وتُعنى الهيئة ببتّ الاعتراضات المُقدّمة بشأن الإجراءات أو القرارات الصريحة أو الضمنية الصادرة عن الجهة الشارية أو أيّ من الجهات الـمعنيّة الإدارية بعمليَة الشراء أو المتكوّنة بوجهها، بما في ذلك ملفات التلزيم.
اللافت في الاتفاق مع شركة "بلاك دلتا" وجود خدمات تتعلق بالتنظيف والحراسة وهي خدمات يمكن لأي جهة أخرى تقديمها ولا يمكن حصرها بالشركة فقط، بحسب مقال الأخبار، وقد أوضح سعد في المقابلة أن الشركة بادرت لتعديل العقد وخفّضت تكلفته على الخزينة العامة للدولة، وتمّت إزالة عقد تنظيف البوابات، والذي يشغّل 10 عمال بعقود سنوية، تبلغ قيمتها الإجمالية 120 ألف دولار سنويًا.
يأخذنا ما سبق الى السؤال حول ماذا يحصل في حال كان أي اتفاق يتضمن خدمات حصرية وأخرى يمكن تقديمها من شركات منافسة، هل يتم تطبيق التعاقد الرضائي؟
حول هذه النقطة توضح رزق الله أن في الشراء العام لكُل عقد موضوع وهدف محدد، وفي مثل هكذا حالات يجب فصل العقود، بحيث يمكن إتمام عقد رضائي إذا كانت الخدمة محصورة بمورد واحد، بينما يتم إجراء عقد آخر منفصل للخدمات الاخرى بشكل يضمن التنافسية.
إذًا صحيح جزئيًا أن الوكالات الحصرية تؤهل الشركات لعقد الاتفاقات الرضائية مع مؤسسات الدولة، فبالرغم من أن قانون الشراء العام يسمح بعقود التراضي عند عدم توفّر موضوع الشراء إلّا عند مورِّد أو مقاول واحد، ولكن هذه الوكالة ليست كافية دائمًا ويجب التأكّد قدر الإمكان من عدم إمكانية تقديم هذه الخدمة من قبل منافسين آخرين قبل اتمام التعاقد.