Loading...

إقرار عقد العمل الموحد: هل ألغى نظام الكفالة؟

 

"عند انتشار فايروس كورونا، لم يتمكن صاحب المنزل من دفع راتبي خيّرني بين ان يلقي بي امام السفارة الاثيوبية، أو يبيعني الى شخص اخر، فإخترت الخيار الثاني، خوفا من ان أبقى في الشارع"، هذا ما قالته مزرت احدى العاملات في الخدمة المنزلية من الجنسية الاثيوبية عن تجربتها.وقائع لا يمكن وصفها إلا بالمأساوية تعاني منها العاملات الأجنبيات في لبنان، لا سيما العاملات في الخدمة المنزلية. هذه الوقائع تتحمل مسؤوليتها جملة واسعة من العوامل الاقتصادية والقانونية في مقدمتها، استمرار نظام الكفالة والنقص التشريعي في مجالات تأمين الحماية القانونية لهن.

أمام هذا الواقع، أعلنت وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال لميا يمين في تغريدة عبر حسابها على "تويتر"أنّها أصدرت عقد العمل الموحَّد الذي يلغي نظام الكفالة ويكرّس حقوق العمال والعاملات المنزليين المهاجرين، وأنّها أنهت مشروع إخضاع الخدمة المنزلية لقانون العمل كي تنال هذه الفئة كل حقوقها التعاقدية وتستفيد من أوسع حماية إجتماعية.

بالرغم من ان هذا العقد يتضمن الكثير من النقاط الايجابية لحماية العاملة في الخدمة المنزلية، الا انه لا يلغي نظام الكفالة كما أشارت وزيرة العمل في تغريدتها. نظام لا يقف على عقد العمل بل تكرسه الممارسات والقوانين والتعاميم.

عقد العمل الموحد

شكّل وزير العمل السابق كميل أبو سليمان في نيسان 2019، مجموعة عمل ترأستها "منظمة العمل الدولية"من أجل إلغاء نظام الكفالة اللبناني، وضمت هيومن رايتس ووتش، العفو الدولية، كفى، وكاريتاس.

في حزيران 2019، رفعت المجموعة خطة عمل إلى وزارة العمل، تتضمن الخطوات التي على لبنان تنفيذها لإلغاء الكفالة ووضع حمايات للعاملات المنزليات المهاجرات. قدمت المجموعة أيضا، كخطوة أولى، عقدا موحدا للعاملات المنزليات المهاجرات، يجسد المعايير الدولية للعمل وحقوق الإنسان.

يتمحور عقد العمل حول 15 بنداً تتضمن حقوق وواجبات كلّ من الطرفين: ربّ العمل والعامل. تحت هذين المبدأين، يحمل العقد في متنه عناوين كثيرة تبدأ بتحديد مهامّ الفريقين ومدة العقد والأجر مروراً ببيئة العمل والسلامة والصحة المهنية والرعاية الصحية والتأمين وصولاً إلى حق العامل/ة بالتنقل والتواصل مع الآخرين وبتحديد ساعات العمل والاستراحة اليومية والأسبوعية والإجازات والعطل العادية والمرضية، إضافة إلى الشقّ المتعلق بتجديد العقد وفسخه وتسوية النزاعات بين الطرفين.

ويمكن هنا عرض بعض تلك البنود، ومنها مثلاً البند المتعلق ببيئة العمل (المادة 5)، إذ ينص على أن يقوم "الفريق الأول بتأمين بيئة عمل لائقة تتوافق مع متطلبات العاملة الثقافية والدينية، وتأمين مكان تراعى فيه خصوصيتها".

وفي حق الوصول إلى الرعاية الصحية، ينص العقد على أن "يقوم الفريق الأول بتأمين الرعاية الصحية اللازمة والعناية بالأسنان عند الضرورة للفريق الثاني وبوليصة تأمين وفقاً لشروط وزارة العمل".

وفي الحقوق الأخرى، ينص العقد على "احتفاظ الفريق الثاني (العاملة) بوثائق السفر، الهوية، إجازة العمل، الإقامة، التأمين، امتلاك هاتف محمول، ضمان الوصول المجاني إلى الاتصال بالإنترنت، تلقي الاتصالات الهاتفية من أفراد أسرته على هاتف المنزل، السماح له/ا بإجراء مكالمة مجانية واحدة على نفقة الفريق الأول، لا يجوز حجز الفريق الثاني داخل المنزل (المادة 9)، العمل لثماني ساعات في اليوم، دفع زيادة عن الساعات الإضافية تُقدر بـ50% عن الساعة العادية، ساعة للراحة بعد كل 5 ساعات عمل (المادة 10)، إجازة سنوية مدفوعة الأجر لمدة 15 يوماً (المادة 11).

هذه عينة عن المضمون. جمع العقد ما أمكن من حقوق ووضعها داخل الإطار. نص محكم نال فيه العمال حقوقهم. لكن، على أرض الواقع هناك خوف لدى المنظمات الحقوقية من غياب اليات التطبيق والرقابة.

في السياق، تعتبر الباحثة المتخصصة حول لبنان في "هيومن رايتس ووتش" في حديث لـ "مهارات نيوز"ان فريق العمل حاول تضمين جميع المعايير الدولية المرتبطة بالعمل في عقد العمل الموحد، "كما حاولنا جمع كل الحقوق المنصوص عليها في قانون العمل وتضمينها في عقد العمل".

وتؤكد مجذوب ان اقرار عقد العمل الموحد هو خطوة أولى لإلغاء نظام الكفالة، لكنه ليس هو الحل فقط، إذ يجب ان تتبعه خطوات مرتبطة بإلغاء التعاميم والقوانين والاعراف، التي تشكل جميعها نظام الكفالة المتعارف عليه.  كما، يجب وضع آليات لتطبيق عقد العمل الموحد، عبرتغيير آلية استقدام العاملات، وتدريب قوى الامن والاجهزة القضائية على التعامل مع الشكاوى المرتبطة بإنتهاك حقوق العاملات في الخدمة المنزلية.

وأكدت المنسقة الوطنية لمشروع "تعزيز حقوق عاملات المنازل"في منظمة العمل الدولية زينة مزهر في حديث لـ "مهارات نيوز"ان العمل على عقد العمل الموحد أخذ كثيرا من الوقت، وهو يتضمن بنود جديدة تحتاج الى توضيح ورفع الوعي حولها بالنسبة للعاملات في الخدمة المنزلية وأصحاب العمل.

تفكيك نظام الكفالة

نظام الكفالة اللبناني عبارة عن مجموعة أعراف وممارسات إدارية يعتمدها الأمن العام بذريعة تنظيم دخول العمال الأجانب الى لبنان. إذ لا يسمح للعاملات بالدخول إلا في حال وجود كفيل لبناني، والذي غالباً ما يكون صاحب العمل، ويدون اسمه في تأشيرة الدخول التي تحصل عليها العاملة.

تحت هذا النظام، لا يسمح للعاملة المنزلية بالمغادرة من دون موافقة كفيلها، الذي غالباً ما يبادر الى الاحتفاظ بجواز سفرها طيلة فترة إقامتها (بالرغم من أن مصادرة الأوراق الثبوتية لأي شخص تعتبر عملاً يخالف القانون، إلا أن 80% من أصحاب العمل يظنون أنه تجوز مصادرة جواز سفر العاملة، بحسب ما تظهره دراسة أعدتها منظمة "كفى"عام 2010)، ما يدفع الكثيرات منهن إلى تجنب المشاكل والاعتراضات وتحمل ظروف العيش الظالمة خوفاً من خسارة الكفيل. وبالتالي إذن العمل (هو يشبه نظام الكفالة المطبق في بعض دول الخليج كذلك).بالاضافة الى ذلك، تستثنى العاملات الأجنبيات من مضمون قانون العمل اللبناني. حيث، يستثني القانون في مادته السابعة "الخدم في منازل الافراد"من الحماية والحقوق، التي تتمتع بها الفئات العاملة الاخرى.

في السياق تؤكد رئيسة المفكرة القانونية غيدة فرنجية لـ "مهارات نيوز"ان الغاء نظام الكفالة لا يأتي من اقرار عقد العمل الموحد فقط كما قالت وزيرة العمل، بل هو مشروع طموح يجب ان يشمل تعديل المادة السابعة من قانون العمل، والذي يستثني العاملات في الخدمة المنزلية من الحماية القانونية. إضافة الى تعديل الانظمة والاجراءات التي يعتمدها الأمن العام في التعامل مع عاملات الخدمة المنزلية. وكذلك، إعتماد اليات رقابة وتنفيذ فعّالة لما يتضمنه عقد العمل الموحد.

وأوضحت مزهر لـ "مهارات نيوز"ان عقد العمل الموحد خطوة لـ "تفكيك نظام الكفالة". وقد قدمت مجموعة العمل خارطة طريق للتعاون بين وزارة العمل والداخلية والأمن العام لتفكيك نظام الكفالة يتضمن إضافة الى عقد العمل الموحد، تفعيل آلية شكاوى، تعديل قانون العمل، وفي خطوة لاحقة العمل على آلية تطبيق لعقد العمل.

ولفتت مزهر ان تعديل القانون أساسي، لكنه ايضا لا يلغي نظام الكفالة، ويمكن هنا إعطاء مثال حول عمال "أرامكو" (شركة للتنظيف)، حيث يشملهم قانون العمل بحمايته، لكنهم غير قادرين على تغيير عملهم لانهم كأجانب مقيمين في لبنان بكفالة من صاحب العمل أي الشركة. وبالتالي، مقاربة هذه القضية يجب ان تكون نابعة من اتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين رقم  189 لعام 2011 بحسب مزهر.

غياب آليات التطبيق

مشكلة اخرى تواجه عقد العمل الموحد تتمثل في غياب آليات التطبيق لهذا العقد. يعتبر رئيس "الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان"كاسترو عبد الله في حديث لـ "مهارات نيوز"ان الجهد المبذول على عقد العمل الموحد ذهب في غير محله. لا سيما ان عقد العمل الحالي كان يحتوي على بعض الحقوق للعاملة كالإجازة وتحديد ساعات العمل لكنها لم تنفذ، لغياب آليات التطبيق والرقابة.

يرى عبدالله ان التعديلات يجب ان تبدأ بتعديل المادة السابعة من قانون العمل، والتصديق على اتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين، التي صوت عليها لبنان بنعم، لكن لم يصادق عليها مجلس النواب لحد اليوم. كما يجب ان يحدث تعديل في ممارسات مكاتب الاستقدام في لبنان وفي بلدان العاملات.

وقال عبدالله "نقدم احترامنا للجهد المبذول من وزارة العمل ومجموعة العمل التي تضم مؤسسات ومنظمات حقوقية محلية ودولية، لكننا نرى ان عقد العمل الموحد لن يقدم او يؤخر في تحسين وضع عاملات الخدمة المنزلية، ومن يريد ان يحقق انجازا عليه تفكيك نظام الكفالة وتعديل قانون العمل".

التزامات لبنان الدولية

يحمي القانون الدولي لحقوق الإنسان مجموعة من حقوق العمال، لا سيما تلك المتعلقة بظروف العمل العادلة والمؤاتية. يقرّ "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، وهو جزء من "الشرعة الدولية حقوق الإنسان"التي وقعها لبنان في 1972، بحق كل شخص في التمتع بظروف عمل عادلة ومؤاتية.

كما صادق لبنان على اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بحماية العاملات المنزليات:

  • "اتفاقية إلغاء العمل الجبري" رقم 105 (وقعها لبنان في 1977)

  • الاتفاقية رقم 111 "بشأن التمييز في مجال الاستخدام والمهنة"، التي تحظر أي تمييز على أساس الجنس في الاستخدام وظروف العمل (وقعها لبنان في 1977).

واستثنى لبنان العاملات المنزليات من الحماية القانونية التي تشمل العمال والعاملات الآخرين يخالف مبدأ عدم التمييز المكرس في القانون الدولي. يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان كل تمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الآراء السياسية وغيرها، أو الجنسية أو المنشأ الاجتماعي، أو الملكية، أو الولادة، أو أي حالة أخرى. القوانين، والقواعد، والسياسات، والممارسات التي تبدو محايدة قد تكون تمييزية إذا كان أثرها كذلك.

كما تم استثناء فئة كاملة من العمال والعاملات، ومعظمهم نساء أجنبيات، من المساواة في حماية قانون العمل يشكل تمييزا على أساس الجنس وبلد الأصل (97%  من العمالة المنزلية نساء، بحسب إحصاء وزارة العمل اللبنانية في 2009). يخالف ذلك التزام لبنان بـ "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" (سيداو)، ولبنان طرف فيها منذ 1997، و"الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري"، ولبنان طرف فيها منذ 1971. حيث، تشترط الاتفاقيتان إلغاء أشكال التمييز الخاصة بكل منها (الجندري والعرقي، بما في يشمل بلد الأصل) في جميع المجالات، ومنها التوظيف.

أعربت "لجنة سيداو"، المفوضة مراقبة التزام الدول الأعضاء بواجباتها بموجب الاتفاقية، عن "قلـق إزاء تعـرض النساء العاملات في خدمـة المنـازل في لبنـان إلى الإساءة والاسـتغلال"وأوصت بأن يضع لبنان "إجراءات لرصد وحماية حقوق العاملات في خدمـة المنازل وملاحقة ومعاقبة المسيئين من أرباب العمل علـى النحـو الواجـب". كما دعت لبنان إلى تأمين "سبل انتصاف ناجعة مـن الإسـاءة الـتي يسببها لهم أرباب العمل و... توعيـة العـاملات في خدمـة المنازل بحقوقهن وبمـا يتيحه لهـن القـانون مـن حماية وضمان إمكانيــة حصولهن على المساعدة القانونية"."عند انتشار فايروس كورونا، لم يتمكن صاحب المنزل من دفع راتبي خيّرني بين ان يلقي بي امام السفارة الاثيوبية، أو يبيعني الى شخص اخر، فإخترت الخيار الثاني، خوفا من ان أبقى في الشارع"، هذا ما قالته مزرت احدى العاملات في الخدمة المنزلية من الجنسية الاثيوبية عن تجربتها.وقائع لا يمكن وصفها إلا بالمأساوية تعاني منها العاملات الأجنبيات في لبنان، لا سيما العاملات في الخدمة المنزلية. هذه الوقائع تتحمل مسؤوليتها جملة واسعة من العوامل الاقتصادية والقانونية في مقدمتها، استمرار نظام الكفالة والنقص التشريعي في مجالات تأمين الحماية القانونية لهن.

TAG : ,عقد العمل الموحد ,نظام الكفالة