Loading...

أكثر من عامَين على انفجار المرفأ: أين أصبحت استراتيجية الإصلاح وإعادة الإعمار؟

 

مرّ أكثر من عامين على انفجار مرفأ بيروت، ولا يزال روجيه غانم يعاني من تداعيات الأضرار التي لحقت بمنزله الواقع في منطقة الأشرفية. فلا استراتيجية إصلاح أو إعادة إعمار دخلت حيز التنفيذ لمساعدته على الترميم ولا الوضع الاقتصادي تحسّن بعد الرابع من آب 2020. 

 

بعد ثلاثة أشهر من الانفجار، بدأ غانم بتأهيل منزله بعدما اضطر لانتظار المساعدات العينية التي قدمتها له بعض الجمعيات بعد مسح ميداني أجرته. ومن بعدها لم يتلق أيّ مخصصات مالية تسمح له باستكمال ما بدأه.

ويقول غانم وهو مدرس فنون، لموقع مهارات نيوز: "لا شيء يمكن تعويضه. حجم الضرر أكبر من أن نستطيع تحمل كلفة إصلاحه".

 

إثر الانفجار، تولى الجيش اللبناني تنسيق عملية مسح المناطق المتضررة، ووزّع في مرحلة لاحقة تعويضات رمزيّة على المتضررين، لكنه لم ينجح في توفير الاحتياجات الهائلة، بعدما خصص المجتمع الدولي دعمه مباشرة لمؤسسات المجتمع المدني من دون المرور بمؤسّسات الدولة.  

 

وساهمت منظمات محلية ودولية في مساعدة عائلات محتاجة على ترميم منازلها بالحدّ الأدنى، حتى يُتاح لها السكن فيها مجددًا. لكن لم تنفّذ أي خطة وطنية شاملة لإعادة إعمار المناطق المتضررة. وانصبّت بعض الجهود على دعم إعادة ترميم الأبنية ذات الطابع التراثي والتي تكثر في المنطقة المتضررة، خشية من هدمها، للحفاظ على هوية المدينة التراثية.

 

ومن بين المبادرات المدنية، رمّمت جمعية  "فرح العطاء"  70 مبنى سكني بالإضافة إلى كنيسة وجامع ومركز لفوج إطفاء بيروت، بالتعاون مع 6000 شاب وشابة من 17 بلد في العالم. كما رمّمت 7 أبنية تراثية، واحد منها لا يزال قيد العمل بالتعاون مع المديرية العامة للآثار.

 

وأظهر التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في بيروت أن الانفجار طال 240 مبنى وأدى الى تضرر 64 معرض أعمال فنية ومساحات ثقافية.

 

ويمّول البنك الدولي حاليًّا ترميم 30 مبنى بالتعاون مع نقابة المهندسين ومحافظ بيروت والمديرية العامة للآثار، وفق المهندس طارق عسيران من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية. 

 

في 25 شباط 2022، جرى إطلاق منحتين بهدف تسهيل عودة الأسر الهشة اجتماعيًا واقتصاديًا إلى الأحياء التي تضررت من الانفجار، عبر إعادة تأهيل المساكن التراثية، والحفاظ على سبل كسب العيش للمتضررين في قطاع التراث الثقافي، وتقديم دعم فوري من أجل التعافي الاجتماعي للفئات الضعيفة التي تضررت من تداعيات الانفجار.

 

تتطرق الركيزة الرابعة من مسار الإصلاح وإعادة الإعمار الذي وضعته مجموعة البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع المجتمع المدني والحكومة اللبنانية، إلى سبل العمل على تحسين الخدمات والبنية التحتية، بهدف تشييد المرافق والمباني الحيوية، واستئناف الخدمات العامة والحضرية الرئيسية على نحوٍ مستدام.

 

وتقدّر تكلفة مسار الإصلاح وإعادة الإعمار بملياري دولار أميركي، بحسب ما عرضته الركيزة وتتطلب التعويضات الواسعة النطاق واحتياجات إعادة الإعمار الضخمة حشد جميع الموارد العامة والخاصة من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص. 

 

لكنّ انهيار الإيرادات الحكومية والعجز عن الاقتراض يحدّان بشكل كبير من قدرة الحكومة على تمويل أنشطة التعافي وإعادة الإعمار على المدى القصير. فضلًا عن ذلك، فإن الأزمة المالية والمصرفية التي تصاحبها مستويات عالية من الاضطرابات السياسية والاجتماعية تحدّ من إمكانية التمويل من القطاع الخاص. 

 

ويوضح المدير التنفيذي للمركز اللبناني لحقوق الإنسان فضل فقيه لموقع "مهارات نيوز" إلى أن "العمل بالاستراتيجية متوقف حاليًا وهذا يعتبر مخالفة إثر انتهاك الحكومة للحق في السكن التي تتضمنها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان".

 

ويقول "جرى تنفيذ 20% من الاستراتيجية بعد الانفجار، إلا أن الدولة وبعد سنتين كانت متأملة بالهبات لكنها لم تحصل عليها، جراء عدم الثقة بها" لافتًا إلى أنه "لا قدرة للدولة على استكمال العمل من دون هبات، باعتبار أن لبنان بلد غير منتج، وهو ما يصعّب تخصيص مبالغ لإعادة الإعمار".

 

ومن أجل استكمال العمل في الاستراتيجية، يرى فقيه أنه لا بدّ من ممارسة "الضغط على المستوى المحلي، وتفعيل آلية المحاسبة من قبل جسم قضائي فعال ومستقل، واستعمال الآليات الدولية لوقف الانتهاكات التي تعرض لها الشعب".

 

دور السلطة التشريعية

وتحتاج المناطق المتضررة، وفق ما يوضح النائب ملحم خلف لموقع "مهارات نيوز" إلى "خطة استنهاض تولّد نوعًا من الصدمة الإيجابية للسكان وتعيد لهم رونق الحياة". 

ويقول "تقدّمنا كنواب بيروت باقتراح قانون معجّل مكرر يرمي إلى تعليق العمل بالمادة 32 من قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2020 والتي تنصّ على وقف جميع المساهمات والمساعدات والهبات التي تمنحها المؤسسات والمرافق العامة".

 

ولجأ المشرّع إلى هذه الخطوة في ظل الأزمة الإقتصادية التي يشهدها لبنان منذ ثلاث سنوات، بهدف حصر النفقات ومنع تبديد الأموال العامة. 

 

وبرّر النواب اقتراحهم برغبة بعض البلديات أو اتحاد البلديات بدعم المتضررين من انفجار 4 آب عن طريق "مساعدات تسمح لهم بتغطية جزء مما أصابهم وتسمح لهم من العودة إلى ديارهم وتشجع على عودة الحياة إلى المناطق المنكوبة".

 

وترى النائبة نجاة عون صليبا في تصريح لموقع "مهارات نيوز" أنّ "عدم أخذ التحقيق المسار القضائي الصحيح يعرقل عملية إعادة الإعمار".

 

ولم يُعلن بعد عن أي نتائج توصّل إليها التحقيق المحلي في الانفجار، المعلق منذ نهاية العام الماضي، جراء دعاوى رفعها عدد من المدعى عليهم، بينهم نواب حاليون، ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.

 

وبحسب عون، لا يكفي الإعتماد على جهود الجمعيات والمنظمات المدنية، إنما يجب أن تكون هناك "استراتيجية متكاملة لإعادة إعمار المرفأ والمناطق المتضررة، تُطرح من قبل السلطة التنفيذية على مجلس النواب". ولكن إلى أن يتمّ البدء بها، "يجب أخذ تحقيق العدالة بعين الاعتبار أولًا".