Loading...

الإصلاحات الجندرية في لبنان: تجزئة الإصلاحات وعدم توحيد الأولويات يعرقل الانجاز

 

في ظل تواتر الأزمات الاقتصادية والسياسية وسعي الجهات الدولية لدعم والدفع بإتجاه للإصلاحات، يشهد لبنان تراجعا مستمرا في الفضاء الجندري، في ظل انحسار جهود تحقيق إصلاحات النوع الاجتماعي كهدف ثانوي وأقل أهمية في جدول أعمال السلطات المعنية. اذ يحتل لبنان المرتبة 119 من 146 عالميًا بحسب تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2022، بعد حصوله على درجة 0.644 مقارنةً بدرجة العام السابق التي كانت 0.638، ضمن أزمات متكررة تحدث عواقب جذرية على حقوق الإنسان الجندرية من الناحية الإقتصادية، السياسية والإجتماعية خصوصاً على المرأة، المجتمعات المهمشة، بما في ذلك اللاجئين، ذوي الإعاقة، العمال والعاملات الأجانب ومجتمع الميم عين.

 

تشير واقعية مشهد عدم المساواة والتهميش على مستوى النوع الاجتماعي في لبنان إلى وجود عدة قيود وعراقيل في الوصول إلى الخدمات الاجتماعية، المالية، والحقوقية. فبينما تخطت النساء حول العالم خطوات فعّالة تجاه المساواة الجندرية، ما زالت النساء في المجتمعات المهمشة يعانينَ من معوقات قانونية وعملية تحول دون حصولهن على أدنى حقوقهن، مما يساهم في خلق أرضية ثقافية واجتماعية معادية للمساواة والإصلاحات الجندرية.

 

 

تعددية في خطط العمل الجندرية

تتكرر الانتهاكات بحق النساء يوميا في لبنان انطلاقا من قضية ميساء حانوني ومنع اللباس البحري في شاطئ صيدا وصولا الى قرار المركز الثقافي الإسلامي ومطالبته السلطات بحل جمعية "حلم" المتخصصة في قضايا مجتمع الميم عين، تمثل عينة من الانتهاكات اليومية تجاه المرأة والمجتمعات المهمشة في لبنان.

 

في هذا السياق، ومع أهمية السعي نحو الإصلاحات المطروحة، يأتي التعاون بين مجموعتي عمل "التماسك الاجتماعي والشمولية والنوع الاجتماعي" في اطار الاصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (3RF SCIG) و"مجموعة العمل  الجندري" والتي يترأسها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وهيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women)، بهدف جمع السلطات والمؤسسات المعنية ضمن حوار موحد لمناقشة الإصلاحات التشريعية والتطبيقية، تحديد المبادرات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين والضغط من أجل مشاركة أكبر من الحكومة في حوار إصلاحات النوع الاجتماعي وخطط العمل.

 

وتتضمن مجموعة "التماسك الاجتماعي والشمولية والنوع الاجتماعي" بحسب ممثلة امانة اطار الاصلاح والتعافي واعادة الاعمار في لبنان 3RF جوديت ديمجين، التي أكدت لـ"مهارات نيوز"، أنه في سياق دور مجموعة العمل الذي كان خلال عامي 2021-2022، يتم حالياً مناقشة الإصلاحات التشريعية ذات الأولوية في هذا القطاع وفقًا لمبدأ إطار الإصلاح التعافي وإعادة الإعمار للحوار الشامل داخل منتدى مجموعة العمل المعنية بالنوع الاجتماعي المرتبطة بـ 3RF، وإطار التعاون الإنمائي المستدام للأمم المتحدة، خطة الاستجابة للطوارئ، وخطة الاستجابة للأزمة في لبنان في عام 2023.

 

أما من ناحية أخرى، ترتكز مهمة "مجموعة العمل  الجندري" (GWG)، والتي تم تأسيسها بين عامي 2018 و2019، كمنتدى للتنسيق الداخلي في الأمم المتحدة مع فاعلين من وزارة الشؤون الاجتماعية  والمجتمع المدني إضافة للمنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية. 

 

أوضحت الأخصائية في العمل الجندري والإنساني من هيئة الأمم المتحدة للمرأة لارا العيازري، أن مهمة "مجموعة العمل الجندري" (GWG) تكمن في المناصرة ورصد القضايا المرتبطة بالنوع الاجتماعي بشكل عام في مختلف المجالات ومنها الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية: "يتم التنسيق مع ممثلي إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في حال تشابهت أولوياتنا مع إصلاحات النوع الاجتماعي التي يطرحونها." أضافت العيازري.

 

توحيد الأولويات الإصلاحية

من خلال تقرير أعده الاتحاد البرلماني الدولي حول مؤشر وجود ومشاركة المرأة في الحياة السياسية العامة، فمع ازدياد عدد النساء النائبات في السلطة التشريعية بين سنة 2018 و2022 من 6 الى 8 نائبات، لا يزال لبنان يحتل المرتبة 174 من 190 في موضوع تمثيل المرأة في البرلمان عالمياً. هذه البيانات تتضح فجوة في الإطار الجندري كما الدور الذي يمكن لمجموعات العمل القيام به وفق التحديات التي تواجهها المرأة بشكل واقعي. 

 

ففي ظل انتظار انطلاق العمل بعد الاجتماع الأول التشاركي بين "مجموعة العمل  الجندري" (GWG) ومجموعة عمل "التماسك الاجتماعي والشمولية والنوع الاجتماعي" الذي عقد في 26 حزيران/يونيو 2023، والذي تأخر حصوله لأسباب عدة أولها لوجستية، تزامنا مع المرحلة الانتقالية لاستراتيجيات إطار عمل الـ 3RF، أوضحت ديمجين أن أعضاء مجموعة عمل 3RF المعنية أشارت إلى أهمية تنسيق عمل المجموعتين لتفادي وجود تكرار وازدواجية في المناقشات والخطط المتعلقة بمنتدى شركاء الحماية الاجتماعية و"مجموعة العمل الجندري" (GWG): " قررت مجموعة عمل 3RF SCIG أنه سيكون من الأفضل توحيد أهداف وخطط عمل المجموعتين وبالتالي توقفنا عن عقد اجتماعات لمجموعة عمل 3RF SCIG بانتظار مجموعة العمل الجندري (GWG) لبدء المناقشات وخطط العمل المتعلقة بالإصلاحات"، بحسب ديمجين

 

لفتت العيازري  إلى أنه في ظل صعوبة دمج المجموعتين في مجموعة واحدة، بات من الضروري  تعزيز التخطيط بينهما خصوصا في ظل اختلاف أطر عمل التي يتبعها كل منهما، وذلك من خلال إشراك ممثلي اطار الاصلاح والتعافي وإعادة الإعمار ودعوتهم، من جهات حكومية والمجتمع المدني والجهات المانحة، إلى عقد حوار سياسي موحد حول الإصلاحات.

 

وفي هذا الإطار، وفر هذا الحوار السياسي متعدد الفاعلين، رؤى حول التحديات وسبل التقدم في الإصلاحات، وارتكز على مناقشة قانون الكوتا النسائي في الاستحقاقات الانتخابية لعام 2023، والذي يشكل أولوية تشريعية واحدة من ثلاثة أولويات متعلقة بالنوع الاجتماعي المدرجة في إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار 3RF. وتشمل هذه الأولويات الإصلاحية :

  • قانون الكوتا الانتخابية (مع التركيز الأولي على المستوى البلدي): طرح قانون إما على أساس نسبة المقاعد النيابية أو نسبة الترشح في اللوائح.

  • تعديلات لتحسين الحماية بموجب قانون العنف الأسري.

  • تطبيق وتعزيز المساءلة في قانون مكافحة التحرش الجنسي

 

إصلاحات قانونية غير مكتملة

بالرغم من مبادرات منظمات المجتمع المدني وخطط عمل مجموعات المعنية بالنوع الاجتماعي، للضغط نحو المساواة والشمولية على مستوى النوع الاجتماعي في القطاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، لا تزال أنواع العنف القائمة على النوع الاجتماعي تهيمن وسط غياب لقوانين أساسية في مختلف المجالات. 

 

وقالت منسقة البرامج في وحدة مناهضة الاتجار بالنساء في منظمة "كفى" جولي الخوري، في حديث لـ"مهارات نيوز"، أن مبادرات "كفى" القانونية ارتكزت في الأعوام الأخيرة على السعي لإقرار قوانين لطالما كانت عالقة تشريعياً. وفي هذا الإطار، عددت الخوري القوانين التي تم مناقشتها وطرحها في السنين العشر الأخيرة:

  • قانون حماية أفراد الأسرة من العنف الأسري الذي أقر سنة 2014

  • قانون حول التحرش الجنسي: فبالرغم من "إلغاء" المادة 522 التي تعفي المتهم من الجرائم المنصوص عليها في المواد من 503 إلى 521 المتعلقة بالاعتداءات الجنسية والإفلات من العقاب، في حال تم توقيع عقد زواج مع الضحية، لم يلاحظ لليوم مفاعيلها التطبيقية بالإضافة إلى عدة ملاحظات تم طرحها حول كيفية تأمين القانون الحماية اللازمة لضحايا الاعتداءات الجنسية.

 

كذلك، أحدث خطوة نحو إصلاحات النوع الاجتماعي كانت في كانون الأول 2022 وتضمنت القانون الموحد للأحوال الشخصية، والذي يعتبر كبديل عن كل القوانين الدينية والطائفية التي تعتمد في المحاكم الروحية: وفي التفاصيل، أشارت الخوري أن هذا القانون حالياً هو في مجلس النواب، بعد أن وقع عليه تسعة نواب بانتظار مناقشة هذا القانون في الجلسات التشريعية ضمن اللجان البرلمانية المعنية.

 

وفي ظل التأخير التشريعي والضغوطات التي لا تزال تمارس ضد النساء  في المجتمعات المهمشة، أشارت الخوري أن تجزئة الإصلاحات لن تساعد في  تحقيق التقدم على مستوى النوع الإجتماعي، خصوصا في ظل غياب تام لأي تطور على كافة المستويات في حياة المجتمعات في لبنان : "يجب وضع الإصلاحات على مستوى النوع الاجتماعي وقضايا النساء كأولوية لا تقل أهمية عن الإصلاحات الأخرى". 

 

عقبات لتحقيق الإصلاحات

بالرغم من التعاون المستمر بين وزارة الشؤون الاجتماعية وفرق العمل المعنيين بالنوع الاجتماعي في 3RF ومجموعة العمل الجندري وفريق العمل المشترك للجنة الاستشارية الثالثة لتنفيذ اتفاقية سيداو، لا يزال هناك بعض العقبات التطبيقية التي لم يتم بحثها إلى اليوم. بالاضافة الى ضعف التطبيق، تلعب المؤسسات الدينية في لبنان دورًا مهمًا في عرقلة الإصلاحات الجندرية، وخصوصا في ضوء وجود نظام طائفي وذكوري متجذر في المجتمع والمؤسسات اللبنانية. وفي هذا الإطار، لم تتطرق "مجموعة العمل الجندري" بعد للموضوع المتعلق بكيفية التعامل ومناقشة الإصلاحات مع المؤسسات الدينية.

 

في مواجهة هذه العراقيل يمكن ان يلعب الاعلام دورا أساسيا في الحل، عن طريق المناصرة تجاه المساواة الجندرية والإضاءة على جميع أشكال العنف القائمة على النوع الاجتماعي. وبالرغم من اهمية هذا الدور لم يلحظ أي حوار أو خطوات متخذة حتى اليوم من قبل مجموعات العمل المعنية والسلطات المختصة نحو إصلاحات في الإعلام اللبناني. لا سيما، ان هذه الاصلاحات يجب ان تواكب وتترافق مع الإصلاحات الجندرية، على سبيل المثال: المساواة بين المرشحات والمرشحين في الظهور الإعلامي خلال الانتخابات النيابية، وحماية الصحافيات من كافة أشكال العنف على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

 

من خلال هذه المعطيات يبدو انه لا يزال هناك مسار طويل للضغط من أجل تحقيق الإصلاحات الأساسية في إطار النوع الاجتماعي في ظل التدهور الحالي لجميع القطاعات، إلا أن أصوات النساء والمجتمعات المهمشة ودفاعهم عن أهمية المساواة في الحقوق والواجبات تتصاعد بلا شك للضغط تجاه مجتمع عادل ومتوازن.

 

TAG : ,الإصلاحات الجندرية ,التهميش ,النوع الاجتماعي ,النساء ,مجتمع الميم عين ,الشمولية ,المساواة ,الجنسين ,3RF ,الجندر