رغم استمرار التحديات القانونية، البنيوية والثقافية، تثبتُ المرأة اللبنانية في خضم خوضها الانتخابات البلدية لعام 2025، أن وجودها في المجالس البلدية أصبح ضرورة، لا يمكن الاستغناء عنه.
وفي عملٍ تراكمي على مرّ السنوات، وبدعمٍ من القوانين الدولية والمبادرات المحلية، بالإضافة الى الإرادة النسائية الصلبة، شهدت مشاركة النساء في هذه الانتخابات تطورًا ملحوظًا. غير أنه يُعتبر غير كافٍ للقول، بأن الكوتا النسائية تم تطبيقها مئة بالمئة، وهي التي لم تُقر بعد قانوناً.
وفي حين لا يُخفى على أحد أن للأحزاب السياسية تأثير كبير في اختيار رؤساء البلديات وأعضائها، نسأل عن مدى التزام الأحزاب اللبنانية، التي وقّع عددٌ منها على اتفاقية “سلمة”، بترشيح النساء على أساس الكوتا؟
القوانين الدولية والمبادرات المحلية الداعمة لتمثيل النساء
كرست اتفاقيات دولية كثيرة حق المرأة في الترشح للانتخابات، وهي تُعد إطارًا قانونيًا قويًا يدعم المرأة ويُعزز من مشاركتها السياسية. ونذكر منها اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1952 ودخلت حيز التنفيذ عام 1954، وهي أول معاهدة دولية تعنى بحقوق المرأة السياسية. كذلك اقرت الجمعية العام للامم المتحدة عام ١٩٧٩ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW، والتي تُعنى بحقوق المرأة بشكل عام، بما في ذلك حقوقها السياسية، ودخلت حيّز التنفيذ في العام 1981.
أما على الصعيد المحلي، فقد أُطلقت اتفاقية “سلمة” (سوا من أجل المساواة) في نيسان 2025، بمبادرة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، بالتعاون مع جمعية “فيفتي-فيفتي” وبدعم من حكومة كندا. وتهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز تمثيل النساء في المجالس البلدية والاختيارية اللبنانية.
رئيسة منظمة “فيفتي-فيفتي” جويل بو فرحات اكدت في حديث لموقع “المدى”، أن “سلمة” هي ميثاق شرف يُلزم الموقّعين ضمان تمثيل النساء بنسبة لا تقل عن 30% في المجالس البلدية بالإضافة إلى الطلب من الأعضاء المنتخبين في المجالس البلدية تحقيق المناصفة الجندرية في رئاسة ونيابة رئاسة البلدية، بحيث يكون الرئيس ونائبه من الجنسين.
وجاء هذا الميثاق، كمبادرة بعد تعثّر إقرار قانون الكوتا والذي ينص على تخصيص كوتا نسائية بنسبة 30% في البلديات الصغيرة (9-12 عضوًا) و50% في البلديات الأكبر (15-24 عضوًا) على أن يكون رئيس البلدية ونائبه من جنسين مختلفين. غير أن الأوضاع السياسية والأمنية حالت دون إقرار قانون الكوتا، مع العلم أن خمس كتل نيابية كبيرة من اصل ٧ كانت قد وافقت عليه، بحسب بو فرحات.
علمًا ان 4 آلاف إمرأة من اصل ١٢٤٧٥ عضوًا بلديًا كانت ستصل الى المجالس البلدية لو أقر البرلمان اللبناني قانون الكوتا.
التزام الأحزاب باتفاقية “سلمة”
أكدت بو فرحات أن الأحزاب ذاتها التي وقّعت على الكوتا النسائية، وقّعت أيضاً على اتفاقية “سلمة”. غير أن الحزب السادس الذي لم يوقّع على الإتفاقية، أكد لهم أنه ملتزم ايصال 30% سيدات، وهذا فعلاً ما حصل. ولفتت الى أن الأحزاب لم تلتزم بالـ 30% في كل اللوائح، إذ ما من قانون يجبرها على ذلك، ولكن على الأقل 60% أو 70% من اللوائح التي تشكلت في لبنان، كان عنصر النساء موجوداً فيها.
وأشارت الى أن في جبل لبنان، في العام 2016، كانت نسبة المرشحات 7.2%، في حين أن في العام 2025 أصبحت 12.6%، معربةً عن أنه مؤشر جيد.
وشددت بوفرحات على أن استمرار الضغط على الأحزاب السياسية، بغياب إقرار قانون الكوتا، سمح لها أن تلتزم بترشيح النساء ولو بنسبة معينة.
وفي تواصلنا مع مختلف الأحزاب اختلفت الآراء بين مؤيد ورافض لمبدأ الكوتا. القوات اللبنانية، ليست مع إقرار قانون الكوتا، اذ انها ضد حصر المرأة في رقم، مشيرةً الى أن في قضاء بشري نسبة المرشحات على اللوائح وصلت الى 30% وأحياناً تخطّت هذه النسبة. أما في الأقضية الأخرى، فالنسبة اختلفت، الّا ان العنصر النسائي لم يغب عن لوائحها.
الحزب التقدمي الاشتراكي، مع اقرار الكوتا غير أن بعض العوائق حالت دون التزامهم بنسبة 30% ومن هذه العوائق العنصر العائلي والموروثات الثقافية في القرى التي تُفضّل أن يمثّلها الرجال، لكنّ الحزب التقدمي شدد على وجود إمرأتين مرشحتين أقله في كل لائحة. ولفت الى أنه نجح بإيصال رئيسات بلدية، مؤكداً أنه على الطريق الصحيح في رحلة الألف ميل.
التيار الوطني لم يتمكن من الالتزام بدوره بنسبة 30% في كل اللوائح، غير أن الوجوه النسائية لم تغب عن اللوائح التي دعمها. أما في الجنوب، حيث حزب الله وحركة أمل الداعمان الأساسيان للوائح، فهناك 20 مرشحة من أصل 190، تسجلوا على المنصة الالكترونية التي أطلقها محافظ الجنوب حتى إعداد هذا المقال.
واقع التمثيل النسائي في البلديات
وفق “الدولية للمعلومات”، بلغتْ نسبة المرشّحات الى البلدية في كل المحافظات في العام 2016 نحو 6.87 في المئة اي ما يعادل 661 مرشحة، واقتصرت نسبة الفائزات على 5.44 في المئة. ولم تكن هذه النسب أعلى بكثير مما شهدتْه انتخابات العام 2010 حيث بلغت نسبة المرشحات 5.6 في المئة ونسبة الفائزات 4.69 في المئة. وإذ شهدت الانتخابات الاختيارية فوز 57 من أصل 381 مرشّحة، فلم يتخطّ عدد الفائزات برئاسة البلدية سبع نساء، وأتت غالبيتهنّ من خلفية وراثية أو حزبية.
أما فيما يتعلق بنتائج الفائزات لهذا العام، فأشارت بوفرحات الى أنه يُتوقع أن يصل عدد الفائزات الى 1200 أو 1500 سيدة.
والى حين انتهاء الانتخابات البلدية في كل المحافظات، أكدت بوفرحات أن طموحنا في فيفتي-فيتي، أن يصل عدد الفائزات الى أربعة آلاف أو خمسة آلاف. وجددت تأكيدها أن المرأة ليست قيمة مضافة على اللائحة، بل هي قيمة أساسية بالبلدة وبالمجلس البلدي، مشددةً أن الهدف ليس ايصال النساء الى المجالس البلدية فقط بل الى المجلس النيابي وبنسبة لا تقل عن ٣٠٪.
تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع "إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان". موّل الاتحاد الأوروبي هذا التقرير. وتقع المسؤولية عن محتواه حصرًا على عاتق "مؤسسة مهارات" وهو لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي.
ينشر هذا التقرير بالتزامن مع موقع almada.org.