Loading...

البنى التحتية للمياه في لبنان متداعية رغم عشرات الهبات ومشاريع التطوير

 

رغم الأموال الطائلة التي أنفقتها الدولة والجهات المانحة طيلة عقود لتطوير البنى التحتية للمياه وشبكات الصرف الصحي، إلا أن القطاع لا يزال متداعيًا لأسباب سياسية وقانونية وتطبيقية عدة، وتحول تحديات على مستويات عدة دون إحراز أي تقدم.

 

حقّق لبنان المرتبة 120 بين 144 دولة من الدول المتوسطة لناحية جودة فعالية قطاع المياه بحسب خلاصة دراسة أجراها البنك الدولي، على وقع العجز الكبير في تقديم كافة خدمات المياه، وما يتبع ذلك من تأخّر أو عدم تطبيق للمشاريع المخصصة لتطوير البنية التحتيّة للمياه المهترئة منذ سنوات. 

 

وتمكن لبنان، وفق تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تموز 2022 "من درء انهيار كامل في بنيته التحتية للمياه، ولكن شبكات إمدادات المياه لا تزال تتأرجح على حافة الهاوية، ما يعرض صحة الملايين من الأشخاص، ولا سيما الأطفال، للخطر".

 

وذكرت المنظمة أنها تحتاج "اليوم إلى 75 مليون دولار أميركي سنويًا للحفاظ على استمرارية تشغيل الأنظمة الحيوية وتدفق المياه إلى أكثر من أربعة ملايين شخص في جميع أنحاء البلاد وحماية الوصول إلى أنظمة المياه العامة وتشغيلها". 

 

وتتحمل جهات عدّة مسؤولية تدهور هذا القطاع، من وزارات معنية وبلديات ومؤسسات تتولى إدارة المشاريع المتعلقة بالقطاع، في ظل تحديات عدة فاقمها الانهيار الاقتصادي قبل ثلاث سنوات، ثم انفجار مرفأ بيروت صيف 2020. وينعكس التردي الحاصل على حياة السكان.

 

وشدّد إطار الإصلاح و التعافي وإعادة الإعمار للبنان في الركن الرابع منه على ضرورة إعادة هيكلة وتطوير الخدمات والبنى التحتية، خصوصًا خدمات المياه.

 

عقود ومشاريع غير مكتملة

في دراسة أجرتها مبادرة غربال، تبيّن أن مجلس الإنماء والإعمار أجرى  بين عامي 2001 و2020،  312 عقدًا و228 مشروعًا بقيمة 763,3 مليون دولار، وفق ما أوضحت إلسي مفرج من المبادرة بناء على بيانات المجلس.

 

وذكرت مفرج لموقع مهارات نيوز أن  إدارات وزارتي الأشغال والطاقة لم تتجاوب إطلاقًا مع طلبات قدمتها المبادرة للاطلاع على قيمة العقود والمشاريع المنجزة في هذا الصدد.

 

  

المصدر: مبادرة غربال: قيمة عقود الصرف الصحي التي أجراها مجلس الانماء والاعمار بحسب المناطق

 

من خلال متابعة أعداد الجريدة الرسمية، توضح مفرج أنه تبيّن أنه منذ العام 1990، جرى "إعطاء الدولة اللبنانية 23 قرضًا و14 منحة بقيمة بلغت 1.5 مليار دولار"،  أبرزها من الدولة الألمانية لصالح وزارة الطاقة وهي بقيمة 46 مليون دولار لمعالجة الصرف الصحي في المناطق اللبنانية المضيفة للنزوح السوري. 

 

ومع التدهور الحاصل في البنى التحتية للمياه، من ناحية تلوثها، واختلاطها مع مياه الصرف الصحي وانهيار شبكات المياه في جميع أنحاء البلاد، يبقى السؤال أين ذهبت الأموال التي كان من المفترض استثمارها لتحسين وتطوير البنى التحتية في المناطق كافة؟

 

غياب التنسيق والتواصل

في إطار تطوير البنى التحتية، يعدّ الاتحاد الأوروبي من الجهات المانحة التي تقف في الخطوط الأمامية لناحية استثمار ودعم وتنفيذ مشاريع الاستجابة لأزمات البنية التحتية للمياه. ويشرح المسؤول عن قطاع المياه في بعثة الاتحاد الأوروبي ميشال بييرباولي، الذي يترأس مجموعة عمل قطاع المياه في إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، أنّه تمّ تخصيص حوالي 200 مليون يورو منذ عام 2013 وأكثر من 60 مليون يورو منذ إنشاء الإطار مع 5 ملايين دولار مخصصة لتحسين إمدادات المياه إلى مناطق بيروت المتضررة من الانفجار .

ويعدد بييرباولي أبرز التحديات على المستويات الحكومية والعملية والعامة:

 

1. على المستوى الحكومي:

- عدم إعطاء الأولوية لتحسين خدمات المياه ضمن موازنات الحكومات السابقة

- ضعف البيانات التي توضح تفاصيل هذا القطاع

- نقص عام في خبرة الهيئات الحكومية في التكيف مع مشاركة المجتمع المدني في آليات الإصلاحات

 

2. على المستوى العملي:

- قلة الموظفين والعمال العموميين للحفاظ على استمرارية داخل قطاع المياه

- تخفيض الرسوم المحصلة من قبل مؤسسات المياه (القيمة الحالية 10٪ من القيمة المحصلة قبل الأزمة)

- عوامل أخرى تضاعف أزمات المياه: أزمات الطاقة والقطاع الكهرباء

 

3. على المستوى العام:

- عدم التزام المواطنين بواجباتهم تجاه متطلبات هذا القطاع، لناحية دفع تعرفة المياه أو ربط شبكات مياه غير قانونية

- نقص في نشر المعلومات حول الأنشطة التي تتم داخل هذا القطاع بين وسائل الإعلام والجمهور

- قلة المتابعة وسوء التنسيق لنطاق عمل المجتمعات المدنية

 

بهدف الحد من الأزمات الحالية وتوفير خدمة أكثر استدامة، يوصي بييرباولي المنظمات المدنية وغير الحكومية، العاملة في هذا القطاع، بزيادة مشاركتها في عمليات إصلاح وإعادة ترميم البنى التحتية للمياه، بالإضافة إلى نشر المزيد من التوعية حول أهمية هذا القطاع بهدف رفعه إلى مستوى أعلى في النقاشات ووضعه على الأجندات السياسية.

 

 ويوضح ياب فان ديجيل، العضو في سكرتارية إطار الإصلاح و التعافي وإعادة الإعمار لموقع "مهارات نيوز"، أنّ "الجوانب الرئيسية المفقودة التي برزت خلال عمل إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار كانت الفجوة في التنسيق والتواصل، كما الخطابات السياسية التي كانت ولا تزال تشكّل عقبات في تنفيذ الإصلاحات اللازمة". 

 

وشدد على أهمية توحيد قنوات التواصل والمتابعة بين المؤسسات العاملة والمشاركة في قطاع المياه لإعادة بنائه، كون الأزمة تتجاوز عمل ومسؤولية وزارة أو مؤسسة واحدة فقط.

 

تحديات قانونية

ومشكلة البنى التحتية للمياه، وفق ما تشرح النائبة الدكتورة نجاة صليبا لموقع "مهارات نيوز"، ناتجة عن "إهمال رسمي لسنوات، بالإضافة إلى اختلاط الصرف الصحي بالمياه بسبب عدم وصل شبكات الصرف الصحي بمعامل التكرير التي أنشئت من قبل دول مانحة".

 

ويفاقم انقطاع الكهرباء لساعات طويلة الوضع سوءًا مع توقف جميع معامل التكرير عن العمل. وتقول صليبا "أصبحت مياه الصرف الصحي إما على الطرقات بسبب الفيضانات التي يشهدها لبنان، أو مجمّعة في المعامل أو تم تحويل مسارها إلى الأنهر، ما فاقم مشكلة تلوث المياه في السنين الماضية".

 

وتقدمت صليبا بكتاب إلى مجلس النواب ورئيس الحكومة حول ضرورة إنشاء هيئة وطنية للمياه، لم تبصر النور بعد منذ إقرار قانون المياه. في هذا الإطار، أوضحت صليبا أن عدم التنسيق بين الجهات المعنية من مجلس الانماء والاعمار، الوزارات المختصة ومصالح المياه وغياب الرقابة التي تهدف إلى الحفاظ على سلامة البيئة، من ضمنها المياه، أدى الى تحول انتشار فيروس الكوليرا من مشكلة صحية إلى مشكلة بيئية.

 

الكوليرا في المرصاد

وفي إطار معالجة التداعيات الصحية الناتجة عن تدهور قطاع المياه، أكدت منظمة اليونيسف ردًا على أسئلة "مهارات نيوز"، أنها تدعم بشكل كبير خدمات المياه منذ بداية الأزمة، بما في ذلك توفير الإمدادات والمواد الاستهلاكية وإصلاحات الاستجابة السريعة لضمان حصول كل فرد على المياه الصالحة للشرب، خصوصًا منذ الإعلان عن تفشي الكوليرا، لضمان استجابة منسقة لاحتواء تفشي المرض والحد من انتشاره.

 

مع ذلك ، شددت اليونيسف على خطورة وضع إمدادات المياه والمخاطر التي يرتّبها على صحة المجتمعات، خصوصًا تلك الأكثر ضعفًا، بعدما باتت شبكات المياه على حافة الهاوية في جميع أنحاء البلاد.

 

وأوردت في تقريرها الأخير "في حين تم تفادي الانهيار التام لشبكات إمدادات المياه العامة حتى الآن، لم يتم حل الأزمة ويتأثر ملايين الأشخاص بمحدودية توفر المياه النظيفة والآمنة" مشددة على أن "المسألة ذات أهمية كبرى لصحة الأطفال والعائلات في لبنان".

 

TAG : ,البنى التحتية ,المياه ,شبكات الصرف الصحي ,خدمات المياه ,الأنظمة الحيوية ,شبكات المياه ,أزمات البنية التحتية