Loading...
false

غير صحيح

الانتخابات البلدية
هل يمكن محاسبة المخالفين لقواعد الصمت الانتخابي من خلال توثيق هذه المخالفات؟
12/05/2025

أصدر وزير الداخلية تعميما في الاول من ايار بناء على أحكام المادة 78 من القانون رقم 44 تاريخ 17/6/2017 المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، والمُطبق على الانتخابات البلدية والاختيارية مطالبا وسائل الاعلام الالتزام بفترة الصمت الانتخابي. مشددا على ضرورة اقتصار التغطية الاعلامية يوم الاقتراع على نقل وقائع العملية الانتخابية فقط. 

وقد أتت خطوة وزير الداخلية من دون ارفاق التعميم بأي آلية محاسبة لمخالفي قواعد الصمت الانتخابي، وفي ظلّ انقطاع هيئة الاشراف على الانتخابات التي كلّفت بمراقبة الانتخابات النيابية 2022 عن الاستمرار في ممارسة مهامها وفق احكام المادة 11 والتي تنصّ حرفيا على أنّ "تستمر الهيئة القائمة بمتابعة مهامها لحين تعيين هيئة جديدة". 

ويقول المحامي طوني مخايل لـ"مهارات نيوز" إنّ "هذا الانقطاع هو قسري، نتيجة عدم تأمين الامكانيات الادارية واللوجستية والمالية لتأمين استمرار عمل الهيئة القائمة، بالإضافة لعدم وجود ارادة سياسية بتعيين هيئة جديدة كما ينص القانون والعمل لتأمين الاستقلالية لهذه الهيئة ومنحها الصلاحيات اللازمة لممارسة دورها بشكل فعّال لضمان شفافية ونزاهة الحملات الانتخابية".

لذا اقتصرت مراقبة العملية الانتخابية على منظمات المجتمع المدني في ظلّ غياب الهيئة، وقد وثّقت منظّمة لادي في تقرير لها حول الانتخابات البلدية في محافظة جبل لبنان بتاريخ 5 أيار 2025، 838 مخالفة بالإضافة إلى خروقات فاضحة لقواعد الصمت الانتخابي، فهل يمكن محاسبة المخالفين لقواعد الصمت الانتخابي من خلال توثيق هذه المخالفات؟

 

بالعودة أولا إلى قانون البلديات، تنصّ المادة 16 من القانون أنه تسري على الانتخابات البلدية أحكام قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب في كل ما لا يتعارض وأحكام هذا القانون.

وقد نصّت المادة 9 من قانون الانتخابات النيابية رقم 44/2017 على انشاء هيئة دائمة تسمّى هيئة الاشراف على الانتخابات، والتي تتمتّع بالعديد من الصلاحيات المنصوصة في المادة 19 منها مراقبة التقيّد بالصمت الانتخابي. 

وبما أن هذه المواد لا تتعارض مع قانون الانتخابات البلدية، فإن الهيئة أيضا موكلة بمراقبة الانتخابات البلدية.

 في هذا الإطار يقول الخبير في شؤون الانتخابات نزيه درويش في حديث لـ"مهارات نيوز" إنّ "المادة 16 من قانون البلديات طوّرت القانون عبر ربطه بقانون الانتخابات النيابية ولكن هناك علامات استفهام حولها، إذ تفتح الباب أمام الاستنسابية بالأحكام التي يتم أخذها من قانون الانتخابات النيابية وتطبيقها على الانتخابات البلدية، فقد تم اعتماد الصمت الانتخابي ولكن لم يتم اعتماد هيئة الاشراف على الانتخابات ولم يتم تحديد آليات مراقبة الصمت الانتخابي والعقوبات التي ستوضع على المخالفين". 

 

غياب الهيئة: محاسبة المخالفين صعبة ومعقّدة. 

إذا، لم يتمّ تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات، لتنحصر عملية المراقبة ببعض هيئات المجتمع المدني، وفي  تقرير لجمعية "لادي" حول انتخابات محافظة جبل لبنان، تم تسجيل 838 مخالفة معظمها متعلّق بسرية الاقتراع، بالإضافة إلى خروقات فاضحة للصمت الانتخابي من قبل العديد من وسائل الإعلام، خصوصًا المرئية، التي بثّت تصريحات لمسؤولين سياسيين وحزبيين خلال يوم الاقتراع، فضلًا عن استصراح المرشحين، وحتى الناخبين وسؤالهم عن خياراتهم الانتخابية، ما يشكّل نوعًا من الدعاية الانتخابية".

ويعدّ تسجيل الخروقات خلال هذه المراحل أساسياً من أجل ضمان نزاهة العملية الانتخابية عبر توثيق الوقائع والمخالفات والانتهاكات كي لا تضيع الأدلة والاثباتات مما يمنع الإفلات التام من المحاسبة، ويساهم في الحد من الخروقات والتجاوزات ويحمي نزاهة العملية الانتخابية لأبعد حد، بحسب البابا.

وردا على سؤال مصير هذه المخالفات، تقول المديرة التنفيذية لجمعية "لادي" ديانا البابا لـ"مهارات نيوز" إنّ "غياب هيئة الاشراف عن الانتخابات لا يعني بالضرورة غياب المحاسبة، لكن تكون آلية الرقابة أكثر تعقيدا وتأخراً، من هنا تبرز أهمية المنظمات والجمعيات الرقابية التي تعتمد على التوثيق المستقل والشفاف".

وحول تفاصيل آلية المحاسبة، تضيف البابا أنّ "في حال تقديم طعون من قبل المرشحين بناء على هذه الخروقات، ينظر القضاء المختص بالطعن وتكون الخروقات بمثابة مستندات موثّقة تدعم الطعن وتسهّل النظر في شرعية النتائج أو مدى تأثير الخرق".

وتشير البابا إلى أنّ "تسجيل الخروقات في ظل غياب الهيئة وحتى في حال وجودها يشكل جزءا اساسيا في ملف الطعن الانتخابي. فتسجيل الخروقات يكون في معظم الأحيان موثقاً بالصور أو الفيديوهات، أو بشهادات الاشخاص، أو حتى عبر المراقبين الذين هم مدربون على التوثيق بكل شفافية وحيادية، مما يدعم الأدلة أمام القضاء الذي يحتاج من أجل اصدار قراره الى أدلة واثباتات ودعم للحجة القانونية. وبالتالي فإن ثبوت الخروقات له تأثير على احتساب أصوات الناخبين وقد يعرض النتائج الى الابطال في الدوائر التي حصلت فيها المخالفات.

أي أنّ عملية المحاسبة لا تحصل بشكل تلقائي بل هي مرهونة بأن يتقدّم أحد المرشحين بطعن أمام القضاء المختص، وفي نفس السياق، يشير الخبير الانتخابي نزيه درويش إلى أنه "من دون هيئة اشراف على الانتخابات، لا إمكانية للمحاسبة اليوم، اذ لا وجود لجهة تطلب من وسائل الاعلام تزويدها بتفاصيل تغطيتها للتأكد من قانونيتها".  

إذا على الرغم من توثيق انتهاك قواعد الصمت الانتخابي، إلاّ أن ذلك لا يقود إلى محاسبة المخالفين بسبب عدم وجود هيئة من خالف قواعد الصمت الانتخابي بشكل مباشر، لتبقى عملية المحاسبة محصورة ومرهونة بتقديم 

يذكر أنّ قانون الانتخابات النيابية، وتحديدا المادة 20 يعطي الحق لجمعيات المجتمع المدني بمراقبة الانتخابات ولكن تحت اشراف الهيئة مع وجوب توافر العديد من الشروط في الجمعية. 

 

هيئة الاشراف: اصلاحات اساسية مطلوبة

بحسب المادة 19 من قانون الانتخابات النيابية رقم 44/2017، تتعدّد صلاحيات هيئة الاشراف على الانتخابات كإصدار القرارات والتعاميم ضمن مهامها ورفع الاقتراحات، تلقّي طلبات وسائل الاعلام الراغبة بتغطية الانتخابات ووضع قواعد سلوك التغطية، مراقبة التقيّد بالصمت الانتخابي،  تلقي الشكاوى في القضايا المتعلقة بمهامها والفصل بها، ويعود لها أن تتحرك عفواً عند تثبتها من أية مخالفة واجراء المقتضى بشأنها بالإضافة إلى العديد من المهام. 

وفي هذا الإطار، يشرح الخبير الانتخابي نزيه درويش أنّ "هيئة الاشراف على الانتخابات وعندما كانت موجوده كان دورها فقط تسجيل هذه الخروقات واصدار التقارير ولم يكن لديها السلطه لمحاسبه الخارقين أو احالتهم إلى القضاء المختص وبالتالي لم تتمّ المحاسبة، فالهيئة منقوصة الصلاحيات وهو ما يشكّل تحدي كبير أمام عملها".

وفي تقرير هيئة الاشراف على الانتخابات الصادر في العام 2022 حول الانتخابات النيابية، أشارت الهيئة صراحة إلى صلاحياتها المحدودة بملاحقة المخالفات بارزة العديد من الأمثلة، بالإضافة إلى ذكر التحديات اللوجستية والمالية والتي تحول دون القيام بمهامها بالشكل المطلوب. 

من هنا يشير درويش إلى "وجوب تعديل القانون لناحية صلاحيات الهيئة وأن تصبح جهازا دائما كما نصّ القانون لناحية الموظفين اللذين يقومون بكل المهمات الأرشيفية ومراكمة المعلومات والشكاوى، بالإضافة إلى تعديل موازنة الهيئة لتستطيع القيام بكل واجباتها ونشاطاتها".

وعلى الرغم من صلاحيات الهيئة المحدودة، والاصلاحات المطلوبة لتعزيز دورها، إلاّ أنها جهة نصّ عليها القانون وبالتالي من المفترض أن تأخذ دورها في الانتخابات، هنا يشير درويش إلى "ضرورة وجود هيئة الاشراف على الانتخابات، إذ لا يمكن اليوم العودة إلى الوراء وعدم تطبيق النصوص القانونية، بل يجب تشكيلها لتمارس دورها الرقابي والبناء عليه لتحسينه".

 

إذا، وبالعودة الى المعطيات والمعلومات المذكورة سابقا، غير صحيح أنّه يمكن محاسبة المخالفين لقواعد الصمت الانتخابي، في ظلّ عدم اعتماد وزارة الداخلية أي آلية محاسبة في التعميم المنشور، وفي ظلّ غياب لدور هيئة الاشراف على الانتخابات وصلاحياتها المحدودة.