Loading...
true

صحيح

Imf 25
هل إتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي يعزّز فعلاً الإقتراض بالعملة الأجنبية من الخارج؟
02/05/2025

في اجتماعات هذا العام، جدّد الممثلون اللبنانيون تأكيد اهتمامهم بالتوصل إلى اتفاق إصلاحي شامل مع صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على مساعدات مالية. وتمثل هذه المحاولة الثالثة التي تسعى فيها حكومة لبنانية إلى عقد مثل هذا الاتفاق منذ انهيار الاقتصاد اللبناني في أكتوبر 2019. 

التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي اليوم يُعد شرطًا لا غنى عنه للحصول على دعم مالي للبنان - الذي تُقدّر خسائره بأكثر من 80 مليار دولار، تُضاف إلى هذه الخسائر الأعباء الناتجة عن الحرب الأخيرة، حيث قدّرت مجموعة البنك الدولي الأضرار بـ 14 مليار دولار - وللعودة إلى الأسواق المالية العالمية وعودة التدفقات المالية.

فهل إتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي يعزّز فعلاً الإقتراض بالعملة الأجنبية من الخارج؟

بالعودة إلى الاتفاق الذي توصّلت إليه حكومة نجيب ميقاتي مع صندوق النقد الدولي في نيسان 2022، الذي مضى عليه أكثر من سنتين. تضمن هذا الإتفاق منح الحكومة قرضاً بقيمة 3 مليارات دولار على أربع سنوات، بشرط تنفيذ سلسلة إجراءات مالية ونقدية حدّدها الصندوق. 

وتنفيذاً للاتفاق، أُقرّت تعديلات على قانون السرية المصرفية لم يعتبرها صندوق النقد كافية، وجرى توحيد سعر الصرف بشكل تلقائي مع استلام حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، وأقرّت موازنة 2023 التي لم تسجّل، دفترياً، أي عجز، بالعكس على الواقع سجّلت عمليات الخزينة فائضاً مالياً كبيراً ما يزال موجوداً في حساباتها لدى مصرف لبنان حتى الآن.

والمشكلة الأساسية التي لم تعالج، هي مسألة توزيع الخسائر ومعالجة أوضاع المصارف، وما يلحقها من ملفات. 

في هذا الإطار يقول أستاذ الإقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية، الدكتور خليل جبارة في حديثٍ لـ"مهارات نيوز"، أن لبنان اليوم دولة أعلنت تعثّرها عن دفع مستحقاتها عن الدين الخارجي، وبالتالي أصبح لبنان خارج سوق الإقتراض العالمي أو المحلي. وإذا أراد لبنان العودة الى الأسواق المالية العالمية وأن تعود التدفقات المالية، فالإتفاق مع صندوق النقد ليس فقط خيار بل هو ضرورة. فمن الواضح أن جميع أنواع المساعدات العالمية المالية وبقرار دولي لن تأتي للبنان إلا عبر الإتفاق مع صندوق النقد، لأنه يشكّل ضمانة بأن لبنان بدأ يأخذ تطبيق الإصلاحات على محمل الجدّ. 

ويضيف أن جميع المانحين وجميع الدول الصديقة للبنان تشترط اتفاق لبنان مع الصندوق كطريقة وحيدة لبدء تنفيذ إصلاحات نقدية و مالية وهيكلية وقطاعية، والدول لن تقدم أي مساعدات إلا من خلال هذا الاتفاق لأنها تفتقد إلى الثقة بالتعامل مع الطبقة السياسية اللبنانية.

ويشرح دكتور خليل أن أحد شروط صندوق النقد الـ Debt Sustainability أو إستدامة الدين، ما يعني أن الدول التي تدخل ضمن إطار البرامج مع الصندوق يجب أن تؤمن استدامة للدين. وهذا الأمر يعني القطاع المصرفي في لبنان لأن الصندوق يشترط في مسألة توزيع الخسائر - التي لم يتفقوا في لبنان على طريقة لتوزيعها بعد - استدامة الدين. فعلى سبيل المثال أي نوع من الخسائر تتبناها الحكومة اللبنانية يجب أن تؤمن استدامة للدين اللبناني، فإذا قالت الحكومة اللبنانية إنها تتحمل 70% من الخسائر دين عليها تصبح الخسائر بذلك 50 مليار وهذه الـ 50 مليار تعادل 200% من الناتج المحلي اللبناني وبالتالي هذه الأرقام لا تسمح بتأمين الإستدامة المالية.

ويوضح أن البعض يتهم صندوق النقد الدولي بأن جزء من الإتفاق معه هو لشطب الودائع والبعض الآخر يتهمه بأنه يريد تحميل المصارف خسائر أكبر. ولكن هذه النظريات ليست سياسة مباشرة لصندوق النقد الدولي وإنما تداعيات لهدف صندوق النقد بتأمين استدامة مالية للدين وهذا الأمر يؤثر بالتالي على طريقة احتساب الخسائر في لبنان. وبالتالي فإن إعتبار الحكومة اللبنانية خلال توزيعها للخسائر أن خسائر القطاع المصرفي هي دين عليها، يتعارض مع أحد شروط صندوق النقد وعندها يكون الحلّ إمّا شطب الودائع أو إعادة توزيعها بطريقة أخرى. 

في المقابل يرى الباحث في الشؤون الاقتصادية والمصرفية، محمد فحيلي في حديثٍ لـ"مهارات نيوز" أنه لا يجب غضّ النظر اليوم عن أمر أساسي ومهم وهو أن الطبقة السياسية متهمة بهدر المال العام وإساءة إدارة المالية العامة، وعدم إقرار أي إصلاحات لإنقاذ الشعب اللبناني من الانهيار الاقتصادي منذ العام 2019. وأن السلطة التنفيذية اليوم هي برئاسة كلّ من رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام وهم رجال دولة، في حين أن السلطة التشريعية بيد 128 نائب وهم رجال سياسة، وإقرار قوانين مثل إعادة هيكلة المصارف والسرية المصرفية هو بيد هؤلاء السياسيين. 

ويشرح أن لبنان اليوم بحاجة إلى إبراء ذمة، ومن أفضل الطرق للوصول إليها وعودة القطاع المالي اللبناني إلى القطاع المالي العالمي تكون عبر الاتفاق مع سلطة لها مصداقية على المستوى العالمي ولديها القدرة والكفاءة على تقديم إبراء الذمة، وهذه السلطة هي صندوق النقد الدولي. حيث يعمل الصندوق على تقييم الدولة، أداء المالية العامة، وأداء القطاع المالي، ويمكنه الإشارة إلى صوابية الطريق الذي يتخذه لبنان، والمؤشر على ذلك التوصل الى اتفاق مبدئي على صعيد الموظفين لتتعهد بعد ذلك الدولة بتنفيذه.

ويضيف، عند تنفيذ الشروط يخرج المجلس التنفيذي لصندوق النقد ليعلن الاتفاق، ويصل لبنان إلى برنامج إنقاذ. وعند الوصول الى هذا البرنامج تكون السلطة في لبنان قد استوفت شروط البلد المنتظم، وعندها تتمّ إعادة هيكلة الدين وخروج لبنان من اللائحة الرمادية، وتصبح المالية العامة منتظمة، وتعود الحياة الى القطاع المالي اللبناني، وهذا هو الهدف من الاتفاق مع الصندوق.

وبعد ذلك إذا أراد لبنان الاستدانة من الأسواق المالية العالمية يصبح ذلك تفصيل، ولكن تكون الأبواب باتت مفتوحة عالمياً للإقتراض بالعملة الأجنبية من الخارج.

إذاً، الإشكالية المطروحة صحيحة، فإن الاتفاق مع سلطة لها مصداقية على المستوى العالمي ولديها القدرة والكفاءة مثل صندوق النقد الدولي يشكّل إحدى الطرق للوصول إلى إبراء الذمة وعودة القطاع المالي اللبناني إلى القطاع المالي العالمي.