Loading...

الدواء "غير الموجود" في لبنان: تأخر في فتح الاعتمادات واحتكار... على حساب المواطن

 

حال جميع المواطنين في لبنان مذرية. كل يوم يمر فتزداد فيه الكوارث، ويغرق المواطن أكثر من كثرة الازمات من حوله. فأصبح العيش في لبنان حقاً شبيهاً بجهنّم. واليوم وصلت خطورة هذه الازمات لتهدد حياة المواطن بدوائه واستشفائه. فالأدوية على أنواعها مفقودة، أو محتكرة، وان وجدت، فهناك حوالي 70% من المواطنين ليس لديهم القدرة على شرائها، وهو معدّل من هم دون خط الفقر في لبنان. في بلد الكوارث والعجائب، يعيش اللبنانيون أسوأ أزمة صحية واقتصادية واجتماعية لم يشهدها لبنان حتى أيام الحروب الكثيرة التي حصلت. فهل الدواء مقطوع أم محتكر من قبل التجار في المستودعات أم من قبل الصيدليات؟ هل المشكلة في عدم رفع الدعم أم في عدم فتح اعتمادات من قبل مصرف لبنان؟ وهل يساهم قرار وزير الصحة السماح بالاستيراد المباشر للأدوية بحلّ الأزمة أم ان كارتيل الأدوية يقف بالمرصاد؟ كلها أسئلة لا اجابات عنها وليس دور المواطن أن يجد حلولاً أو إجابات. فمهما كانت أسباب الأزمة النتيجة واحدة لا دواء يصل الى اللبنانيين في ظل عجز رسمي عن إيجاد حلول مستدامة لكل الأزمات ومنها أزمة الأدوية، فيدفع المواطن ثمن هذا العجز.

"جلت على صيدليات لبنان كلها تقريباً لأشتري الدواء لأني أعاني مرضاً مزمناً" يقول أحد المواطنين، ويضيف "حين وجدته لم يستطع الصيدلي إعطائي أكثر من ورقة واحدة من العلبة، متحججاً أن عليه إعطاء سواي أيضاً". يشكو حالته الصحية المتردية، "إذا لم أخذ الدواء أموت. هل هذا ما يريده حكامنا أن يقتلونا جميعاً؟ لا دواء، لا ماء، لا كهرباء، لا أبسط مقومات العيش الكريم". 

تقول مواطنة أنها منذ أسبوع تحاول العثور على علبة بانادول في الصيدليات الا أنها لم تجد. أعطتها إحدى الصيدليات ورقة واحدة بـ20 ألف ليرة. "حتى البانادول لم يعد في استطاعتنا شراؤه. وكل يوم يخرجون علينا بقرار جديد لا يطبّق، كل ذلك على حسابنا".

سبب الأزمة

ازمة الدواء في لبنان بدأت منذ عام تقريباً، لكن مع بداية هذه السنة، اشتدت كثيراً مع شبه انقطاع الدواء من كافة الصيدليات في لبنان، وقد حذرت حينها نقابة مستوردي الادوية من نفاذ مخزون الادوية في الأسواق. كما اعتبر نقيب الصيادلة غسان الأمين أن 60 الى 70% من الأدوية غير متوافرة في الصيدليات والشركات لا تسلّمها الأدوية، وهو يطالب باستيراد الأدوية الأرخص وذات الجودة العالية. تقول الصيدلانية زينة نحاس ان انقطاع الدواء له أسباب عدة أولها الازمة المالية والاقتصادية، وتأخير البنك المركزي بفتح الاعتمادات المصرفية، كون الأدوية المدعومة تشكل 85%، ثم تأخر البنك بتحويل الأموال للمستوردين الذين هم بدورهم تأخروا بتحويل الأموال الى شركات الادوية المصدّرة في الخارج، وهذا بدوره أدى الى التوقف المؤقت لعملية الاستيراد والتوقف نهائياً في بعض الحالات. أما السبب الثاني لتفاقم هذه الازمة، فهو تهريب الأدوية عبر المعابر غير الشرعية الى البلدان المجاورة كسوريا والعراق ومصر. إضافة الى سبب آخر وهو تخزين واحتكار هذه الادوية من قبل بعض التجار في المستودعات لاعتقادهم أنه في حال رفع الدعم عن الأدوية يتمكنون من بيعها في أسعار خيالية ومن جني أرباح طائلة حتى لو كان على حساب صحة المواطنين.

هذه الازمة لم تقتصر فقط على الصيدليات، فهي طالت المستشفيات ايضاً. ويؤكد عضو مجلس إدارة نقابة المستشفيات ميشال شاهين ان ازمة فقدان الادوية من المستشفيات بدأت منذ حوالي 8 أشهر، فبعض الادوية مفقود تماماً والبعض الآخر متوفر لكن بكميات ضئيلة جداً، محاولين بشتى الطرق إيجاد البديل عنها. مشكلة المستشفيات هي شبيهة بمشكلة الصيدليات، فالشركات التي تسلم الادوية كانت تمهل فترة أشهر لتسديد الفواتير، اما اليوم ومع تفاقم كل الازمات، فأصبح أصحاب الشركات يطالبون بتسديدها شهرياً او بعد شهرين كحدٍ اقصى من دون أي مهلة إضافية.

رفع الدعم  

اجتماعات عدة عقدها رئيس الجمهورية مع وزير الصحة والمعنيين بالقطاع الصحي والاستشفائي لمعالجة أزمة الدواء آخرها بعد صدور القرار برفع الدعم عن 75% من الأدوية وإبقائه على أدوية أساسية أخرى، خصوصاً أن مصرف لبنان حدد سقف الدعم للأدوية بـ50 مليون دولار شهرياً. وتقرر ضرورة التزام مصرف لبنان بجدولة المستحقات لصالح الشركات المستوردة، إضافة الى السماح بالاستيراد الطارىء والمتوازي ضمن معايير الجودة والأنظمة المرعية الإجراء، وتفعيل الصناعة الدوائية المحلية، وكلها عوامل تشكل وسائل حلول لهذه الأزمة. وكانت وزارة الصحة قد أصدرت لائحة بالأدوية غير المدعومة وحددت سعرها بالليرة اللبنانية ولائحة أخرى بالأدوية التي يمكن تصنيعها في لبنان بالمواصفات عينها. أما أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية فتقرر الإبقاء على دعمها رغم فقدانها من الأسواق أو ارتفاع أسعارها في شكل خيالي يعجز المواطن العادي عن شرائها.

مع كل هذا الدوران، فلا حلول ولا من يحزنون. كارتيل الشركات المستوردة ما زال يتحكّم بسوق الدواء. ومصرف لبنان يتأخر في فتح الاعتمادات بعدما خفّض الدعم الى 50 مليون دولار. علماً أن الدعم حالياً هو من الاحتياطي الالزامي أي من أموال المودعين التي تذهب الى كارتيلات الأدوية على حساب الشعب الفقير. وكل هذه الاجراءات والاجتماعات والنقاشات لم تساعد الى الآن في الحدّ من القهر والذلّ اللذين يعانيهما الشعب اللبناني نتيجة الشحّ في الأدوية، كما لم تساهم باستقرار سوق الدواء وديمومته.

TAG : ,الدواء ,لبنان ,وزير الصحة ,وزارة الصحة ,الصيدليات ,المستشفيات