Loading...

الطاقة المتجددة 2030... هل يفي لبنان بتعهداته في مؤتمر "COP28"؟

 

مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية، وتزايد الظواهر الجويّة المتطرفة التي تؤثر على الناس في جميع أنحاء العالم، تعهدت أكثر من 110 دول خلال فعاليات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 28" في دبي بزيادة الطاقة المتجددة بمقدار 3 أضعاف بحلول عام 2030، وذلك في إستكمال لتبني 197 دولة لاتفاق باريس في مؤتمر الأطراف "كوب 21" في باريس في 12 كانون الأول 2015، والذي يهدف إلى الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الإحتباس الحراري العالمي والحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة.

على هامش مؤتمر COP28، أعلن وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض أن لبنان ماضٍ قدمًا في الوصول إلى مستهدف 30% من إجمالي إستهلاك الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2030، وأكد بأنه تم الوصول إلى 1000 ميغاواط. 

يُذكر بأن لبنان إلتزم إثر اتفاق باريس بتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 30 بالمئة بحلول عام 2030 وتتوزع هذه النسبة بين تخفيض بنسبة 15 بالمئة كهدف "غير مشروط"، وتخفيض إضافي بنسبة 15 بالمئة من الإنبعاثات "مشروط بدعم دولي".

مشاريع سابقة لم تنفذ 

يُعدّ مشروع قانون الطاقة المتجددة في لبنان خطوة مهمة على طريق حلّ أزمة الكهرباء، إلّا أنه يواجه عوائق أساسية منها عدم تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وعدم إقرار مشروع قانون الطاقة المتجددة في لبنان، مع العلم بأنه في العام 2017، أعلنت وزارة الطاقة والمياه عن دعمها للعديد من مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية على نطاق المرافق العامة، وكان الهدف الرئيسي وراء هذه المشاريع إعادة بيع الكهرباء إلى شركة كهرباء لبنان بموجب اتفاقية شراء الطاقة "PPA"، وفي أيار 2023 وقّع فياض عقود شراء الطاقة لبناء 11 محطة شمسية لإنتاج الكهرباء بقدرة 15 ميغاواط لكلّ محطة، على أن يُربط الإنتاج على شبكة كهرباء لبنان و يتم بيعه للمؤسسة، إلّا أنّه وبعد مرور ست سنوات على الإقتراحات المذكورة، لا تزال كل هذه المشاريع مجردَ حبرًا على ورق.

وبحسب المركز اللبناني لحفظ الطاقة، تُقدّر حاجة لبنان من الكهرباء اليوم بـ 1700 ميغاواط/ ساعة، بعد أن تراجع الطلب على استهلاك الطاقة بنسبة 47% خلال سنوات الأزمة الاقتصادية، حيث كانت تقديرات مؤسسة كهرباء لبنان قبل العام 2019 تشير إلى 3200 ميغاواط/ساعة خلال ساعات الذروة.

وفي السياق، يشير رئيس المركز اللبناني لحفظ الطاقة المهندس بيار الخوري إلى أن لبنان انتقل من إنتاج صفر ميغاواط في عام 2010 إلى 100 ميغاواط في عام 2019 قبل الأزمة، وما بين عامي 2020 و 2022 ارتفع الإعتماد على ألواح الطاقة الشمسية إلى أن وصل إلى قدرة إنتاج 1000 ميغاواط أي 10 أضعاف الرقم في العام 2020.

الطاقة بحاجة إلى حوكمة

بغية تشكيل تحول مبدئي في مجال الطاقة في لبنان وإيفاء لبنان بوعوده بالوصول إلى إنتاج 30 بالمئة من إجمالي استهلاك الكهرباء عبر الطاقة المتجددة في العام 2030، فإن القطاع بحاجة الى الإطار التشريعي اللازم، وهو موجود بالفعل ولكنه بحاجة الى تطبيق من قبل وزارة الطاقة والمياه، ويشمل ذلك تعيين هيئة ناظمة للكهرباء، وفقاً للقانون رقم 462/‏2002، والتي كانت وزارة الطاقة مددت طلبات الانتساب إلى الهيئة لغاية تاريخ 31 آب 2023 ضمنًا، كما المصادقة على مشروع قانون توزيع الطاقة المتجددة المنتظر إقرارُه في مجلس النواب، وهي من ضمن الشروط التي قدمها البنك الدولي لتقديم دعم لقطاع الكهرباء في لبنان.

وحول تعهد لبنان في "كوب 28"، رأت المتخصصة في الشأن القانوني بمجال الطاقة كريستينا أبي حيدر بأن لبنان لا يستطيع الوصول إلى نسبة 30 بالمئة في العام 2030، واعتبرت بأن المشكلة الأساسية اليوم بأنه لا يوجد أي إطار تشريعي يواكب الموضوع، خاصة وأن مشروع قانون الطاقة المتجددة في لبنان لا يزال في أدراج مجلس النواب ولم يُقرّ حتى الساعة، كما أن الإصلاح في قطاع الكهرباء لا يحدث بالقطعة، والهيئة الناظمة للقطاع أساس هذا الإصلاح وهي من تحدد كم نحن بحاجة إلى إنتاج كهرباء اليوم. 

وتقول أبي حيدر في مقابلة لموقع "مهارات نيوز": "للأسف نحن لا نعرف الكمية المطلوبة من إنتاج الكهرباء، لأن كل الدراسات صدرت قبل الأزمة، ودور الهيئة الناظمة تنظيم القطاع وإعطاء الرخص، ونحن بحاجة ماسة إلى هيئة ناظمة بعيدة عن التدخلات السياسية لتضع خطة لبنانية تواكب الواقع الحالي، لأن لبنان لم يعد بحاجة الى خطة العام 2019". 

بدورها، مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوري هايتايان شددت على أن الطاقة المتجددة بحاجة إلى حوكمة واتفاقيات جديدة لإستثمار الأموال وجذبها إلى مشاريع الطاقة، وأكدت بأنه لا ينفع النظر إلى قطاع الطاقة من دون النظر إلى إدارة البلد ككل.

واعتبرت هايتايان بأن مشكلة لبنان أنه لا يوجد قانون لامركزية الطاقة المتجددة، والإطار التشريعي ليس كاملاً كي يحصل هناك زيادة في الطاقة المتجددة، ومن الأزمات الأساسية هو عدم وجود الهيئة الناظمة للقطاع والتي تضع الأهداف ويكون لديها قدرات والطاقم لتطوير القطاع.

هدر في الطاقة المتجددة

الأزمة في لبنان فتحت الباب أمام "الحلول الفردية"، وقد وصلت الطاقة الشمسية إلى مرحلة الإشباع على مستوى التركيب الذي بلغ مداه الأقصى خلال السنتين الماضيتين، وقد شهد السوق شبه ركود في البيع لا سيما مع إقرار الدولة إعفاء على استيراد معدات الطاقة الشمسية. 

وبحسب المتخصصة في الشأن القانوني بمجال الطاقة كريستينا أبي حيدر فإن إنتاج الكهرباء من خلال أنظمة الطاقة الشمسية في الحالة اللبنانية، هو أمر جيد إلا إنه لا يغني عن وجود استراتيجية عامة على مستوى دولة، فلبنان ينتج حوالي 1000 ميغاواط من الطاقة المتجددة بحسب تقديرات المركز اللبناني لحفظ الطاقة التابع لوزارة الطاقة والمياه، وهذا موضوع إيجابي لناحية تخفيف الانبعاثات، ولكن المشكلة في الموضوع بأن محطات الطاقة المتجددة ليست موصولة بالشبكة الكهربائية، ولا فضل للدولة بهذا الموضوع لأنه جاء نتيجة أزمة.

ومن الإشكالات التي حصلت نتيجة عدم وجود خطة وطنية، هو تركيب محطات طاقة شمسية منزلية أكبر من حاجات الناس، إذ لا يستفاد من الإنتاج الكامل لهذه الألواح طوال مدّة تعرّضها للشمس خلال النهار، كما أنه حتى هذه اللحظة لا يمكن وصل هذه الطاقة بالشبكة الكهربائية العامة، لأنه كل شيء يتم وصله بالشبكة يذهب هدرًا نظرًا لعدم وجود الكهرباء، وعليه هناك هدر في المنتج الفائض من الكهرباء في الأنظمة الشمسية الخاصة (بيوت، مصانع، شركات).

وفي السياق، لفتت أبي حيدر إلى أنه لا يوجد إصلاحات متكاملة لقطاع الكهرباء على الصعيد الوطني، والمبادرات كلها فردية والحلول عشوائية، وعليه لم نصل حتى الساعة الى تخفيف إستعمال المولدات الخاصة لتخفيف الإنبعاثات الدفيئة 30 بالمئة حتى عام 2030، وأكدت على أهمية وجود قانون ينظم القطاع، إلا أن المشكلة هي أن التطبيق سبق التشريع وهو ما أدى إلى الفوضى في هذا القطاع، وهذا القانون يسمح للبلديات واتحادات البلديات بتركيب طاقة والتوزيع للسكان، أو مثلا تركيب طاقة شمسية في منطقة البقاع حيث المساحات الواسعة والأراضي الرخيصة وجرّ هذه الطاقة الى بيروت والمناطق المكتظة. 

بدورها، لفتت هايتايان إلى أن قطاع الطاقة في لبنان غير قادر على جذب الاستثمارات لأن هناك مشكلة بالنظامين المالي والمصرفي، وأوضحت أن قطاع الطاقة يعاني من ثلاث إشكاليات بحاجة إلى حلّ:

  • الإطار التنظيمي للقطاع

  • الإطار القانوني

  •  الأزمة المصرفية

وأوضحت بأن المواطن الميسور إنتقل من وضع المولد الكهربائي إلى وضع الطاقة الشمسية ولكن هذا الموضوع له حدود، وإذا لم تضع الدولة اطار تشريعي وتبت الهيئة الناظمة سنصل إلى الفوضى وعدم الإستفادة من الموضوع، والمشكلة الأساسية بأننا أمام دولة فاشلة وشلل في جميع المجالات، مشددة ًعلى أنه طالما لا يوجد ادارة رشيدة في الدولة لن يكون هناك استثمار في هذا القطاع، لأن الإستثمار سيواجه حاجزًا مع عدم القدرة على إيجاد التمويل اللازم لهذه المشاريع.

ورأت هايتايان بأن التطور بقطاع الطاقة المتجددة حصل بناءًا على مبادرات فردية وليس وفق خطة للدولة، وهذه المبادرات لا يمكن أن يُبنى عليها، لأننا لا نعرف جودة هذه الأنظمة ومخاطرها، وأين سيتم تلف البطاريات بعد إنتهاء صلاحيتها، حيث سنكون أمام خلق أزمة بيئية ثانية. 

وعليه وبعد عقود من الإهمال والفساد والسياسات غير المستدامة التي اعتمدتها السلطات في قطاع الكهرباء، والتي تسبّبت في انهيار القطاع بالكامل في خضمّ الأزمة الاقتصادية المستمرّة، مثّلت الطاقة المتجددة منفذًا للّبنانيين يُمكن الإتكال عليه، والمطلوب اليوم حوكمة هذا القطاع للإستفادة الفُضلى منه وبطريقة مستدامة.

TAG : ,لبنان ,الطاقة المتجددة ,COP28 ,renewable energy