Loading...

ملف النفايات: حلول موضعية للتغطية على السمسرات والصفقات

 

عادت النفايات لتتكدّس في بعض شوارع بيروت وبعبدا وكسروان بعد أن عرقل نابشو النفايات عملية الحفر في مطمر الجديدة. وفي ظلّ المكبّات المنتشرة عشوائياً والتي تشكّل حلاً مؤقتاً إضافة إلى خطورتها على البيئة والمواطن، أين أصبحت الخطّة المستدامة لإدارة النفايات؟ 

في العام 2015، شهدت شوراع بيروت تراكماً لأكوام النفايات التي تصاعدت منها الروائح الكريهة وسط حر الصيف بسبب خلاف بين الشركة الموكلة جمع هذه النفايات والمطمر الذي تنقل إليه، ما أشعل  إلى احتجاجات  شعبية انبثق عنها مجموعات أبرزها "طلعت ريحتكم" و"بدنا نحاسب" وغيرها.

تختلف الأسباب لكن النتيجة واحدة، أزمة نفايات وتلوث بيئي كبير مع حلول مؤقتة تؤجّل إنفجار البلد بنفاياته.

في شباط ،2017 أعلن رئيس المجلس البلدي لمدينة بيروت جمال عيتاني عن فوز ائتلاف يضم شركة “رامكو للتجارة والمقاولات” المملوكة من وسيم عماش مع شركة “ألطاش" التركية بسعر إجمالي بلغ 70.89 مليون دولار أميركي، على أساس خمس سنوات تعاقد، مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة (30.9 دولار كلفة جمع ونقل الطن).

وتشمل قيمة العقد أعمال الكنس اليدوي والآي وشطف الأرصفة ونزع الإعلانات وتنظيف الشواطئ لقرابة 745 كلم ضمن نطاق بيروت و جمع قرابة ٦٥٠ طن من النفايات يومياً ونقلها الى مركز الفرز في الكرنتينا.

وينص العقد الجديد على وجود ثلاثة  أنواع مستوعبات ستوضع تحت الأرض، للمواد العضوية و المواد القابلة للتدوير والعوادم،  أي بشكل آخر تغيير كامل للبنية التحتية المستخدمة في جمع النفايات بمبلغ 5 ملايين دولار من قيمة العقد.

ويترافق الأمر مع خطة أعلنها عيتاني لإدارة النفايات تنطلق من مبدأ تخفيف حجم النفايات قبل التخلص النهائي من الكميات المتبقية. وترتكز على فرز النفايات من المصدر، وجمع النفايات المفروزة وإعادة تدوير ما يمكن منها، وفرز النفايات مرة ثانية في مصنع الفرز، ومعالجة ما تبقى من النفايات، وإنتاج الطاقة من النفايات المتبقية.

إلّا أن مشكلة العقود وما يشوبها من تساؤلات حول قيمتها وبنودها وكيفيّة تنفيذها لا تشكّل سوى بداية للأزمة التي تمتد إلى الطريقة التي تتعاطى فيها المنظومة الحاكمة مع ملف النفايات.

واقع مرير

يظهر تقرير لمهارات نيوز توزيع المكبات الرئيسية في لبنان وعددها سبعة، بينها ستّة تشكّل خطراً على صحّة المواطن، إضافة إلى 735 مكباً عشوائياً في المناطق الريفية. 

وشكّل مطمر الجديدة - برج حمود، الذي يستقبل نفايات كسروان والمتن وبيروت، حديث الساعة بعدما بلغ في أيار 2020 قدرته الاستيعابية القصوى وانتهت مهلة العمل فيه بموجب العقد الموقع بين مجلس الإنماء والإعمار وشركة خوري للمقاولات. رغم ذلك، قرّرت الحكومة  استكمال العمل في المطمر عبر رفع مستوى طمر النفايات بما يؤمّن علوّاً ما بين المتر والمتر والنصف على امتداد مساحة المطمر الحاليّة، ما يشكّل حلاً مؤقتاً لا يساهم سوى بمفاقمة الأزمة.

أما معامل الفرز فيبلغ عددها 19 معملاً 16 منها يخضعون  لإدارة وزارة التنمية للشؤون الإدارية، ويعمل سبعة منهم فقط 7بقدرة استيعابية تتراوح بين  10 إلى 40 طن فيما المعامل الستة الأخرى  متوقفة وتصل  قدرتها الاستيعابية إلى 150 طن.

وتخضع ثلاثة معامل لإدارة مجلس الإنماء والإعمار، معمل الكورال المتوقف عن العمل ومعمل العدوسية ومعمل الكارنتينا الذي لا يقوم بالفرز وينقل النفايات إلى مطمر برج حمود دون أي معالجة.

وأعطى وزير المال غازي وزني مؤخّرا توجيهاته بصرف 12 مليار للبلديات لقاء تشغيل وصيانة المعامل دون إعطاء أي تفاصيل عن توزيع هذه الأموال وعن كيفية صرفها، ما يطرح الكثير من التساؤلات في ظلّ عدم الشفافية الحاصلة من السلطة.

تشكّل  المكبات غير الصحية والعشوائية ومعامل الفرز المتوقفة بمعظمها هدراً للمال العام عدا عن ضررها على لصحة المواطن. وفي هذا الإطار، قدّرت دراسة أجراها البنك الدولي تكلفة التلوث البيئي الناجم عن الطمر والحرق بما يقارب 10 ملايين دولار سنويا بينما تبلغ  تكلفة التدهور البيئي  بسبب سوء إدارة النفايات الصلبة 66.5 مليون دولار سنوياً.

وفي العام 2017،  أجرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تحقيقاً حول آثار الطمر والحرق على سكان المناطق المجاورة للمطامر، حيث تبين أنهم يعانون من السعال والربو والتهابات الحلق وغيرها من الأمراض.

ويوصّف الإختصاصي البيئي بول أبي راشد واقع ملف النفايات، مشيراً إلى أنّ السلطة لا تتعامل معه  من منطلق  خلق حلول مستدامة تضمن سلامة البيئة والمواطن، بل على العكس تعتبره حصّة ضمن النظام القائم كما المرفأ  والمطار والجمارك وغيرها.

وأضاف أبي راشد: "تعلم السلطة أن الصندوق البلدي المستقل يدرّ المليارات وهي تحاول الاستفادة من هذه الأموال قبل ذهابها للبلديات عبر احتكارها لجمع النفايات وطمرها، وهمّها الوحيد كم دولارا تتقاضى على طن النفايات".

حلول مستدامة؟ 

أقرّ مجلس النواب القانون رقم 80 كأول قانون لإدارة النفايات الصلبة في أيلول 2018. وينص إلى المراحل المذكورة أعلاه، تفاصيل أخرى تراعي الشروط البيئية العالمية بما يضمن سلامة البيئة والمواطن والحل المستدام للنفايات، لكن إلى اليوم لا يزال هذا القانون حبرا على ورق.

وأقرّت وزارة البيئة سياستها المستدامة لإدارة ملف النفايات التي وافق عليها مجلس الوزراء في 11 كانون الثاني 2018. وتقضي بتعزيز التعاون بين الوزارات والبلديات للانطلاق في عملية التغيير الجذري في ملف النفايات عبر تقليل نسبتها في المناطق كافة واعتماد التسبيخ والتدوير والطمر الصحي وصولا لإقفال كافة المطامر التي تشكّل خطرا على المجتمع، ليكن مصيرها كما غيرها من الخطط في لبنان.

ويقول أبي راشد إنّ الأزمة في عدم تطبيق الخطط المستدامة هي سياسية بحتة، فالحلّ المستدام لملف النفايات بسيط وغير مكلف إلا أن السلطة الحاكمة تريد تكلفة عالية لتوسيع دائرة الصفقات والفساد.

وتنقسم الخطّة المستدامة  إلى مراحل عدّة، بحسب أبي راشد، تقضي المرحلة الأولى بتخفيف نسبة النفايات عبر الفرز من المصدر وإلزام كل بلدية بمتابعة السكان لضمان عملية الفرز وتشجيع إعادة استخدام بعض النفايات قبل أن تصبح في المكبات كإطارات السيارات. وفي هذا الإطار، أصدرت الحكومة في 11 أيلول 2019مرسوماً يقضي بتوفير البلديات احتياجات السكان كي تتم عماية الفرز في المنازل، إلا أن ما هو واضح أنّه ما من التزام بهذا القرار.

وتقوم المرحلة الثانية على التسبيخ،  فالنفايات العضوية التي تشكّل 50% من نفايات المنازل مفيدة ويمكن استخدامها كعلف. ويعطي أبي راشد مثالا على مستوى صغير عن شخص في الكورة يطعم خنازيره من خلال جمعه للنفايات العضوية من منازل البلدة، ما يخفف من نسبة النفايات.

ويوضح أبي راشد أنّ  النفايات العضوية  قيّمة، فشراء طن كومبوست مستورد يبلغ سعره 200 دولار علما أن كل طن نفايات يحتوي على 500 كلغ من الطعام المرمي و 60% من هذه الكمية هي للإستعمال، أي 300 كلغ، ما يعني أنّ كل طن نفايات يُرمى في المطامر بشكل غير صحّي وخطير ويرمى معه 900 ألف ليرة لبنانية كومبوست أو علف.

أما المرحلة الرابعة  فهي التدوير، ذلك أنّ 35% من النفايات قابلة لإعادة التدوير، بحسب أبي راشد.

وتظهر دراسة أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت مراحل التخلص من النفايات الصلبة من الأكثر تفضيلاً إلى الأقل، أي من التخفيف من النفايات إلى التسبيخ والتدوير من ثم استرداد الطاقة وصولاً إلى الطمر الصحّي.

يشكّل حرق النفايات إحدى الحلول في خطّة الوزارة. ويقول أبي راشد إنّه في منهجيّة السلطة لو أقرّ مؤتمر سيدر وأنشأت المحارق لكان لبنان في كارثة أكبر،فالأمر يحتاج إلى دراسة بيئية واسعة تغيب عن الخطة. وأضاف: "قد يكون الحرق حلاً للنفايات الخطيرة لكن لا يمكن اعتبار النفايات العضوية قابلة للحرق كونها رطبة، مع التشديد على أنّ حرق 10% من النفايات يختلف عن حرقها 100%".

قد يكون ما حصل مؤخراً من قبل "نابشي" المطامر خير دليل على جدوى تخفيف النفايات والفرز وإعادة التصنيع واعتماد خطة مستدامة لادارة النفايات  وعلى أنّ ما تحتويه المطامر السامة من نفايات يمكن الاستفادة منها ضمن خطة تعود بالفائدة الماديّة والبيئية والصحيّة على لبنان.

ويقول أبي راشد: "لو كنا والسلطة نتكلم  اللغة ذاتها، لكنا وجدنا حلاً لملف منذ عام 1990، لكن لا نية للتواصل والإصغاء، وبدلا ذلك ثمّة استمرارية للمافيا بجني الأموال من ملف النفايات على حساب صحّتنا، ولو أتى بابا روما ليتكلم معهم فلن يصغوا".

 

TAG : ,النفايات الصلبة ,الفرز من المصدر ,الفرز ,التسبيخ ,التدوير ,حلول مستدامة ,نابشي النفايات ,المطامر ,معامل الفرز ,خطة مستدامة