Loading...

الحماية الإجتماعية في لبنان: غائبة رغم محاولات الدفع الدولي

 

مر أكثر من ثلاثة أعوام على الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يعيشها لبنان منذ العام 2019، ولا تزال البرامج الجديّة للحماية الاجتماعية غائبة عن حياة اللبنانيين ولا يزال صانعو القرار في لبنان يعتمدون أسلوب المماطلة في إقرار قوانين وإصلاحات من شأنها أن تساهم في وقف الانهيار. 

ركز إطار الإصلاح و التعافي وإعادة الإعمار " 3RF" الذي وضعته مجموعة البنك الدولي والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي بالتعاون مع المجتمع المدني والحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي عام 2020، والذي جاء كجزء من الاستجابة الشاملة للانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس/آب 2020 على موضوع الحماية الاجتماعية، وعلى ضرورة مساعدة الفئات "الأكثر حاجة" على الصمود، وهذا ما استدعى تشكيل منتدى تنسيق الحماية الاجتماعية (SPCF) لمتابعة وتنسيق عدّة أمور منها التركيز على دعم تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، إنشاء وتنفيذ المنح الاجتماعية لمعالجة نقاط الضعف في دورة الحياة (المعاش الاجتماعي وبدل الإعاقة ومنحة الطفل)، الاستمرار في تطوير نظام معلومات الحماية الاجتماعية كسجل الأسرة، استحداث نظام للمعاشات وإصلاح ترتيبات التأمين الصحي للعاملين في القطاع الخاص مع ضمان الاستدامة المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

 

 

 منتدى تنسيق الحماية الاجتماعية …انجازات وتحديات 

منتدى تنسيق الحماية الاجتماعية  ومجموعة عمل "اطارالاصلاح والتعافي وإعادة الإعمار" هما دمج لمجموعتين موجودتين من قبل وهما: منتدى شركاء شبكة الأمان الاجتماعي الذي شارك في رئاسته البنك الدولي والإتحاد الأوروبي و"مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة" (UN-SDG).

وحول أدوار المنتدى وما تم تحقيقه من الأهداف يقول جاب فان ديغل (Jaap van Diggele) من سكرتارية اطار الاصلاح و التعافي وإعادة الإعمار في حديث لموقع "مهارات نيوز":  "إن منتدى تنسيق الحماية الاجتماعية ساهم في عملية المساعدات الدولية للبنان في مجال الحماية الإجتماعية لتكون أكثر تماسكا، وأصبحت جميع الجهات الفاعلة الرئيسية موجودة الآن حول طاولة واحدة مما يساعد على مواءمة البرامج وتجنب المناقشات المتوازية وتعزيز المناصرة لمزيد من الدعم الفعال للحماية الاجتماعية. وقد ساعد المنتدى في تسريع تنفيذ البرنامج الوطني لاستهداف الفقر وشبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ.

وأكد أن وزارة الشؤون الاجتماعية كانت حاضرة في الاجتماعات وتم الترحيب بها لتولي القيادة ونعتبر أن إنشاء منتدى شامل لهذه المناقشات هو إنجاز، وسيكون تركيز المنتدى على دعم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية.

ويضيف فان ديغل أن مناقشات منتدى تنسيق الحماية الاجتماعية سواء في الاجتماعات الرسمية أو في الاجتماعات الجانبية مع الأعضاء المختلفين قد عززت موضوعات مهمة مثل تطوير نظام معلومات الحماية الاجتماعية، استحداث نظام للمعاشات وإصلاح ترتيبات التأمين الصحي للعاملين في القطاع الخاص، مع ضمان الاستدامة المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتتماشى كل هذه الأهداف مع المعايير الإرشادية لصندوق النقد الدولي

سجل "منتدى تنسيق الحماية الاجتماعية" أثناء متابعته العديد من التحديات التي واجهت وتواجه تسريع إنجاز الإصلاحات المطلوبة ومنها البطء في التنفيذ، فقد استغرقت مثلا الموافقة على الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية من قبل مجلس الوزراء والتي تمت صياغتها منذ أكثر من عام، وقتًا طويلاً.

وبحسب فان ديغل فإنه يجب  تحسين إشراك المجتمع المدني اللبناني لسماع المزيد من أصوات الأشخاص المحتاجين للحماية الاجتماعية، ويعمل مجلس منظمات المجتمع المدني التابع لإطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمارعلى هذا الأمر.

 

يذكر أن لدى منتدى تنسيق الحماية الاجتماعية قيادة مشتركة (co-lead) مع كل من منظمة اليونيسف، الإتحاد الأوروبي، البنك الدولي، منظمة العمل الدولية، ومجموعة أعضاء: وزارة الشؤون الإجتماعية، وزارة العدل، وزارة العمل، مكتب رئيس الوزراء، الإسكوا، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين(UNHCR)، هيئة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women)، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي(UNDP)، سفارات هولندا، كندا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، المملكة المتحدة، اوكسفام (Oxfam)، جمعية إنقاذ الطفل الدولية (Save the Children)، الإتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا (LUPD)، منتدى المنظمات غير الحكومية الدولية الإنسانية لبنان (LHIF).

في السياق، شارك الإتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا بحركة المناصرة والدفع فيما يخص قضايا الحماية الإجتماعية، وتقول رئيسة الإتحاد سيلفانا اللقيس لموقع مهارات نيوز: "نحن كجمعيات الإعاقة عملنا سويًا مع كل من اليونيسف ومنظمة العمل الدولية وقد تم فتح إطار للعمل والتشاور، وهذا العمل أنتج أوراق سياسات عن الحماية الاجتماعية، ومن ذلك الحين ونحن نحاول تفعيل تطبيق هذه الأوراق مع الوزارات المعنية وهو ما أنتج إطلاق برنامج مساعدات جديد تم اعلانه منذ أيام وهو "البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة" ويمكن القول أن هذا البرنامج هو ثمرة  مسار مستمر من العمل والمناصرة.

ونرى أن هذه الخطوة تأسيسية ولكن المفترض أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية  "بمأسسة هذا البرنامج" وتعكسه في الميزانية، وأن يتوسع ليطال كل الاشخاص المعوقين وهم حوالي 120 ألف شخص بينما يستهدف البرنامج حاليا فقط 20 الف.

وكان قد أُعلن في بيان في 12 نيسان/أبريل 2023 عن "إعادة توجيه" إطار الإصلاح و التعافي وإعادة الإعمار وبالتالي لن يوسّع إطار 3RF بعد الآن نطاق تركيزه على جهود التعافي بما أن هيكليات تنسيق أخرى في لبنان مُجهّزة بشكل أفضل لتلبية الاحتياجات الإنسانية وتلك الخاصة بالتعافي.

وسيستمر الصندوق الائتماني المخصص للبنان (Lebanon Financing Facility)  في توجيه التمويل لدعم تنفيذ الأولويات المُتّفق عليها ضمن إطار3RF ، كما سيقدم الدعم المالي والفني لتنفيذ الأولويات التي تحددها مجموعات العمل الخاصة بكل قطاع والتي يقودها ممثلو الحكومة. وستعكس خطة عمل الصندوق لعام  2023 هذا التحول في التركيز على الإصلاحات وصلتها بحشد الأموال لإعادة الإعمار. ولن تؤثر هذه القرارات على برامج التعافي قيد التنفيذ حالياً.

كما سيتم تحسين الوصول إلى المعلومات حول إطار 3RF  من خلال إطلاق موقع إلكتروني مخصّص له، والذي سيتضمن قسماً لتتبّع الإصلاحات، ولمحة عامة عن الأولويات المُحددة بحسب كل قطاع، بالإضافة إلى النتائج الرئيسية للمناقشات ذات الصلة. ومن شأن ذلك أن يدعم أيضاً مجلس الرقابة المستقل (Independent Oversight Board) في الاضطلاع بوظيفته المهمة.

 

اجراءات لا تحاكي واقع الأزمة 

أقر لبنان عددا من البرامج الخاصة بالحماية الاجتماعية وقد خصص في موازنته لعام 2022 نسبة كبيرة من النفقات لهذه الغاية ولكن في المقابل لم يلمس اللبنانيون طيلة الفترة الماضية أي تغيير ملحوظ على جودة معيشتهم وبحسب دراسة لمعهد باسل فليحان المالي والإقتصادي أنفق لبنان بين عامي 2017 و2020 ما بين 5 إلى 6 % من ناتجه المحلي الإجمالي و 22% من موازناته على الحماية الاجتماعية ومع ذلك لا تزال التغطية بعيدة عن أن تكون شاملة. ويعود ضعف فعالية الحماية الإجتماعية في معالجة والحد من الفقر وعدم المساواة في لبنان بدرجة رئيسية إلى التباينات في الإنفاق وغياب إستراتيجية واضحة للحماية الاجتماعية.

تركزت إجراءات الحكومة اللبنانية في موضوع المساعدات الاجتماعية في العامين الماضيين حول برنامجين أعلن عنهما للمساعدات النقدية، الأول تحت اسم "أمان" والذي أطلق في كانون الأول 2021 ويستهدف 150 ألف عائلة ويرصد 20 $ لكل فرد من العائلة لغاية 6 افراد و 25 $ على العائلة كدفعة أساسية. ويستفيد من هذا البرنامج اليوم ما يقارب الـ 80 ألف عائلة وتم الإعلان مؤخرا عن التجديد للمستفيدين القدامى لـ 6 أشهر إضافية، بعد أن كان البرنامج مصمماً للإستفادة منه لمدّة عامٍ واحدٍ فقط". ويشكك عدد كبير من المواطنين بآلية اختيار الأسر حيث أنه لا يزال الكثير منهم لم يستفيدوا من أية مساعدة. 

والثاني، برنامج البطاقة التمويلية، وهو برنامج للأشخاص الذين كانوا ميسورين وأصبحوا عكس ذلك بسبب المشاكل الاجتماعية وفقدان القدرة الشرائية ويقدّم البرنامج لكل فرد من أفراد الأسرة مبلغًا شهريًا قدره 25 دولار أميركي أو ما يعادله بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف على منصة صيرفة، بالإضافة إلى مبلغ 15 دولار أميركي أو ما يعادله بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف على منصة صيرفة لكل شخص في الأسرة يتجاوز عمره 64 عامًا، على ألّا يتعدى المبلغ الأقصى للأسرة الواحدة 126 دولار أميركي أو ما يعادله بالليرة اللبنانية بحسب سعر الصرف على منصة صيرفة.

وإن كان برنامج "أمان" ورغم عدم وصوله للأرقام المرجوة من المستفيدين حتى الآن قد حقق بعض الأهداف، فإن برنامج البطاقة التمويلية لا يزال معلقا بسبب عدم القدرة على تأمين التمويل له، رغم مفاوضات الدولة اللبنانية مع البنك الدولي لتمويل المشروع. 

كما يوجد أيضا  "البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً"، وهو برنامج دائم في وزارة الشؤون وأطلق عام 2011 وكان وزير الشؤون الاجتماعية قد أعلن في مؤتمر صحافي ارتفاع عدد الأسر اللبنانية المستفيدة منه من 36 ألف في العام 2021 إلى 66,539 في العام 2023، وأنهم مستمرون بتنفيذه بهدف استفادة عدد أكبر من الأسر التي كانت قد تسجّلت في مراكز الوزارة المنتشرة على كل الأراضي اللبنانية".

في السياق تؤكد اللقيس في حديثها لـ "مهارات نيوز" أن الحماية الاجتماعية بالمفهوم الشامل لا زالت غير متوفرة في لبنان وهي عبارة عن رزمة حقوق كاملة، فاليوم الطبابة غير متوفرة، وكذلك السكن، الضمان الاجتماعي، وضمان الشيخوخة، وفوق كل ذلك لا تزال البيئة غير مؤهلة فيما يخص ذوي الإعاقة، فلا وجود لنقل مجهز مما يعيق عملية التنقل، كما في ما يخص التعليم فهو لا يزال غير دامج مما يجعل الأشخاص من ذوي الإعاقات بعيدين عن الإستفادة من الحماية الإجتماعية.

وتضيف: "نريد سلة الحقوق كاملة وأن تكون محترمة ومدرجة بسياسة الحكومة، ويجب فتح الباب لمشاركة الأشخاص المعوقين وهذا استناداً لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تؤكد ضرورة إشراك الجمعيات التي تمثل المعوقين في التخطيط والتنفيذ".

تُعتبر الحماية الاجتماعية حق من الحقوق الأساسية للأفراد وغالبا ما تلجأ الدول لتفعيلها خاصة في أيام الأزمات لمنع تدهور أوضاع الناس المعيشية والحفاظ على كرامتهم وسلامتهم، خاصة للفئات التي لديها حظ أقل في الوصول للخدمات، ولكن الوضع القائم في لبنان وغياب استراتيجية شاملة وواضحة للحماية الإجتماعية ستدفع المواطنين لمزيد من الفقر واليأس والسياسيين لمزيد من الزبائنية.

 

TAG : ,الحماية الاجتماعية ,منتدى ,منتدى تنسيق الحماية الاجتماعية ,لبنان ,البطاقة التمويلية